خلق الله إبليس ليكون نموذجاً للنهاية الخاسرة، ودرساً لبني آدم خلاصته أن العناد والتكبر والحسد، عوامل أساسية مؤدية بالضرورة لنهاية بائسة مؤلمة، وهي كلها توفرت في إبليس ساعة نزول الأمر الإلهي في الملأ الأعلى في زمن ما، بالسجود لآدم عليه السلام.
ارتكب هذا المخلوق الناري المسمى إبليس ذنب العصيان بسبب حسده وتكبره على المخلوق الطيني المسمى آدم، ورفضه العودة والإنابة والتوبة، فكان مصيره الطرد النهائي من الرحمة الإلهية إلى يوم القيامة.
أما آدم عليه السلام، وحال ارتكابه ذنب العصيان بالأكل من الشجرة المحرمة، بعد أن وسوس إليه الشيطان وزين له الأمر، ندم وتاب، واستغفر وأناب، فكان القبول منه. أي أن آدم عليه السلام، علم ماهية الخطأ، فأدرك من فوره أنه أخطأ، وأن العلاج هو العودة السريعة إلى جادة الصواب والصراط المستقيم، وهذا يعني أنه فكر وقدّر، فاختار مصيره أو نهايته المرغوبة، كما علمه الله، لم يتكبر ولم تأخذه العزة بالإثم.
إنه النموذج المثالي للنهاية السعيدة لمرتكب الذنب والمعصية، حال استغفاره وتوبته وإنابته. ومن هنا يتبين أنه رغم قوة وبأس وتأثير الشيطان على الإنسان، إلا أنه أضعف من أن يقرر مصير هذا الإنسان، لأن هذا البشري هو صاحب لب وإرادة وقرار، والله منحه من الإمكانيات أن يختار طريق الهداية أو الغواية، رضا الله أو غضبه، جنته أو ناره.
الآيات القرآنية التي تحذرنا من الشيطان وألاعيبه كثيرة، فهذا الشيطان تكمن قوته في مهارته وقدرته على الإغواء والوسوسة والايحاء ليس أكثر. بمعنى أنه لا يملك سلطة عليك، ولا يقدر أن يأمرك مباشرة لفعل الشر، بل هو يدرك مسألة التحدي عند بني آدم حين يأتي وقت التحدي، خاصة إن كان بالقلب إسلام وإيمان. ولهذا هو لا يتحداك، بل جل ما يمكنه القيام به أن يستدرجك ويغويك ويزين لك الأمر، ويسير بك خطوة تتبعها أخرى إن تركت له الحبل على الغارب، حتى تجده وقد حقق غايته.
حين يقول لنا سبحانه وتعالى { ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين } (البقرة: 208) فإنما هو نداء لعباده المؤمنين، يحذرهم من عدوهم الذي لا يكل ولا يمل، وكأنما لسان حال الآية الكريمة يقول: يا عبادي الذين آمنوا بي حق الإيمان، انتبهوا إلى عدو أبيكم آدم، وعدوكم أنتم ومن معكم من المؤمنين إلى يوم الدين. إنكم مادة الصراع الدائم بين الحق والباطل، الخير والشر، الإنسان والشيطان حتى قيام الساعة.. إنكم قصة واضحة بذاتها، يعرف كل منكم دوره فيها بحسب فطرتكم، وعندكم الإلمام الكافي، والقدرة على أن يرسم أحدكم نهايته بنفسه، بعد أن يستعين بالله، ويحذر من خطوات الشيطان.
حاول أن تتأمل قوله تعالى في الآية الكريمة التالية التي توضح لك أقصى ما يمكن لإبليس أو الأبالسة القيام به مع بني آدم، وهو الوسوسة والغواية وتزيين الأمور، لا أكثر من تلكم الأفعال. وهذا باعتراف إبليس نفسه يوم القيامة (وقال الشيطان لما قُضي الأمر: إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ۖ وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ۖ فلا تلوموني ولوموا أنفسكم). الشيطان أول من يتبرأ من بني آدم الذين أغواهم ومن أعمالهم.
الشيطان الذي هو أصل كل الشرور في الدنيا، يبحث بنفسه عن ذرة رحمة تنقذه مما فيه يومئذ، فهو حين يجد أتباعه من الإنس على اختلاف مذاهبهم وأديانهم ومعتقداتهم، يلومونه على ما هم فيه بسببه، يظهر أمامهم ويبين لهم حقيقة الأمر، والتي تمثلت في تشويه صورة الخير الذي حمله الأنبياء والمرسلون ومن سار على دربهم، وتزيين الشر لهم وغوايتهم حتى اتبعوه دون أي ضغط منه أو أي سلطان له عليهم في الحياة الدنيا.
بمعنى آخر، لسان حال الشيطان أو إبليس يقول لهم يومئذ، إنه وبدلاً من قبول دعوة أولئك الخيّرين من الأنبياء والمرسلين والصديقين والصالحين، أبيتم إلا اتباع خطواتي، والسير في دربي الشيطاني، حتى آلت أموركم إلى ما أنتم عليه الآن.. جهنم وبئس المصير.
هكذا إذن هو المشهد بكل وضوح.
من يتبع خطوات الشيطان، فلا يلومن إلا نفسه.
ومن هنا لنحاول بعد الاستعانة بالله، أن نضع الآية الكريمة أمام ناظرينا، لندرك مدى قوتنا في رسم نهاية سعيدة أو شقية لأنفسنا.
نسأل الله لنا ولكم العافية.
تنزيل PDF