موضوع الجن من الموضوعات الشائكة في حياة الأمة، وأحسب أنه سيبقى هكذا إلى أن يقوم الناس لرب العالمين ، إلا إذا تربت الأمة كلها على نوع من الثقافة التربوية، والتربية الثقافية، وفي الحقيقة هذا شيء أقرب للمحال، وليس المجال هنا للكلام عنه.
إن الله تعالى خلق الإنس عالما، والجن عالما منفصلا عنه، فكل من العالمين له خصائصه التي تميزه عن الآخر، وقد أعطى الله تعالى الإنس قدرات وطاقات ليست موجودة في عالم الجن، كما أعطى الجن قدرات وطاقات ليست موجودة في عالم الإنس.
ولابد للناس أن يتعاملوا على أساس هذه القاعدة ، فلا يكون هم الإنسان الحديث عن الجن وقدراته الخارقة، ولبسه للناس، فهل هذه حياة أمة هي خير أمة أخرجت للناس؟ هل هذه وظيفة أمة خير الخلق، أن تتشاغل بشيء شائك مضطرب، وتوقف حياتها ووقتها، بل تنفق ملايين الدولارات عليه، في معظم دولها؟ وهل هذه هي الرسالة التي نريد أن نهبها للإنسانية؟
إن أمة الإسلام أشرف من أن يشغلها شيء قليلة القيمة مثل هذا ، وأن توقف مسيرتها على مثل هذا الشيء. إن من شآكة القضية أن اختلط فيها الحابل بالنابل، ووقف الناس فيها بين رافض وقابل، وبين صاحب حق، وصاحب باطل، فلا يمكن نفي الأذى من الجن للناس، ولا هو بهذا الشكل المخيف، ولا هو فيه مثل هذه الطلاسم العجاف، ولا هو بالهين الذي لا يؤبه له دائما.
هناك من القضايا التي يجب أن نسلم بصحتها في موضوع الجن، ومن ذلك السحر، وقد ذكرت آيات يصعب حصرها في موضوع السحر، وأن له تأثيرا كبيرا ، وإن كان كثير من الناس ينفي هذا، فأين نذهب بقول الله بآيات السحر، وما نصنع فيها، ومن ذلك: { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [ البقرة: 102 ]
فقد صرح القرآن الكريم أن من السحر المصنوع ما قد يكون سببا في فراق الزوجين، ولا يجوز لمسلم مهما علا كعبه في العلم أن يتجرأ على كتاب الله وأن يقول بخلافه. ولكن هذا إذا تحقق من معرفة أن هناك سحرا، وأنه أثر وفرق، لا أن يدعي الناس أن هناك سحرا، وقد عافاهم الله تعالى منه، فإنكار ما أثبت الله لا يقل عنه إثبات ما عافى الله عباده منه.
هناك كثير من الزوجات إذا ما حدث بينها وبين زوجها حادث تدعي أنه معمول لها ، وأنها مسحورة، وأنها وأنها هربا من علاج المشكلة، أو مواجهة شيء من الحقيقة، حتى ولو لم تكن تعرف في نفسها أنها تفعل هذا، فهي تفعله لا شعوريا.
والآيات الدالة على وجود السحر، وأنه حقيقة كثيرة، وممكن أن نورد بعضها تأكيدا للمعنى ، من ذلك قوله تعالى: { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ . فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ . فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ . وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } [يونس : 79 -82 ]
وقد وجدت كثير من النقول عن العلماء في حكم الساحر وأنواع السحر إلى غير هذا، ونحن نؤكد على ما قاله علماؤنا الأفاضل في هذا المقام . وغير السحر فيما يختص بالجن، فهناك المس أو اللبس، وكذلك الربط وغير ذلك، وفي الحقيقة يجب أن نتعامل مع هذه الأشياء بنوع من الإنصاف،
ونقرر أن ما يزيد على التسعين بالمائة ممن يتعاملون في هذا المجال بين سحرة ودجالين، وبين جهلة وغفلة لا علم لهم بالأمر، مجرد أن يجلس الإنسان مع واحد، فيراه يقرأ آيات معينة، فيظن في نفسه القدرة أنه أجاد وأصبح شيخا، مع كون الموضوع يعطي شهرة للإنسان، وصيتا ذائعا بين الناس، وأنه مقصود للحاجات، فيجعل في بعض مرضى النفوس أن يقتحموا هذا المجال، طلبا للشهرة والصيت، لا ابتغاء وجه الله.
ويبقى النسبة القليلة من المخلصين الذين يفهمون حقيقة الموضوع ، فهناك من هو طيب مخلص، لكنه غافل عن حقيقة الأمر، ونقبس من القرآن وصفهم ( وقليل ما هم ).وإن كانت نسبة المعالجين بهذا الوصف القميء، فإن الحال أيضا هو في الناس بل أشد، وفي الحقيقة نجد أن هذا الموضوع مما يهون من عقيدة الناس، فالجن هم الذين يزوجون ويطلقون، ويجعلون الإنسان يعمل أو يتعطل، ينجح أو يرسب، فأله الناس الجن من دون الله !!
لا يا قوم، إن الجن خلق من خلق الله، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا.
كما أن للعامل النفسي أثره الكبير ،حتى عند من عندهم، فهم يجعلونه ضعف ما عندهم، ولو كان الجن يريد إيذاء الإنس، فلماذا يستسلم الإنسان له، ولماذا لا يواجه عدوه؟ لماذا هذا الاستسلام الغريب؟ إن جزءا كبيرا من العلاج هو رفع الروح المعنوية عند الإنسان، وهذا جزء من العلاج النفسي الذي يساعد به إخوتنا من أطباء وعلماء النفس، وليس الأمر كما يظن كثير منهم، أنه نفسي بحت، أو أنه ديني بحت، فليس عندنا في الإسلام هذا الانفصال أو الانفصام، فقد أمر الله بالتداوي، وهو أمر ديني، ويقوم به ذوو الخبرة من الأطباء.
ونحن ندعو أن تكون هناك مراكز تكاملية يقوم عليها أطباء من علم النفس، مع الذين يعالجون بالقرآن الكريم، من الصادقين المخلصين المتقنين.
ويجب التذكير أن أكثر من 95% مما يظن الناس أنه أذى من الجن لا علاقة له بالجن إطلاقا، بل هو جن الرؤوس، يعني أننا نخلق الجن في رؤوسنا، ومن عجيب ما قرأت أن الجن كانوا يخافون من الإنسان ، فلما لاحظوا أن الإنسان يخاف منهم، انقلب الحال.
إن العقل له دور كبير في مواجهة ما قد يصيب الإنسان، وعدم الاستسلام لما قد يكون واقعا وحقيقة جزء كبير من العلاج.
كما أن التوكل على الله تعالى والالتجاء إليه أن يصرف عن الإنسان الأذى هو لب العلاج، مع الأخذ بالأسباب من عون ومساعدة إخواننا أطباء وعلماء النفس.وفي الحسب أننا في حاجة إلى نوع من الإخلاص في التعامل مع الموضوع، وأنا أقترح أن تشكل لجنة من علماء النفس وبعض علماء الشريعة وبعض الإخوة المعالجين ممن يوثق فيهم، و أن نخرج بدراسة شاملة حول هذا الموضوع ، لنقطع فيه برأي نحسب أنه أقرب للصواب، وأن نضع القواعد للتعامل بدلا من أن يترك الأمر لسماسرة السحرة، أو تكذيب بعض الأطباء لبعض الحقائق، وأن تقوم أجهزة الدول بتوعية شاملة في هذا الأمر، من خلال وسائل الإعلام، وأن نربي شعوبنا على كيفية التعامل مع مثل هذا الموضوع ، وأن يوضع في حجمه الطبيعي دون إفراط أو تفريط، وأن نهتدي بما جاء في القرآن من آيات، وأن نفسرها على الوجه الصحيح، ثم نضع هذا مع ما يقوله العلم الحديث، وننزل كل هذا على واقع الناس، فأحسب أنه من الممكن أن نحل كثيرا من المعضلات لهذا الأمر الهين.