فقدت الأمة الإسلامية عالمًا جليلًا ومحدثًا بارعًا هو الشيخ أبو إسحاق الحويني، الذي وافته المنية في العاصمة القطرية الدوحة مساء الإثنين السابع عشر من مارس 2025 م عن عمر ناهز 68 عامًا، وذلك بعد صراع مع المرض.
وأعلن حاتم الحويني نبأ وفاة والده على صفحته الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي قائلا (إنا لله وإنا إليه راجعون.. مات أبي)
كان الشيخ أبو إسحاق الحويني رحمه الله أحد أبرز علماء الحديث في العصر الحديث، وكرس حياته لخدمة السنة النبوية كما أثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفات قيمة حتى أضحت مرجعًا للدارسين وطلاب العلم الشرعي.
نسلط الضوء على مسيرة هذا العالم الجليل، ورحلته العلمية والدعوية وأهم إنجازاته ومؤلفاته.
من هو الشيخ أبو إسحاق الحويني ؟
هو حجازي بن محمد بن يوسف بن شريف، اشتهر بكنيته أبو إسحاق الحويني نسبةً إلى قريته حُوَيْن بمحافظة كفر الشيخ في مصر. سماه والده “حجازي” تيمنًا بالحج، وتكنّى في بداية طلبه للعلم بـ”أبي الفضل” لتعلقه بالإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، ثم استبدلها بـ”أبو إسحاق” تأثرًا بالإمام أبي إسحاق الشاطبي.
المولد والنشأة
وُلد الشيخ في يوم الأحد الأول من ذي القعدة سنة 1375هـ، الموافق 10 يونيو 1956م، ونشأ في بيت صلاح وتقوى. كان والده محبًا للقرآن وأهله، وكان من رموز قريته، يُستشار في فض النزاعات بين الناس. أما والدته، فقد كانت صالحة متدينة، وكانت نعم العون له في طلبه للعلم.
المسيرة التعليمية
التحق الشيخ بالتعليم النظامي في المدارس الحكومية، حتى وصل إلى المرحلة الجامعية، حيث درس في كلية الألسن بجامعة عين شمس، قسم اللغة الإسبانية. ورغم تفوقه في دراسته، إلا أن قلبه كان معلقًا بالعلم الشرعي، وبدأت رحلته الحقيقية في دراسة علوم الحديث والتفسير والفقه.
بداية طلبه للعلم الشرعي
بدأ الشيخ بحب اللغة العربية وقراءة كتب الأدب، ثم تحول اهتمامه إلى علم الحديث بعدما وقع في يده كتاب “صفة صلاة النبي ﷺ” للشيخ ناصر الدين الألباني، وكان لهذا الكتاب أثر بالغ في توجهه العلمي. قرر الشيخ التفرغ لطلب العلم، وبدأ بحضور دروس المشايخ، فجلس عند العلامة محمد نجيب المطيعي، ودرس عليه أصول الفقه، وعلوم الحديث، وصحيح البخاري.
بعد ذلك، شد رحاله إلى الأردن للقاء الإمام المحدث ناصر الدين الألباني، وأصبح من أبرز تلامذته. وكان الشيخ الألباني يثني عليه كثيرًا، وذكره في كتبه، واصفًا إياه بأنه “من أقوى الإخوة في علم الحديث”.
شيوخه
تتلمذ الشيخ على يد مجموعة من كبار العلماء، أبرزهم:
- الشيخ محمد نجيب المطيعي (أصول الفقه والحديث)
- الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (علوم الحديث)
- الشيخ عبد العزيز بن باز (العقيدة والفقه)
- الشيخ محمد بن صالح العثيمين (الفقه)
- الشيخ عبد الله بن جبرين
- الشيخ عبد الحميد كشك (الخطابة والدعوة)
كما تأثر بكتب الشيخ أحمد شاكر، وسيد أحمد صقر، وعبد الرحمن المعلمي اليماني.
منهجه العلمي
كان الشيخ متمسكًا بعقيدة أهل السنة والجماعة، حريصًا على تصحيح الأحاديث ونشر السنة. رفض التقليد الأعمى، وكان يدعو إلى اتباع الدليل. عُرف بدقته في التخريج والتحقيق، وكان يولي اهتمامًا خاصًا بتصفية السنة مما شابها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
مؤلفاته العلمية
أثرى الشيخ أبو إسحاق الحويني المكتبة الإسلامية بعدد كبير من الكتب والمشاريع العلمية سواء كانت مؤلفات أو تحقيق، وتخريج لمخطوطات، منها:
- تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر في كتب الأماجد
- غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود
- النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة
- كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء
- الأحاديث القدسية الأربعينية، لملا علي القاري
- صحيح القصص النبوي
- مسند سعد بن أبي وقاص، للبزار
- البعث لعبد الله بن أبي داود
- بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي
- فتاوى أبي إسحاق الحويني المسمى إقامة الدلائل على عموم المسائل
- الفتاوى الحديثية (إسعاف اللبيث بفتاوى الحديث)
- فصل الخطاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب، لأبي حفص الموصلي الحنفي
- رسالتان في الصلاة والسلام على النبي ﷺ وعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام.

كما عمل على تحقيق عدد من المخطوطات القيمة، مثل “فضائل القرآن” لابن كثير و “تفسير القرآن العظيم” لابن كثير، و”كتاب الصمت أبي الدنيا، و”الديباج على صحيح مسلم” للسيوطي، وغيرها من الكتب التي كان لها أثر كبير في نشر علم الحديث وتصحيح الأحاديث المنتشرة بين الناس.
جهوده الدعوية
لم يكن الشيخ مجرد باحث ومحقق، بل كان داعية نشطًا، جاب العديد من البلدان لإلقاء المحاضرات والدروس، ومن أشهر جهوده في الدعوة بدأ الخطابة منذ أكثر من أربعين عامًا، حيث خطب في عدة مساجد في القاهرة، ثم في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية بمحافظة كفر الشيخ، والذي بناه عام 1998م، وكان مركزًا لنشر السنة والعلم الشرعي.
كما اشتهر الشيخ الحويني بالدروس العلمية وشرح كتب الحديث والتفسير والفقه ، مثل: شرح صحيح مسلم ودورس تفسير القرآن الكريم، ودروس في العقيدة والتوحيد. كما كان للشيخ الحويني ظهور في عدة برامج دعوية على القنوات الفضائية.
ثناء العلماء عليه
نال الشيخ ثناءً واسعًا من العلماء، ومنهم:
- الإمام الألباني: قال عنه: “صحَّ لك ما لم يصحَّ لغيرك”.
- الشيخ عبد العزيز الراجحي: “الشيخ أبو إسحاق محدث مصر، من علماء الحديث”.
- الشيخ مشهور حسن آل سلمان: “لم أر الشيخ الألباني فرحًا بأحد كما رأيته فرحًا بقدوم الشيخ الحويني”.
- الدكتور بشار عواد معروف: “أبو إسحاق الحويني رجل فاضل، وله تحقيقات جيدة في الحديث”.
هذا الثناء يعكس مدى مكانته العلمية، واعتراف علماء الأمة بجهوده الكبيرة في علم الحديث.
مرضه ووفاته
في السنوات الأخيرة، أصيب الشيخ بعدة أزمات صحية أثرت على نشاطه العلمي والدعوي، لكنه ظل صابرًا محتسبًا، واستمر في العطاء بقدر استطاعته. وفي 17 مارس 2025م، انتقل إلى رحمة الله في العاصمة القطرية الدوحة، عن عمر ناهز 68 عامًا، مخلفًا وراءه إرثًا علميًا كبيرًا سيظل مرجعًا للأجيال القادمة.
الخاتمة
برحيل الشيخ أبي إسحاق الحويني، فقدت الأمة الإسلامية عالمًا كبيرا، ومحدثًا بارعًا نذر حياته للعلم والتعليم. ورغم فراقه، فإن كتبه، ومحاضراته، وتلاميذه سيحملون مشعل العلم من بعده، .
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأن يسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.