قال تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } (الحجر :42) .
جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير، أنه لما أراد الله خلق آدم، ليكون في الأرض هو وذريته من بعده، وصور جثته منها، جعل إبليس، وهو رئيس الجان، وأكثرهم عبادة إذ ذاك، وكان اسمه عزازيل، يطيف به، فلما رآه أجوف، عرف أنه خلقٌ لا يتمالك.
وقال: أما لئن سُلّطتُ عليك لأهلكنك، ولئن سُلطتَ عليّ لأعصينك. فلما أن نفخ الله في آدم من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، دخل إبليس منه حسد عظيم، وامتنع من السجود له. وقال: أنا خير منه، خلقتني من نار، وخلقته من طين، فخالف الأمر واعترض على الرب عز وجل، وأخطأ في قوله، وابتعد من رحمة ربه، وأنزل من مرتبته، التي كان قد نالها بعبادته، وكان قد تشبه بالملائكة، ولم يكن من جنسهم لأنه مخلوق من نار، وهم من نور. فخانه طبعه في أحوج ما كان إليه، ورجع إلى أصله النار.
أبى إبليس واستكبر ورفض الأمر الإلهي، فكان جزاءه الطرد من السماء، بل من رحمة الله.. لتبدأ إثر ذلك معركة الخير والشر بشكل متسارع، لتتضمن فصولاً ومشاهد متنوعة كثيرة من الغواية والوسوسة، بين عالم خفي يديره إبليس ومعه ذريته من الأبالسة، وعالم ظاهري يمثل ذرية آدم عليه السلام، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الصراع بين الخير والشر قديم، بل قصة طويلة ما بدأت لتنتهي سريعاً.. ذلك أن إبليس أقسم أن يجلس لبني آدم كل مجلس وكل موضع، ولا يترك منهم أحداً { قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم } (الأعرف : 16 ) أي لأترصدن لآدم وبنيه على طريق الحق وسبيل النجاة، كما يترصد قطاع الطرق للسائرين فيها – بحسب تفسير الوسيط للطنطاوي – فأصدنهم عنها وأحاول بكل السبل أن أصرفهم عن صراطك المستقيم، ولن أتكاسل عن العمل على إفسادهم وإضلالهم.
لكن الجواب الجلي الواضح جاءه على الفور من رب العالمين قال تعالى { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } (الحجر :42) . وفي هذا الجواب تتضح معالم المعركة بين النفس البشرية والنفس الشيطانية. ذلك أن للشيطان تأثير بالغ على النفس البشرية حين تحيد وتبتعد عن طريق الله، ويقل ذلكم التأثير كلما اقترب الإنسان من الصراط المستقيم، حتى يتلاشى تماماً ويخنس إبليس وذريته.
النفس بين الملائكية والشيطانية
ليس لإبليس وذريته أي سلطة وتأثير على عباد الله، أو بني آدم بشكل عام، بغض النظر هاهنا عن مللهم ونحلهم وعقائدهم وأديانهم، لأن دور إبليس الأساسي ومن معه من أبالسة الجن، يقوم على فكرة الغواية أو الإضلال أو ما نسميها بالوسوسة وتزيين الشر والمنكر والحرام وما شابه. ثم يُترك الأمر للإنسان في المرحلة الأخيرة، مرحلة التنفيذ من عدمه. وهي المرحلة الحاسمة التي إما أن تتحول النفس البشرية لنفس ملائكية أو قريب منها، أو شيطانية أو قريب منها.
الحالة الملائكية تعني أن الإنسان ينتبه في مرحلة ما للمكر الشيطاني وخدعه ووساوسه، فيعمل سريعاً وجاهداً للتخلص منها والعودة لجادة الحق والصواب، فيستعيذ بالله منها ويتوب وينوب، ليعود سالماً معافاً إلى الصراط المستقيم، ليعيد إبليس الكرة معه في جولة أخرى قادمة، ما دام في هذا الإنسان عرق ينبض.
الحالة الشـيطانية تعني أن الإنسان لا ينتبه إلى أين يقوده الشيطان، حيث تستهويه وساوسه، وتميل نفسه إليها وتستسيغها وتستحسنها من بعد أن يكون الشيطان قد زين له أعماله، فتخبث نفسه وتصير نفساً شيطانية خبيثة، ليدخل عالم الضلال والإضلال، ويكون بذلك قد أعطى فوزاً أو انتصاراً لإبليس ما كان له ذلك، لولا هشاشة إيمانه وفوضى الفهم والتبصر والتأمل عنده. فيفرح بذلك إبليس ومن معه، لأنه أنجز وعده الذي قطعه أمام رب العالمين، أن يقعد لعباده كل مرصد، يغويهم ويضلنهم ويدفعهم خارج حمى الله، ويشتت فكره كي لا يتنبه ويعود لرشده ويسلك مسلك التائبين الأوابين، لكي يطمئن إبليس أن هذا الآدمي سيكون ضمن قافلة الداخلين معه إلى جهنم وبئس المصير.
أنت من يقرر النهاية
خلق الله إبليس ليكون نموذجاً للنهاية الخاسرة، ودرساً لنا بني البشر، تقول خلاصته: العناد والتكبر والحسد، عوامل أساسية لنهاية بائسة، وهي كلها توفرت في إبليس ساعة نزول الأمر الإلهي في الملأ الأعلى بالسجود لآدم. ارتكب ذنب العصيان بسبب حسده وتكبره على آدم، ورفضه العودة والإنابة والتوبة. فكان مصيره الطرد من الرحمة الإلهية إلى يوم القيامة.
وخلق الله آدم عليه السلام، وحال ارتكابه ذنب العصيان بالأكل من الشجرة المحرمة ثم التوبة والإنابة والاستغفار ، إنما ليكون نموذجاً للنهاية السعيدة لمرتكب الذنب والمعصية، حال استغفاره وتوبته وإنابته. ومن هنا يتبين لنا، أنه رغم قوة وبأس وتأثير الشيطان على الإنسان، إلا أنه أضعف من أن يقرر مصير هذا الإنسان، لأن هذا البشري هو صاحب القرار، وهو من يختار طريق الهداية أو الغواية. رضى الله أو غضبه. جنته أو ناره. وهذه خلاصة قصة الصراع بين الحق والباطل، الخير والشر، الإنسان والشيطان.. قصة واضحة بذاتها، يعرف كل منا دوره فيها، بل من شدة وضوحها أن أحدنا يكون عنده الإلمام الكافي والقدرة على أن يرسم نهايته بنفسه.
تأمل قوله تعالى في الآية الكريمة التي توضح لك أقصى ما يمكن لإبليس أو الأبالسة القيام به مع بني آدم { وقال الشيطان لما قُضي الأمر: إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ۖ وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ۖ فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } (إبراهيم :22 ) . هكذا هو المشهد بكل وضوح. من يتبع خطوات الشيطان، فلا يلومن إلا نفسه. ولهذا حاول أن تضع الآية الكريمة أمام ناظريك، لتدرك مدى قوتك في رسم نهاية سعيدة أو شقيه لنفسك. فانظر ماذا ترى.