اقرأ أيضا:
وهناك رواية أخرى عن ابن عمر فيها الأمر بالتماس ليلة القدر في السبع الأواخر، وإن السبع داخلة في العشر ومعدودة منها، وبهذا ينتفي الإشكال بين الروايات.
معنى قوله (تحروا ليلة القدر) يريد ابحثوا عن ليلة القدر واطلبوها بالاجتهاد في الصلاة والدعاء، رجاء موافاة الليلة للفضل العظيم الذي يناله الموفق لها، وبما أن الأحاديث الواردة في تحديد أي ليلة كثيرة، بين الأوتار من ليالي العشر الأواخر، أو ليالي العشر الأواخر كلها، فإن المسلم بالتحري وعدم التقيد بليلة دون أخرى يجتهد في جميعها بالصلاة والدعاء، ويحتاط من أن يفوت أو يفرط بهذا الخير، لعله يصادف إحداهن ليلة القدر فيصيب فضلها ورحمتها وأجرها وخصوصيتها، فيكون من المقبولين.
وإن تحري ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان من سنن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث حين جادل الناس في تعيين ليلة القدر، خرج النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة فقال: (خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت، وعسى أن يكون خيرا لكم، فالتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة).
فقوله صلى الله عليه وسلم (وعسى أن يكون خيرا لكم) يريد أن البحث عنها والطلب لها بكثير من العمل، هو خير من هذه الجهة.
ويظهر لنا حكمة تحري ليلة القدر في العشر الأواخر وتغييبها من الناس من خلال ما اختاره الإمام الطبري، فقال: والآثار المروية في ذلك عن النبى عليه السلام صحاح، وهي متفقة غير مختلفة، وذلك أن جميعها ينبئ عنه عليه السلام أنها فى العشر الأواخر، وغير منكر أن تتجول في كل سنة فى ليلة من ليالى العشر كما قال أبو قلابة، وكان معلوما أنه عليه السلام إنما قال في كل ليلة من الليالي التي أمر أصحابه بطلبتها فيها أنها كانت عنده في ذلك العام في تلك اليلة، فالصواب أنها في شهر رمضان دون شهور السنة؛ لإجماع الجميع وراثة عن النبى عليه السلام أنه قال: (هي في العشر الأواخر في وتر منها) ثم لا حد فى ذلك خاص لليلة بعينها لا يعدوها إلى غيرها؛ لأن ذلك لو كان محصورا على ليلة بعينها لكان أولى الناس بمعرفتها النبي عليه السلام مع جده فى أمرها ليعرفها أمته.
زاد ابن عثيمين فقال: وإنما أخفي عين ليلة القدر لفائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى: بيان الصادق في طلبها من المتكاسل، لأن الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليالي من أجل أن يدركها ، والمتكاسل يكسل أن يقوم عشر ليالي من أجل ليلة واحدة.
الفائدة الثانية: كثرة ثواب المسلمين بكثرة الأعمال، لأنه كلما كثر العمل كثر الثواب.
سميت ليلة القدر بما تقدر فيها من الأقدار، وما يكون فى تلك السنة من الأرزاق والآجال بقوله: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ [القدر: 4] أي تهبط الملائكة وجبريل من السموات إلى الأرض بكل أمر، ومن أجل كل أمر قدر في تلك الليلة إلى قابل، ولا يفعلون شيئا إلا بإذن الله؛ ولقوله: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 4].
وفي المسند عن عبادة: «من قامها ابتغاءها، ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر». وللنسائي في حديث قتيبة بن سعيد عن سفيان: «غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» قال الحافظ: وإسناده على شرط الصحيح.
وقولها (شد مئزره): كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة عن المعتاد، أو كناية عن اعتزال النساء.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان». رواه الترمذي فقال: حسن صحيح.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في سائر السنة فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال: (سبحان الله ماذا أنزل الله الليلة من الفتنة! ماذا أنزل من الخزائن! من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة) البخاري.
ولكن إيقاظه صلى الله عليه وسلم لأهله في العشر الأواخر من رمضان كان أبرز منه في سائر السنة.
قال الشعبي في ليلة القدر: ليلها كنهارها. وقال الشافعي: أستحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها.
قالت عائشة رضي الله عنها: إذا كان رمضان قام ونام فإذا دخل العشر شد المئزر واجتنب النساء واغتسل بين الأذانين وجعل العشاء سحورا].
وقد روي عن السلف كذلك فعل هذا فقد قال ابن جرير – رحمه الله -: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، وكان النخعي يغتسل في العشر الأواخر كل ليلة.
ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر، فأمر زر ابن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان.
وروي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه إذا كانت ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيب ولبس حلة إزار ورداء فإذا أصبح طواها فلم يلبسها إلى مثلها من قبل.
وهذا يدخل في قوله تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) {الأعراف:31}
جاء في كتاب الموطأ: عن سعيد بن العسيب، وعروة بن الزبير، أنهما سمعا عائشة تقول: السنة في المعتكف ألا يمس امرأته ولا يباشرها، ولا يعود مريضا، ولا يتبع جنازة، ولا يخرج الا لحاجة الانسان، ولا اعتكاف الا في مسجد جماعة، ومن اعتكف فقد وجب عليه الصيام.
[1] صحيح البخاري (780) ومسلم (1167)
[2] البخاري (1105) ومسلم (1169).
[3] صحيح البخاري (1913)، صحيح مسلم (1165).
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين