في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الإعلامية تطورا علميا وتکنولوجيا کبيرا في شتى وسائل الاتصال، بما جعل العالم قرية الکترونية صغيرة، وعلى الرغم مما تبثه القنوات الفضائية العربية من محتوى لا يتناسب وروحانيات شهر رمضان الكريم، تأتي إذاعات القرآن الكريم، لتُعلي من مكانة كلام الله الخالد، وترفع من شأن اللغة العربية، وتسهم في فهم الإسلام الوسطي بشموله وعمومه، ما يجعلها الأكثر إقبالا، سواء في شهر رمضان المبارك، أو غيره من شهور العام.

في إطار الحديث عن دور إذاعات القرآن الكريم في نشر الإسلام الصحيح سواء وسط المجتمعات العربية والإسلامية أو غيرها من المجتمعات الغربية، يجدر بنا الإشارة إلى إذاعة القرآن الكريم المصرية، التي يعود تاريخ انشائها إلى سنة 1964، وهي أول إذاعة متخصصة في الإعلام الديني في العالم العربي والإسلامي.

الإذاعة المصرية..أكثر من نصف قرن من العمل

تسعى إذاعة القرآن الكريم المصرية منذ أكثر من نصف قرن، لتحقيق الهدف الأسمى والأساسي وهو تعريف المستمع بصحيح الدين وما يحتويه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله “صلى الله عليه وسلم” من تعاليم تسمو بالفرد والمجتمع.

كما تقدم خدمة إعلامية حضارية متميزة دعامتها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بما يؤكد وسطية الإسلام ويبعده عن الأفكار الهدامة المتطرفة ويرسخ حب الانتماء للوطن والحرص على ما في الحضارة المصرية القديمة والمعاصرة من كنوز وتراث.

وقد حافظت هذه الإذاعة الرائدة منذ انطلاقتها على أن تكون صاحبة بصمة في تقديم تلاوات القرآن الكريم بأصوت لا تزال تعطر أسماعنا بكلام الله عزوجل.

ميلاد اتحاد الاذاعات الاسلامية

تبعا للتجربة المصرية الرائدة في هذا المجال، انطلقت العديد من الدول العربية والإسلامية بنسخ التجربة وتعميمها، حيث بدأت تظهر العديد من إذاعات القرآن الكريم، وتم إنشاء ” منظمة إذاعات الدول الإسلامية” (حاليا، اتحاد الاذاعات الاسلامية) بموافقة من المؤتمر السادس لوزراء خارجية الدول الاسلامية عام 1395هـ الموافق 1975م، تعبيرا عن التمسك والايمان بالعمل الجماعي، في اطار اهداف منظمة التعاون الاسلامي الذي يضم في عضويته 56 دولة إسلامية .

ويتكون اتحاد الاذاعات الاسلامية من هيئات البث في البلدان الأعضاء في الاتحاد ويعتمد على نظامه الأساسي وقوانينه الخاصة وتتخذ قراراته من قبل الجمعية العامة التي أصدرت تلك القوانين واللوائح ويتم تعديلها من وقت إلى آخر حسب الحاجة. وتم تشكيل المجلس التنفيذي من خلال الجمعية العامة ويقوم باتخاذ القرارات التنفيذي.

ويقع المقر الدائم للاتحاد بالمملكة العربية السعودية – مدينة جدة. وقد وضع الاتحاد عدة أهداف لتنفيذها يمكن إجمالها فيما يلي:

أهداف اتحاد الاذاعات الاسلامية

1- نشر الدعوة الإسلامية .
2- إبراز أهمية التراث .
3- العمل على نشر اللغة العربية لغير الناطقين بها .
4- إنتاج وتبادل البرامج الإذاعية والتلفزيونية مع الدول الأعضاء .
5- إبراز الصورة الصادقة المشرفة والحقيقية للأمة الإسلامية .
6- مواجهة الحملات المغرضة التي تشنها بعض الأجهزة الإعلامية الغربية على الإسلام والمسلمين .
7- تصحيح الصورة الخاطئة التي يحملها الغرب عن الإسلام .

الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني الإسلامي

تعمل هذه المنظمة على إنتاج العديد من البرامج ، والمسلسلات ، والأدعية ، والندوات الإذاعية ، باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وهذه المواد تركز علــى العديد من المسائل التي تهم المجتمع المسلم مثل:

  • الإسلام .. وحضارته .. وتراثه .
  • القران الكريم .. والسنة المطهرة .
  • العقيدة .. والعبادات .
  • القضايا الإسلامية المعاصرة .
  • فلسطين .. والقدس .
  • الأقليات الإسلاميـة .

لدى المنظمة عدد من المسلسلات والحوارات والبرامج التلفزيونية باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية ، حول المحاور الآتية:

  •  تعليم اللغة العربية للناطقين باللغتين الإنجليزية والفرنسية .
  • أعلام الإسلام .
  • القضاء في الإسلام .
  • الأصالة والتجديد .
  • الصحوة الإسلامية .
  • قضايا إسلامية معاصرة .

ويتم نسخ وإهداء الكثير من المواد إلى الدول الأعضاء ، وبعض المنظمات الدولية والمراكز الإسلامية المنتشرة في أنحاء العالم .

تصحيح صورة الإسلام

وفي دراسة حول “دور وسائل الإعلام وتکنولوجيا الاتصال في تصحيح صورة الإسلام والمسلمين لدى المجتمعات الغربية”، يقول الأستاذ عدلي سيد محمد رضا، رئيس قطاع الدراسات الإعلامية بجامعة القاهرة –رحمه الله- أن وجود الوسائل التكنولوجية الحديثة ساعد على تخطي حواجز الزمان والمکان وبث ثقافات مختلفة عبر الإذاعات والقنوات الفضائية وشبکة الانترنت بکل ما تحمله من أفکار وقيم وصور وسهولة استقبالها من کافة الشعوب. ولما کان العالم الإسلامي لا يستطيع أن يقف بمعزل عن تلك التطورات، فقد كان لزاما عليه أن يأخذ بالمبادئ التي ترسم أطرها الاتفاقات والمعاهدات الدولية مراعيا في ذلك تحقيق المشارکة والتفاعل مع الأسرة الدولية بما يحقق مصالحه وقضاياه دون أن يفقد هويته الإسلامية وذاتيته الثقافية التي يتميز بها.

وفي مواجهة هذه التحديات تبرز أهمية العمل الإسلامي المشترك في مجال الإعلام وذلك للقيام بدور فاعل في خدمة قضاياه حتى يعکس رؤية إسلامية موحدة إزاء ما يجري على الساحة الدولية من متغيرات، علاوة على نشر الرسالة الإعلامية ذات المضمون الهادف والقادر على جذب الجماهير في البلاد الإسلامية من خلال إنتاج متميز يضمن له القدرة على المنافسة والوقوف أمام البث الوافد لطرحه البديل الإسلامي الذي يحافظ على الأصالة مع الانفتاح على العالم. ويضاف إلى ذلك ضرورة قيام الإعلام في الدول الإسلامية بالتصدي لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الغربية، وکذلك عبر شبکة الانترنت.

 ومن الملاحظ من خلال دراسة واقع الرسائل الإعلامية في وسائل الإعلام الغربية وعبر الانترنت أن هناک حملة شرسة موجهة ضد الکيان الإسلامي وقيمه وعاداته وتقاليده وثقافته بوجه عام مما يدفعنا إلى ضرورة الدعوة إلى تکاتف الجهود الإسلامية لمواجهة هذه الحملات الظالمة الموجهة ضد الإسلام والمسلمين وأهمية تصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام من خلال ما يقدم من وسائل متنوعة في وسائل الإعلام الغربية.

علاج القصور في الخطاب الإعلامي الإسلامي

ويعترف الأستاذ عدلي سيد بما يسميه “قصور في الخطاب الإعلامي الإسلامي الموجه للغرب”، ويدعو إلى ضرورة انفتاح العالم الإسلامي على العالم الغربي وعلى حقائق العصر مع الحفاظ على ثوابت الأمة وتقاليدها وأن يُشکل المسلمون في الغرب قوة ضاغطة ترفع صوتها مدافعه عن دينها وصورتها وهويتها.

كما يؤكد أن إنشاء قنوات إسلامية فضائية تخاطب الغرب بلغته وتعطي صورة شاملة عن الثقافة الإسلامية وتسهم في تصحيح صورة العرب والمسلمين، أصبح  أمرا ملحا لا يحتاج إلى تأجيل، فنحن لدينا الکثير من القنوات الفضائية العربية والإسلامية ولکنها لا تخاطب الرأي العام العالمي بلغة يفهمها ، ومن ثم فلابد من إنتاج برامج تخاطب الغرب باللغات الأجنبية، ولابد من امتلاك وسائل القوة وتوفر الإرادة والعمل المتواصل والاتفاق على خطة شاملة إذا أردنا تصحيح صورتنا لدى الغرب.

كيف يمكن معالجة القصور في الخطاب الإعلامي الإسلامي؟

لأهمية هذه القضية التي نحن بصددها يدعو الأستاذ عدلي سيد إلى ضرورة الترکيز على المحاور التالية.
1- التعرف على صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية والأجنبية.
2- تفعيل دور الإعلام الإسلامي في تحسين صورة الإسلام والمسلمين.
3- طرح رؤية مستقبلية في مواجهة تشويه صورة الإسلام والمسلمين.
4- التعرف على تأثيرات العولمة في تشکيل الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين.
5- تفعيل دور الاتصال المباشر في مواجهة الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين.
6- تشويه صورة الإسلام في وسائل الإعلام الغربية.

دور الإذاعات في مناصرة القضايا الإسلامية

من جهته، يدعو المدير العام لاتحاد الإذاعات الإسلامية “إيبو” الدكتور عمرو الليثي إلى تعزيز دور الإذاعات في مناصرة القضايا الإسلامية المشتركة، مؤكدا في بيان بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة، حرص اتحاد الإذاعات الإسلامية على العمل مع الدول الأعضاء لاستثمار البرامج الإذاعية في تجديد الخطاب الديني، وإبراز الصورة الصادقة الوسطية للدين الإسلامي، ومكافحة خطابات التطرف والإسلاموفوبيا، مع العمل على تعزيز التفاهم والتعايش بين الثقافات والأديان المختلفة، منوها بالجهود التي تبذلها هيئات البث في الدول الأعضاء، وحرصها على تعزيز العمل الإسلامي المشترك في المجال الإذاعي.

وقال الليثي، إنه على الرغم من مرور أكثر من قرن على انطلاق البث الإذاعي، ومع ما شهده العالم من انفجار معلوماتي، وتعدد هائل في مصادر المعلومة ووسائل نقلها، إلا أن الإذاعة لا تزال تحتل مكانتها كمصدر إعلامي ومعرفي موثوق، فاليوم العالمي للإذاعة يمثل فرصة لإعادة التأكيد على القيم الأساسية التي قام عليها العمل الإذاعي، والمتمثلة في نشر المعرفة، وإيصال المعلومة الصحيحة والخبر الموثوق، إضافة إلى نقل قصص الناس، وخلق مناخ تفاعلي مع المتلقين في كل مكان” .

خدمة القرآن الكريم في الإذاعات المتخصصة

وفي دراسة للباحثة الجزائرية نوال بومشطة حول “خدمة القرآن الكريم في الإذاعات المتخصصة العربية والعالمية -دراسة وصفية مقارنة لإذاعات القرآن الكريم الجزائرية،السعودية والأسترالية”، سعت الكاتبة إلى معرفة الخدمة التي تقدمها الإذاعات المتخصصة لخدمة القرآن الكريم، و الأساليب التي تعتمد عليها لتقديم البرامج وإحداث التأثير المطلوب، وذلك عبر ثلاث إذاعات متخصصة في القرآن الكريم وهي إذاعة القرآن الكريم في كل من الجزائر و المملكة العربية السعودية و أستراليا، و استخدمت في بحثها المنهج الوصفي التحليلي والمقارن، من أجل وصف البرامج التي تبثها هذه الإذاعات ومقارنتها من حيث الخدمة التي تقدمها للقرآن الكريم.

الدراسة توصلت إلى مجموعة من النتائج أهمها أن الإذاعات المتخصصة في القرآن الكريم تقدم خدمة متميزة للقرآن الكريم، لكن نسبتها تختلف من إذاعة إلى أخرى، وهي تستفيد من التقنيات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي للوصول بهذه الخدمة إلى مختلف أنحاء العالم، كذلك إذاعة القرآن من السعودية هي إذاعة متخصصة بالفعل في خدمة القرآن الكريم، في حين الإذاعة الجزائرية هي إذاعة موضوعاتية، أما الإذاعة الأسترالية فهمي إذاعة موجهة إلى الجالية المسلمة بخدمة إعلامية متميزة خاصة فيما يتعلق بالقرآن الكريم، ومنه نجد أن إذاعات القرآن الكريم أداة مهمة لخدمة القرآن، لها الأثر البالغ في إيصال رسالة الإسلام إلى العالم.