ما من إنسان إلا ويلقى في حياته ما يكدر خاطره ويصيبه بالأسى والحزن وهذه طبيعة الحياة:

 جبلت على كدر وأنت تريدها

صوفا من الآم والأكدار

 ومكلف الأيام ضد طباعها

متطلب في الماء جذوة نار

 

ويختلف الناس في استقبال هذه الأزمات والتعامل معها حسب قوة يقينهم في الله تعالى ودرجة إدراكهم لطبيعة المشكلة والبحث عن مخارج منها.

ومن الأزمات التي تُضيّق الخناق على النفس أزمة الهجرة اضطرارا من الوطن وقد ابتُليت بها عدة مواضع في العالم الإسلامي ورُويت فيها مآسي أدمت قلب كل من بقيت عنده أثاره من إنسانية أو ذرة من إحساس.

وخلال هذه الأزمة وُجد من يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يفتحون قلوبهم قبل بيوتهم وحدودهم ومن يتاجرون بآلام الآخرين ومن يبيعون الوهم لمن أصابتهم البأساء والضراء ومن يُبكون الناس ليحصلوا على أموالهم ومن لا يعيرون الأمر أدنى انتباه وكأن هذه الأهوال والمآسي تقع في كوكب آخر ومن يتكلمون بلسان من يدفع أكثر وأكثر من أطراف الأزمة ومن يبررون الاعتداء على الإنسان ذلك الكائن الذي كرمه الله حين خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأرسل له الرسل وأنزل عليهم الكتب وسخر له الكون وما فيه من خيرات ومن يموت جوعا أو ألما أو حرقا أو غرقا لأنه يسعى خلف كرامة مفقودة أو حتى الحد الأدنى من الحياة.

وتجد بين من يعانون من أزمة التهجير القسري من يقول:” أنا ومن بعدي الطوفان” ومن يدرك أن الطوفان عندما يأتي لا يبقي ولا يذر وأن الجميع سيؤكل إذا أُكل الثور الأبيض وأن الجميع في سفينة واحدة تصل بهم إلى بر الأمان أو تغرق بهم جميعا.

وفي الأزمات التي تنشأ بين الأزواج تجد من يسرّح السراح الجميل ومن يصبر الصبر الجميل ومن يتحمل فوق طاقته ومن يكشف ستر شريك حياته لتصبح أدق الأسرار وأولاها بالكتمان على كل لسان وينسى كل شريك ما لشريكه من حسنات وماله من إحسان.

وفي أزمة المرض تتوارى الأخلاق خجلا عندما يتحول المريض إلى سلعة تُقيّم بما يعود من خلاله على المؤسسات العلاجية والدوائية من ربح دون النظر إلى العافية التي يدفع مقابلها أموال طائلة.

وعندما تضرب الأزمات المالية الاقتصاديات تشح بعض النفوس وتُمسك ما بيدها  ظنا منها أن ما أنفق يصعب تعويضه وأن العملة البيضاء تنفع في اليوم الأسود.

أخلاق الزحام: في الزحام تتضائل المشاعر باحترام الخصوصية، خصوصية المسكن بل حتى خصوصية الجسد حيث يتم التغاضي عن هذه الانتهاكات واعتبارها ضرورة أدت إليها أزمة الزحام.

وأزمة الزحام في الطرقات يختفي معها خلق الإيثار فترى أن مرتادي الطرق من سائقي المركبات يتصارعون في إعاقة بعضهم بعضا عن السير وينسون وجهتهم التي خرجوا من أجلها ويتحول الطريق إلى مضمار للسباق بحيث يصير أكبر همّ أحدهم ألا يُسبق وإن أدى به الأمر إلى تعريض حياته وحياة من حوله إلى الخطر  استجابة لحب الانتصار وهذا انحراف بالسيارة والطريق عما وضعا له فالسيارة وضعت لكي تحمل صاحبها إلى هدفه والطريق شق وعُبِّد لكي يسع الناس جميعا.

ومن منكرات الأخلاق في الأزمات :

1-الكذب: من الناس من يجد لنفسه المبررات الكافية لتغيير الحقائق ولعل أبرزها وقوعه تحت ضغط الظروف الصعبة .

2- النكث بالعهود: تجد من يعد المتضررين من الأزمة بمساعدات مالية أو عينية ثم تفاجئ بهذه العهود تذهب أدراج الرياح كلها أو بعضها وتجد من بين المتضررين من يتعهد بعهد لأخيه ثم يتحلل منه بشتى العلل والمعاذير ولا يفي إلا بالعهد الذي تعود من وراءه فائدة قلت أو كثرت فإن رأى أن تكاليف الوفاء تزيد على أرباحه نكث بعهده ولو أشهد عليه الله والناس أجمعين.  

3- فقر المشاعر أو موتها : فطالما بقي البعض معاف في بدنه عنده قوت يومه وغده وأهله إلى جواره سالمين من المكاره ضعف في قلبه الشعور بما يعانيه إخوانه في الدين أو الإنسانية بل ربما مات.

4- عدم التثبت من الأخبار: فترة الأزمات من أكثر الأزمان رواجا للإشاعات وذلك لما يصيب القلوب من هلع وما يصيب العقول من عجز عن التفكير مع انتشار الخوف وانعدام الأمن وربما في أغلب الأحيان صعوبة التحقق من صدق المعلومة.

أسباب الأزمة الأخلاقية

1- الجهل بمنزلة الأخلاق من دين الله تعالى وتصور البعض أنها فضلا منه فإن تحلى بالأخلاق فبها ونعمت وإن لم يكن، فذلك لا ينقصه شيئا في موازين الكمال.

2- ويترتب على ذلك انعدام الشعور بأن الحساب سيكون على الأخلاق كما هو على العقائد والالتزام بالشرائع وأن التقصير فيها نقص في الإيمان يجازى عليها بأشد العقاب.

3- أداء الصلاة المشتملة على القيام والقعود والركوع والسجود دون أن يكون لها تأثير في قلب العبد ومن ثم أخلاقه وسلوكه ولعظم أمر الصلاة وبيان قدرتها على إحداث تغيير في أخلاق من يقيمها إذا أداها كما ينبغي قال الله { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].

أزمة الأخلاق

اعتبار صاحب الخلق الحسن يحيا خارج الزمان والمكان والربط بين الأخلاق والخجل وضعف الشخصية وهذه من أزمات الخلق فالناس يخلطون بين الأدب والضعف فالصورة المثالية لصاحب الأخلاق (عندهم) هو الرجل الساكت أو ضعيف الصوت قليل الحيلة،وهذا مناف للفهم الصحيح للأخلاق، قالت الشفاء بنت عبد الله عندما رأت فتيانا يقصدون في المشي ويتكلمون رويدا: ما هذا؟ فقالوا: نساك قالت: كان والله عمر إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع وهو الناسك حقا. [طبقات ابن سعد].

هل الأزمات تهذب الأخلاق أم تؤدي إلى شخصيات شرسة أو ناقمة على من حولها؟

الأزمات إذا صادفت فطرة سليمة هذبتها لكن بشرط أن يجد صاحب الأزمة من يعينه على تجاوزها ويقف إلى جواره فإن وجد ذلك صار رفيقا بمن حوله شديد الإحساس بآلامهم أما إذا نزلت الأزمة بشخص ولم يجد من يعينه حَقَدَ على الناس وكَرٍه الخير الذي ينزله الله بهم.

السبيل إلى الخروج من الأزمة الأخلاقية

1- لا يكفي أن تتضمن المناهج الدراسية مادة تختص بتعليم الأخلاق أو تشتمل مدونات السلوك للمهن المختلفة على مبادئ أخلاقية إلزامية أو تتضمن خطب الجمعة الحديث عن الأخلاق فكم من علوم شرعية تدرس دون أن يبين المعلم الأثر الواجب لها على الفكر والسلوك بل كم من معلم يفتقد لأبسط المبادئ الأخلاقية وكم من مواثيق للشرف  يضرب بها عرض الحائط وكم من الخطب ألقيت بروح باردة وشعور من جمهور المستمعين ان ذلك الكلام يصلح في  الزمن الغابر أما العصر الذي نعيش فيه فله أخلاقه وضروراته الملجئه.

2- لابد أن يستشعر الإنسان أهمية الأخلاق لدينه ودنياه.

3- أن يتمثل الدعاة إلى الأخلاق الحسنة ما يدعون إليه فيرى الناس فيهم من يلتزم الصدق في كلامه ومشاعره ويرى الناس الأمين الذي يصون ما تحت يده مهما غلا ثمنه وضعفت الرقابة عليه ويرون من يعتبرالأخلاق جزءا من هويته وسببا من أسباب البقاء والسعادة.

وختاما ترتب الأزمات على وسائل الإعلام مسؤليات أخلاقية منها التواجد داخل منطقة الكوارث ليس لتحقيق السبق والتفرد بالخبر أو المعلومة ولكن للتعريف بالأزمة ومعاناة الناس منها ودعم القضايا العادلة وإيصال صوت المتضررين من الأزمات إلى العالم.