إن العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى هو أشرف العلوم وأصلها، وهو ركن التوحيد وأساس الإيمان الذي لا يكتمل إيمان عبدٍ إلا به. إن شرف العلم يُقاس بشرف المعلوم، ولا شيء أشرف من الله سبحانه وتعالى؛ فالعلم به وبأسمائه وصفاته هو أشرف العلوم. هذا العلم هو الذي يعرّف العبد بربه، ويدله عليه حتى يعرفه ويوحده، ويأنس به، ويعبده كأنه يراه؛ مما يثمر في قلبه الخشية والمحبة والرجاء، ويقوده إلى سعادة الدارين.
ما الفرق بين أسماء الله وصفاته؟
فرّق علماء أهل السنة بين أسماء الله وصفاته، مع التأكيد على العلاقة الوثيقة بينهما، إذ إنها علاقة الأصل بالفرع.
- الأسماء: هي كل ما دلّ على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به. فالاسم يدل على أمرين: الذات الإلهية، والصفة القائمة بها. فاسم “القدير” يدل على ذات الله وعلى صفة القدرة. وأسماء الله كلها حسنى، أي بالغة في الحسن منتهاه.
- الصفات: هي نعوت الكمال القائمة بذات الله تعالى، كالعلم والقدرة والرحمة والوجه واليدين. فالصفة تدل على أمر واحد هو المعنى القائم بالذات. والصفة والنعت والوصف بمعنى واحد في اللغة.
أهم الفروق الجوهرية
- الاشتقاق: يُشتق من الأسماء صفات (فمن اسم “الرحيم” نشتق صفة “الرحمة”)، لكن لا يُشتق من كل الصفات أسماء (فلا نشتق من صفة “المجيء” أو “الاستواء” اسم “الجائي” أو “المستوي”).
- النطاق: باب الصفات أوسع من باب الأسماء؛ لأن الصفات تُشتق أيضاً من أفعال الله تعالى (كالغضب والفرح والمكر)، بينما لا يُشتق منها أسماء.
- التعبّد والدعاء: يتم التعبّد بأسماء الله (كعبد الرحمن وعبد الكريم)، ولا يتم التعبّد بصفاته (فلا يقال عبد الرحمة أو عبد العزة). كما أنه يُدعى اللهُ بأسمائه، فنقول: (يا رحيم! ارحمنا، ويا كريم! أكرمنا، ويا لطيف! الطف بنا)، لكن لا ندعو صفاته فنقول: (يا رحمة الله! ارحمينا، أو: يا كرم الله! أو:يا لطف الله!) لأن الصفة ليست هي الموصوف، والعبادة والدعاء لا تكون إلا لله وحده.
العلاقة بين الأسماء والصفات: الأصل والفرع
العلاقة بين أسماء الله وصفاته هي علاقة الأصل بالفرع؛ فأسماء الله الحسنى هي الأصل الذي تُؤخذ منه الصفات العلى. فكل اسم من أسماء الله يدل على صفة كمال تليق به. ولذلك، فإن الإيمان الصحيح بالأسماء يقتضي مراعاة أمور جوهرية:
- الإيمان بثبوت الاسم لله عز وجل.
- الإيمان بما يدل عليه الاسم من معنى (الصفة).
- الإيمان بما يتعلق به من آثار وحكم ومقتضيات.
فاسم “السميع“ الإيمان بهذا الاسم يقتضي ما يلي:
- إثبات أن “السميع” اسم من أسماء الله الحسنى.
- إثبات صفة “السمع” لله تعالى.
- إثبات حكم ذلك وأثره، وهو أن الله يسمع السر والنجوى.
- تحقيق المقتضى العملي، وهو وجوب خشية الله ومراقبته في كل حال.
وهذا يُظهر كيف أن الإيمان بالأسماء والصفات ليس مجرد معرفة نظرية، بل هو اعتقاد يثمر عملاً وعبودية خاصة بكل صفة.
قواعد الإيمان بالصفات عند أهل السنة والجماعة
وقد وضع علماء أهل السنة قواعد محكمة لضبط هذا الباب الهام من أصول الاعتقاد، وجمع الشيخ علوي السقاف في كتابه واحداً وعشرين قاعدة. واقتصرنا هنا على ذكر أهم هذه القواعد وأكثرها تأسيسًا، بهدف تقديم خلاصة مركزة وواضحة، وتجنبًا للتكرار والتفصيل الذي قد لا يتناسب مع طبيعة هذا المقال الموجز. ومن أهم هذه القواعد:
القاعدة الأولى: الإثبات بلا تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ﷺ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
- القاعدة الثانية: النفي يتضمن كمال الضد: نفي ما نفاه الله عن نفسه مع اعتقاد ثبوت كمال ضده له تعالى.
- القاعدة الثالثة: الصفات توقيفية: لا يُثبت لله من الصفات ولا يُنفى عنه إلا ما ورد به الدليل من الكتاب والسنة.
- القاعدة الرابعة: التوقف في الألفاظ المجملة: يجب التوقف في الألفاظ التي لم يرد في النصوص إثباتها ولا نفيها (مثل: الجهة، المكان، الحركة)، ويُستفصل عن معناها؛ فإن أريد به حقٌ قُبل المعنى مع الدعوة لاستخدام اللفظ الشرعي بدلاً منه، وإن أريد به باطلٌ رُدّ.
- القاعدة الخامسة: قطع الطمع عن إدراك الكيفية: يجب الإيمان بالصفة وتفويض علم كيفيتها إلى الله وحده، كما قال الإمام مالك رحمه الله: “الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة” .
- القاعدة السادسة: الكلام في الصفات كالكلام في الذات: فكما أن ذات الله حقيقية لا تشبه ذوات المخلوقين، فكذلك صفاته حقيقية لا تشبه صفاتهم. وكما أن إثبات الذات هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات.
- القاعدة السابعة القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر: فمن أقرّ بصفات كالسمع والبصر، يلزمه أن يقر بالمحبة والرضا والغضب، لأن مصدر الإثبات واحد.
أنواع صفات الله: الذاتية، الفعلية، والسلبية
قسّم العلماء صفات الله تعالى إلى عدة أقسام لتسهيل فهمها، وهذه التقسيمات اصطلاحية لم تكن معروفة عند السلف الأوائل ولكنها استُحدثت للرد على أهل الكلام.
1. التقسيم باعتبار الإثبات والنفي
- صفات ثبوتية: وهي ما أثبته الله لنفسه، وكلها صفات مدح وكمال، وهي أغلب الصفات الواردة في النصوص، مثل الحياة والعلم والوجه واليدين والنزول.
- صفات سلبية (منفيَّة): وهي ما نفاه الله عن نفسه، وكلها صفات نقص في حقه، كالموت والنوم والظلم والنسيان.
2. تقسيم الصفات باعتبار تعلقها بذات الله وأفعاله
يمكن فهم صفات الله الثبوتية من خلال تقسيمها إلى نوعين رئيسيين بناءً على علاقتها بذات الله العلية ومشيئته سبحانه:
- أ) الصفات الذاتية: وهي الصفات الملازمة لذات الله تعالى، والتي لم يزل ولا يزال متصفًا بها أزلاً وأبدًا. هذه الصفات لا تنفك عن ذاته ولا ترتبط بمشيئته، فهي من كماله المطلق. من أمثلتها: العلم، والقدرة، والحياة، والسمع، والبصر، بالإضافة إلى الصفات الخبرية كالوجه واليدين.
- ب) الصفات الفعلية (الاختيارية): وهي الصفات التي تتعلق بمشيئة الله وقدرته، فيفعلها سبحانه متى شاء وكيفما شاء. ولأن أفعال الله لا منتهى لها، فإن صفاته الفعلية لا حصر لها، كما قال تعالى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}. وتنقسم أفعاله المرتبطة بهذه الصفات إلى نوعين:
- لازمة: وهي الأفعال التي لا تتعدى إلى مخلوق، مثل الاستواء على العرش، والنزول، والإتيان.
- متعدية: وهي الأفعال التي يتعدى أثرها إلى المخلوقات، مثل الخلق والعطاء والرزق.
ومن الجدير بالذكر أن بعض الصفات لها جانبان، فيمكن اعتبارها ذاتية وفعلية في آن واحد. وخير مثال على ذلك صفة الكلام؛ فهي صفة ذاتية باعتبار أن الله متكلم أزلاً، وصفة فعلية باعتبار أنه يتكلم بمشيئته متى شاء، فآحاد كلامه وأفراده ترتبط بإرادته سبحانه.
ما هي ثمرات الإيمان بأسماء الله وصفاته؟
إن الإيمان بأسماء الله وصفاته يورث في قلب المؤمن ثمرات عظيمة وآثارًا جليلة، منها:
- محبة الله والسعي في مرضاته: من ثمرات الإيمان أن يعلم العبد أن الله سبحانه كما يحب أسماءه وصفاته، يحب آثارها في عباده؛ فهو جميل يحب الجمال، وعفو يحب العفو، وستير يحب أهل الستر. والإيمان بصفات الحب والود يورث في القلب أنسًا بالله، ويدفع العبد للتقرب إليه بما يزيد حبه له، وأعظم سبيل لذلك هو اتباع نبيه ﷺ.
- المراقبة والحياء من الله: إذا آمن العبد بصفات العلم والإحاطة والمعية، أورثه ذلك الخوف من الله الرقيب الشهيد. فإذا علم أن الله يسمعه، لم يقل إلا خيرًا، وإذا علم أنه يراه، لم يفعل إلا خيرًا. كما أن إيمانه بصفات الرضا والغضب والكره يجعله يسارع إلى ما يرضي مولاه ويتجنب ما يسخطه.
- الأمل والرجاء وعدم اليأس: عندما يعلم العبد أن ربه متصف بصفات الرحمة والمغفرة والعفو والتوبة والستر، فإنه كلما أذنب عاد إلى ربه طامعًا في لطفه، فلا يجد اليأس إلى قلبه سبيلاً، فكيف ييأس من يؤمن بأن ربه حليم وصبور؟.
- التذلل لله واستشعار العظمة: تدبر صفات العظمة والجلال والجبروت والكبرياء يجعل العبد يستصغر نفسه ويعلم حقارتها، فلا يتكبر على أحد، ولا ينازع الله فيما اختص به نفسه. كما أن علمه بصفات الغنى والملك يجعله يستشعر فقره المطلق إلى مولاه الغني.
- الدعاء والتضرع: من أعظم ثمرات الإيمان بالصفات أن يدعو العبد ربه بها. فإذا أذنب سأله بصفات الرحمة والمغفرة، وإذا خاف عدوًا سأله بصفات القوة والقهر، وإذا أصابه فقر دعاه بصفات الغنى والكرم.
- اختبار الإيمان والتسليم: الصفات الخبرية كـالوجه واليدين والأصابع والساق تكون اختبارًا لإيمان العبد وتسليمه للنصوص. فمن آمن بها كما تليق بجلال الله فقد فاز، وميّز نفسه عن أهل التحريف والتعطيل. كما أن لها ثمرات عملية، فمن آمن أن لله يدًا ملأى لا يغيضها نفقة، سأله من خيرها، ومن علم أن قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن، سأله الثبات على دينه.
وخلاصة القول، إن منهج السلف الصالح في فهم أسماء الله وصفاته هو المنهج الأسلم والأعلم والأحكم ، لأنه يجمع بين الإثبات الكامل لما ورد في النصوص، والتنزيه التام لله عن مشابهة المخلوقات ، مما يثمر في قلب العبد تعظيمًا وإجلالًا ومحبة لله ، ويقوده إلى تحقيق العبودية التي هي غاية الخلق وهدف الوجود.