لا شيء يضاهي نعمة الأمن والاستقرار، ولا شيء أخطر وأشد على الإنسانية من الحروب والنزاعات التي تتسبب في الكثير من المآسي للبشرية التي ما فتئت منظماتها الدولية تحاول جاهدة بناء الإنسان على أساس قويم ليساهم في بناء المجتمع الذي ينحدر منه أو يعيش فيه.
ولأن المواطن هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع ينبغي – بل يجب – أن يكون صالحا ومؤهلا ليؤدي دوره كما يجب، ولن يستطيع تحقيق شيء مما ذكر إلا إذا كان متعلما، حيث يعتبر التعليم صمام الأمان للأفراد والمجتمعات من الانحراف والانزلاق إلى عالم الضياع والتيه الذي غالبا ما ينتهي بكوارث، فبالتعليم تتقدم الأمم وتزدهر الحضارة، ويكون للحياة قيمة، وبالتعليم يتميز الإنسان عن الحيوان، لكن علينا أن لا نغفل عن أن هذه المبادئ السامية والأهداف النبيلة تحتاج إلى الاستقرار الذي يعتبر العنصر الأول في بناء الحضارة، فبدون الاستقرار لا يمكن لأي دولة أو مجتمع أن يحقق أي هدف من أهداف التنمية أو يوفر للمواطنين حقوقهم الأساسية.
فالحروب والنزاعات غالبا ما يكون عنوان ضحاياها الأبرز هم الأطفال الذين تقتل براءتهم ويحرمون من أبسط حقوقهم ويتداخل عالمهم البريء مع العالم المتوحش الذي لا يقدّر قيمة الطفولة ولا يدرك أنها بذرة المجتمعات التي ينبغي أن تسقى بتربية طاهرة نقية بعيدا عن رائحة الدم والبارود.
ففي السنوات الماضية شهدت دول عربية أحداثا كبيرة بعد محاولة شعوب هذه الدول الخروج من تحت عباءة الظلم والاستبداد، والبحث عن طريق يؤدي إلى الحرية والانعتاق من واقع استمر عقودا طويلة، ومن المؤسف أن دولة واحدة نجحت في الوصول إلى الهدف بفضل التعليم الجيد الذي عرفت به وتميز به شعبها، بينما تصارع شعوب أخرى لبلوغ الهدف، لكن يبدوا أن لعبة المصالح الإقليمية والدولية فعلت فعلتها وفرملت تلك الثورات وحولتها من ثورات تحررية سلمية إلى حرب أهلية نتج عنها نزوح الملايين داخل الأوطان، ولجوء ملايين أخرى إلى دول الجوار التي آوتهم في مخيمات يفتقر العديد منها إلى أبسط وسائل العيش الكريم، والأخطر في كل هذا أن جيلا جديدا ولد وترعرع في هذا الجو الذي يفتقر إلى كل شيء من أساسيات الحياة، خصوصا حق التعليم الذي يؤهله ليكون طبيعيا.
ولحل مشكلة التعليم لدى الأطفال اللاجئين ركّز مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية المنعقد في الدوحة في الفترة ما بين 12- 19 ابريل نيسان الجاري على هذه المشكلة، ودقّت منظمة الأمم المتحدة ناقوس الخطر محذّرة من أن أطفال اللاجئين الذين ولدوا في المخيمات يعانون من نقص حاد في التأهيل والرعاية الصحية وغياب أبسط فرص للتعليم، الأمر الذي يهدد جيلا كاملا بالضياع، ولأنها الدولة المستضيفة للمؤتمر تقدمت دولة قطر بمبادرة يتم بموجبها إنشاء صندوق لدعم تعليم أطفال اللاجئين في والبحث عن طرق تمكّن من استيعابهم في مدارس الدول التي لجئوا إليها، وهي مبادرة نالت استحسان الأمم المتحدة، حيث أشاد أمينها العام بهذه المبادرة التي جاءت في وقتها، والتي لامست وترا حساسا طالما أرّق المنظمات الحقوقية المعنية بهموم الطفولة.
ولمعرفة حجم الكارثة يكفي أن نعرف أن 320 ألف طفل سوري في مخيمات اللجوء في لبنان يحتاجون إلى تعليم بعد استيعاب المدارس اللبنانية ل 80 ألفا منهم، بحسب تقرير للبي بي سي نشر بتاريخ 21/ ايار مايو 2014 ، علما أن دراسات أجرتها منظمات حقوقية لبنانية كشفت عن أن دراسة طفل في إحدى المدارس اللبنانية الخاصة تتطلب ما لا يقل عن 600 دولار أمريكي سنويا، وهو مبلغ تعجز معظم العائلات اللاجئة عن توفيره، مما يؤكد أهمية المبادرة القطرية، يقاس على هذا حالة مئات آلاف الأطفال في مخيمات الأردن وتركيا وغيرهم من الدول التي لجأت إليها العائلات.
في الختام نتمنى أن يعم الأمن والسلام ربوع الوطن العربي والإسلامي، بل والإنسانية جمعاء بحيث لا نرى طفلا لاجئا ولا محروما من حقه في التعليم، أو الصحة.