حملتُه طويلا رغم ثقل جسدي وبطء خطواتي وتحملته رغم كثرة مشاغباته وأسئلته المحرجة التي لا تكاد تنتهي، وتصرفاته الطفولية التي سببت لي كثيرا من احمرار الخدين خجلا أمام الناس، لكني أحبه، إنه الإنسان القابع في ذاتي، والذي تخطاه الزمن والشيب، فبقي طفلا يحب اللهو واللعب وكثرة العراك، أحيانا يغفو وأنا في حافلة النقل فيزعج الركاب بصوت شخيره الطفولي، وعندما يأتي المساء يحرمني من لذيذ النوم بسبب أصوات لعبه مع دماه الخيالية، لكني أحبه.
فكرت يوما قائلا في نفسي: ترى هل نداء طفولته يسمع العالم الغارق في أصوات عدادات النقود وهدير آبار النفط وأنابيب الغاز؟ ترى هل أنين ألمه يوقظ النائمين في أبراجهم العاجية التي بنيت من تعب أناس لا يجدون في مسائهم إلا كسيرات خبز يمضغونها بصمت، ليستيقظوا في اليوم التالي لبناء برج آخر لمتسلط آخر؟!
ترى أين أحلام أطفال العالم؟ هل أخرسنا أصواتهم للأبد؟ أم حولنا صوتهم إلى مجرد معزوفة موسيقية نسمعها بحنو المنافق ونصفق للعازف، ومن ثم ندير ظهرنا له ونتوجه عائدين إلى إدمان قتلنا لهم؟
أين المدافعون عن حقوق الطفل والإنسان عندما يتألم طفل وهو يرى قطعة حلوى لا تصلها يده، وأين هم من طفل يبحث عن قطعة ورق يرسم عليها حلم البارحة الحلو؟؟ أم أن هؤلاء مجرد موظفي اجتماعات من طراز خمس نجوم؟!
ترى كم هي عدد الأصوات الطفولية التي أخرست أثناء توقيع عقود التسليح؟ وكم سفك من الضحكات مع أول هدير تصفيق مؤتمرات الدولارات لمصانع عملاقة تبتغي مجرد الربح الفاحش؟!
آه يا طفولةً فَرِحْنا لصوتها فقط، وأخرسْنا آلامها وأمالها للأبد!