من الدراسات الشرعية الجديدة الخاصة بنوازل وباء كورونا في العقود والمعاملات دراسة الدكتور خالد بن عبد الرحمن العسكر[1]، بعنوان آثار الوباء (كورونا) على عقود الإجارة دراسة فقهية، نشر 2021 بعد مرور أكثر من عام واحد على الجائحة، واخترنا هذه الدراسة لجدتها ومناقشتها للدراسات وقرارات مؤتمر (معالجة الشريعة الإسلامية لآثار جائحة كورونا) المقام بالكويت، ولسبق هذه المحاولات فإن الدراسة الحالية محكمة وتلم أثر كورونا في عقد الإجارة، ويحيط بالسؤالات التي أثيرت حول القرارات التي عمل بها خلال فترة كورونا.
وتتميز هذه الدراسة أنها ركزت على جانب تخريج وباء كورونا على فقه العلماء المتقدمين من المذاهب الفقهية الأربعة المعتمدة، ودراسات المعاصرين، والحكم على عقود الإجارة التي تم الاتفاق عليها من حيث الفسخ وعدمه، ونظرية الظروف الطارئة وما فيها من خلاف وأدلة، وأثر فيروس كورنا على عقود الإجارة. وهذه الجوانب المذكورة نقربها من خلال هذا المقال.
أوجه تخريج أثر كورونا في عقد الإجارة
جاء تعريف الإجارة بأنها عقد على المنافع بعوض، وثبتت مشروعيتها من الكتاب والسنة من ذلك، قوله تعالى: {فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وقال النبي ﷺ: (أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه). ويظهر من ذلك أن عقد الإجارة يختص بأمور:
عقد الإيجار عقد معاوضة لأن كل متعاقد يأخذ مقابلا لما يعطي، فالمستأجر يأخذ منفعة المأجور مقابل الأجرة التي يعطيها والمؤجر يعطي هذه المنفعة مقابل الأجرة. ويجب أن يكون العوض أجرة معلومة، في مدة معلومة. ومع اتفاق الدانبين فإن العقد رضائي ملزم مستمر يسري في المدة المتفق عليها.
ومما يلاحظ أن هذه الشروط تعثرت واختلت بعض أجزائها بسبب طروء جائحة كورونا المستجد، وهو سبب خارجي عن العقد وإرادة العاقدين لا سيما مع صدور قرار حظر التجوال من ولاة الأمور ومنع ممارسة النشاط التجاري وقت الحظر وأثر هذا التعطل على تعذر الانتفاع من العين المستأجرة وبالتالي تعذر الإيفاء بعقد إجارة عمل أو خدمة أو استصناع ونحوه.
وحسب الباحث فإن عقود الإجارة التي تأثرت بهذه النازلة نوعان:
النوع الأول – عقود إجارة تم الاتفاق عليها ولم يتم الانتفاع بالعين المستأجرة، من ذلك قاعات الأفراح والاستراحات وسيارات الأجرة وعقود السكن في الفنادق لأيام محددة ووسائل النقل الجوية والبحرية والبرية .
النوع الثاني – عقود إجارة قائمة وعليها أقساط دورية مستحقة، فهذه عقود مدتها طويلة ولم ينتفع المستأجر مدة الحظر فقط ثم يرجع العين المستأجر إلى حالته التي كان عليها قبل الحظر، كالمصانع والشركات المستأجرة، الأسواق التجارية، ومحال أصحاب الحرف.
ثم حدد المقصود من التخريج حسب المصطلح عليه عند علماء الفن، والذي هو العلم الذي يبحث عن علل أو مآخذ الأحكام الشرعية لرد الفروع إليها بيانا لأسباب الخلاف، أو لبيان كم ما لم يرد بشأنه نص من الأئمة بإدخاله ضمن قواعدهم أو أصولهم.
أما وجه تخريج كورونا على الجوائح فقد اختار الدكتور العسكر أن كلا من الجائحة ووباء كورونا يشتركان في أنهما ظرف لا يمكن الاحتراز عنه، وأنهما حادثان سماويان. وبنلء على ذلك يرى جواز الخروج عن بنود العقد التي يقتضي العقد تمامه بقبض المؤجر أجرته، وانتفاع المستأجر بالمنفعة، وفسخ العقد أو تخفيض الأجرة رفعا للضرر[2].
وبنى هذا الحكم بفسخ الإجارة على نظرية الأعذار، واستدل بمسألة فسخ الإجارة بسبب العذر سواء كان عاما أو خاصا، وذكر اختلاف الفقهاء في ذلك وأدلتهم، ورجح القول بالتفريق بين الفسخ بسبب العذر الخاص أو العام.
فأما الإجارة بسبب العذر الخاص فإن عقد الإجارة لا يفسخه إلا ما يفسخ العقود من وجود العيب، أو ذهاب محل استيفاء المنفعة، إلا أن يكون ضرر كبير على المستأجر لم يتمكن من الانتفاع بالعين، فهنا يتدخل القاضي للحسم في الأمر.
وفسخ الإجارة بسبب العذر العام مثل تطبيق قرار الحظر بسبب كورونا فهذا يؤدي إلى فسخ عقد الإجارة لأن كورونا أعاقت تحقيق منافع عقود الإجارة بين المتعاقدين وألحقت الضرر بهما أو بأحدهما ختى باتت عذرا للخروج من هذه الأرار بفسخ عقود الإجارة.
وبناء على ما تقدم فإن الدراسة توصلت إلى حكم نوعي عقود الإجارة التي تأثرت بنازلة كورونا، والتي تقدم عنهما البيان.
النوع الأول- عقود إجارة مؤقتة بوقت قصير ولم يتم الانتفاع بالعين المستأجرة بسبب الحظر، ومن ذلك قاعات الأفراح فإنه يسوغ فسخه لأن المستأجر في هذه الفترة لم ينتفع بالعين المستأجرة.
النوع الثاني – عقود إجارة قائمة ومستمرة وعليها أقساط دورية مستحقة، فمدة هذه العقود طويلة، ولم ينتفع المستأجر بالعين مدة الحظر، كالمصانع والشركات المستأجرة، فالحكم أنه يلزم كلا من المستأجر والمؤجر تمام المدة ويسقط من الأجرة عن المستأجر ما يقابل أيام الحظر.
حصرأثر وباء كورونا في نقص الأجرة
ومن الدراسات المحكمة في هذا الموضوع بحث سيد عال مولاي، بعنوان (أثر جائحة كورونا على أحكام الإجارة في الفقه الإسلامي)[3]، فإنه بعد تناول موضوع الإجارة والأحكام المتعلقة بها ناقش مدى إمكان حصر تأثير جائحة كورونا على عقد الإجارة في نقص الأجرة بدل اللجوء إلى الفسخ لما يمكن أن يلحق الضرر بالمستأجر ولا ينفع المؤجر، وهذا بعد جديد يختلف عن الدراسة السابقة التي اختارت فسخ عقد إجارة مؤقتة، وأسقطت الأجرة عن المستأجر في حالة عقود الإجارة القائمة أو المستمرة، وقد سبق بيان ذلك.
وهذه الدراسة الثانية نظرت إلى واقعية الفسخ في بعض المحلات ذات علامة تجارية وتسويقية عالمية، حيث يترتب على الفسخ إجراءات وضمانات قانونية تفوق الضرر الذي يلحق المستأجر لو احتفظ بالعقد، وهذا الإضرار لا يمكن أن يعود بالنفع كذلك على المؤجر.
وأما تخريج المسألة من كتب الفقه الإسلامي فإن ما يظهر من تتبع الباحث مولوي، أن استمرار عقد الإجارة مع تعطل ما تستوفى منه وهو المنفعة دون الفسخ مما اختلف فيه الفقهاء، والأقرب في أقوالهم أن عقد الإجارة في حالة الظرف القاهر، كما هو حالة كورونا التي تعد جائحة في الفقه الإسلامي أنه يجوز ينقص الأجر بقدر مدة انتفاعه ولا يشترط اللجوء إلى الفسخ. ويكون استحقاق العوض بحسب مقدار أو مدة الانتفاع.
[1] مجاة أبحاث العدد (22) (يونيو 2021م)، كلية التربية – جامعة الحديدة، صفحات 342 – 607
[2] المرجع السابق ص 321.
[3] مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية، المركو الجامعي أمين العقال الحاج موسى أق أخموك لتامنغست – معهد الحقوق والعلوم السياسية، مجلد (9)، العدد (4)، 2020م، صفحة 325-347.