لو افترضنا أنك موظف في دائرة حكومية وأن مهمتك إنجاز معاملات المراجعين ، وأن المعاملة تتطلب توقيعات عدة والاعتماد من أقسام متعددة ثم سألت نفسك يوما : لماذا كل هذه الإجراءات هل فعلا نحتاج إليها ؟ ألا يمكننا الانتهاء من هذه المعاملة بإجراءات أقل ؟
اذا طرحت على نفسك مثل هذه التساؤلات ولم تأخذ النظام القائم على أنه شيء مسلم به فأنت استخدمت التفكير الفلسفي الذي بداخلك ومن ثم تكون أنت الفارق عن الموظفين الاخرين.
اذا كنت مديرا لمدرسة وتدير مدرستك وتتبع مناهج التعليم بانتظام ثم توقفت مع نفسك وبدأت تتساءل : لماذا نمارس التعليم ؟ وماهي أهداف التعليم ؟ وهل حدود التعليم هي المدرسة فقط ؟ وهل طرق التعليم عبر الكتاب أو ما يشابهه فقط ؟
إذا طرحت مثل هذه التساؤلات وشرعت في التأمل والتفكير في ماهية التعليم وأساسه وأهدافه أكثر من وسائله وتفصيلاته فأنت استخدمت تفكيرك الفلسفي .
الميزة الأساسية لكي تصبح فيلسوفا هي أن تندهش، هذه الدهشة تعني التساؤل ومن ثم البحث والتأمل وطلب المعرفة واكتشاف الأسرار وما وراء الحقائق والأفكار
تماما كما كان الناس في السابق اعتادوا أن ينظروا الى سقوط التفاحة من الشجرة فيأتي المزارع ليلتقطها ويأتي الماشي ليأكلها ويأتي الصبي يلعب بها، ولكن شخصا واحدا أخذه التفكير : لماذا سقطت على الأرض ولما لم تطر في السماء أو تذهب في اتجاه آخر ؟؟
هذا التفكير الفلسفي كان ايذانا بتاريخ جديد وهو الذي أحدث الفارق في تاريخ البشرية.
ماهو مفهوم وأساس الفلسفة ؟
اذا رجعنا لأصل كلمة الفلسفة نجدها مشتقة من الكلمة الاغريقية ( philosophia ) وهي عبارة عن كلمة مركبة من كلمتين ( philo ) وتعني الحب أو الاخلاص وكلمة (Sophia )ومعناها الحكمة ، فالفلسفة تعني ببساطة حب الحكمة أو البحث عن الحكمة وهذا ما اعتمدته مراجع غربية كثيرة منها جامعة فلوريدا ” love of wisdom ” أي حب الحكمة.
ليس هذا موضوعي هنا أن أبحث عن أصول وتعاريف ونشأة الفلسفة ولكن من المهم الإشارة إلى ارتباطها أساسا بالبحث وطلب الحكمة ، ومن المهم معرفة أن الفلسفة والتفكير الفلسفي كما يقول جوستاين غاردر مؤلف كتاب عالم صوفي : مرتبط ” بالدهشة ” والميزة الأساسية لكي تصبح فيلسوفا هي أن تندهش، هذه الدهشة تعني التساؤل ومن ثم البحث والتأمل وطلب المعرفة واكتشاف الأسرار وما وراء الحقائق والأفكار. هل وماذا ولماذا وكيف هي أدوات أساسية للفلسفة والفيلسوف ، والشك كذلك من أدوات الفلسفة والتفكير الفلسفي فإذا جاء شخص بفكرة أو نظرية يظنها حقيقة قابله الفيلسوف بالتساؤل والشك ، فإما تثبت النظرية بالبرهان ويزول الشك أو يثبت الشك وتسقط الفكرة والنظرية.
لكن أكثر ما يقتل الفلسفة والتفكير الفلسفي فينا هي العادة وما يرثه الشخص من تجارب ومعارف جاهزة نقلا عن غيره.
دعني أضرب لك مثالا : حينما يرى الصبي طائرة في السماء وبيده حجرا قد يظن أنه لو رمى ذاك الحجر فإنه قد يصيب الطائرة بهذا الحجر أما الرجل البالغ فيرى احتمال اصابتها مستحيلا والسبب في هذا الفرق أن الرجل اعتاد من خلال تجارب حياته وما نقله إليه الآخرون أننا لانستطيع اصابة الطائرة أما الصبي فلم يعتد بعد على ذلك.
أكثر ما يقتل الفلسفة والتفكير الفلسفي فينا هي العادة وما يرثه الشخص من تجارب ومعارف جاهزة نقلا عن غيره.
ما ترسخ في أذهاننا عن طريق العادة أو عن طريق نقل المعارف من الاخرين وهذه التي نسميها ” حقائق ” قد تكون كثير منها صحيحة كما هي وقد يكون منها أيضا ماهو غير صحيح لكننا اقتنعنا بها بحكم العادة ، فما نراه اليوم مستحيلا قد يكون ممكنا وما نراه اليوم ممكنا قد يكون مستحيلا.
التفكير الفلسفي يعني أن لا تأخذ دائما ما نسميها بـ ” الحقائق” على أنها مسلمات ، يعني أن تثور على العادة ، يعني أن لاتكون آلة بشرية بيد الروتين وبيد العادات اليومية وان لا تكون عبدا لما ورثته من أفكار ومعلومات من الآباء والأجداد والمجتمع ، فالفيلسوف كما يقول غاردر : ” هو إنسان لم يستطع يوما أن يتعود على العالم “.
كم كان كثير من الناس أسرى لأفكار وقناعات خاطئة ولبثوا تحت تأثيرها سنين ثم جاء الذين بعدهم فاكتشفوا خطأها وقوموا اعوجاجها وعرفوا ما لم يعرفه أسلافهم ، ولو أن اسلافهم أيقظوا الحس والتفكير الفلسفي فيهم لربما تغيرت كثير من صفحات التاريخ.