جعل الله تعالى استمرار الحياة مرهونا بالتزاوج بين الرجل والمرأة، ولأجل ضمان تحمل كل منهما تكاليف الحياة ومصاعبها، ركب الله تعالى فيهما “غريزة الميل” إلى بعضهما، فالغُنم بالغرم، وهذا يقتضي أن يتحمل كل منهما المصاعب، لقاء المودة والرحمة التي ذكرها الله تعالى في القرآن، كأساس للحياة الأسرية السعيدة.
إن التعلق المعنوي بين الرجل والمرأة هو سر السعادة، وهو أساس لاستمرار الحياة الزوجية الهنيئة، أما التعلق بالماديات، فهو تعلق مؤقت، يذبل كلما بدأت الماديات بالتحول والاضمحلال، على عكس التعلق المعنوي، الذي يزداد طردا كلما تقدم الشريكان في سلم العمر.
لكنّ تعقد الحياة العصرية، وارتباطها أكثر فأكثر بالمادة، جعل من التفكير في قيم “المودة والرحمة” الزوجية، أمرا بعيدا عن منطق شباب هذا العصر، بسبب بحثهم اللاهث عن ماديات في الشريك المتوقع للحياة الزوجية، بيد أنهم يرجعون بخُفي حنين حين يصطدمون بواقع تغير الماديات والتعود عليها، مما يخلق لهم جوا من التعاسة، والهروب من الزواج، والبحث عن متع المادة تحت أي مسمى إلا الزواج، لكن هذا البحث لا يعود عليهم إلا بمزيد من العطش الذي لا يروى أبدا.
وربما كان المسؤول الأهم عن هذه النظرة وسائل الإعلام، التي طرحت “الماديات” كأساس لتقبل الشخص الآخر، صديقا، أو زميلا، أو زوجا في الحياة، فكثير من الإعلانات التي تجعل من “الماركات”، ومن “الموضة”، ومن “الستايل”، عادات متبعة في الحياة، ومع سير الزمن، تضخمت هذه العادات، وتحولت إلى ثقافة اجتماعية للناس، ولهذه الثقافة سلطان في تسير الناس، وخلق سلوكياتهم.
وحل هذه المشكلة في رأيي يعود إلى تغير عادات في الجيل القادم، عبر زرع قيم التوازن بين الجسد والروح، بين الماديات والمعنويات، وأن يخفف الإعلام من غلوائه الاستهلاكي.
إن الإنسانية هي قيمة في حد ذاتها، والإنسان هو الكل من الجسد والروح، ولكل متطلباته حتى تتحقق السعادة الإنسانية المنشودة.