تعتبر  إندونيسيا إحدى أكبر الدول الإسلامية كثافة سكانية ، وقد تسبب الزيادة الكبيرة في حجم سكان هذا البلد إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية وبالخصوص إنتشار الفقر والبطالة.

اتخذت الحكومات الإندونيسية المتعاقبة سياسات تنموية مختلفة ركزت في غالبيتها على مكافحة الفقر والبطالة ، وكان من ضمن هذه السياسات تطوير وتحديث مؤسسات الزكاة  حيث تشكل هذه المؤسسات دورا هاما في جمع وتوزيع الزكاة وهو ما ساهم في تطويق الفقر بشكل كبير في بعض مناطق  إندونيسيا وتوفير مشاريع تنموية شكلت مصدر رزق للعديد من السكان.

في 23 نوفمبر 2011 أصدرت الوكالة الوطنية للزكاة (National Zakat Agency) القانون الإندونيسي المنظم لجمع وتوزيع الزكاة ويحمل هذا القانون رقم (UU RI No:23/2011) ويشمل هذا القانون كافة أوجه عمل المؤسسات الخاصة بجمع وتوزيع الزكاة ، كما يشمل القانون كمية الزكاة المتوقعة وتصنيف الطبقات المستفيدة منها. كيف أسهمت الزكاة في تخفيف آثار الفقر في  إندونيسيا ؟ هذه المقالة هي قراءة في تجربة ثرية ومميزة لإحدى الدول الإسلامية في مجال الاستفادة من الزكاة.

إدارة مؤسسات الزكاة 

عرفت إدارة مؤسسات الزكاة في إندونيسيا تطورات مختلفة ومرت بمراحل كثيرة من الأساليب البدائية التى مرت بهذا هذه المؤسسات في حقبة الاستعمار وما قبلها إلى المرحلة التى توجد فيها الآن ، وقد كان الظهور المبكرللوعي بتطوير مؤسسات الزكاة ساهم بشكل كبير في تراكم التجربة الإندونيسية في هذا المجال وجعلها تجربة ثرية ومميزة من بين دول العالم الإسلامي.

تختلف التقديرات بشأن حجم المبلغ المتوقع للزكاة من دراسة إلى دراسة أخرى حسب البيانات المتوفرة وحسب منهجية إعداد التقارير، التقارير العامة تقدر قيمة الزكاة ب 7.5 تريليون روبيه للسنة. [1]بينما يشير تقريرمركز(Public Interest Research and Advocacy Center) الذي أعده من خلال جمع معلومات من 11 مدينة من كبريات المدن الإندونيسية تشير تقديرات التقرير إلى 4 ترليون روبية كقيمة تقديرية لحجم مبلغ الزكاة.

في إطار إدراة مؤسسات الزكاة وتطوير أدائها قامت الوكالة الوطنية للزكاة (National Zakat Agency) بالتعاون مع كلية الاقتصاد بجامعة بوغور بمشروع بحثي حول المبلغ الاجمالي المتوقع من جمع الزكاة إضافة إلى تصنيف دافعي الزكاة المحتملين ، وقد استخدم في البحث معلومات قدمت من مؤسسات و مراكز هامة في الدولة منها البنك المركزي الإندونيسي والوكالة العامة للإحصاء. بناء على نتائج الدراسة تم تصنيع دافعي الزكاة إلى ثلاث مجموعات: أولا: زكاة الأفراد والأسر وتصل قيمتها التقديرية على المستوى الوطني ما قيمته 82.7 تريليون روبية أي 1.3% من الدخل القومي ، ثانيا : زكاة المصانع الكبيرة والمتوسطة وتصل قيمتها التقديرية 114.89 تريليون روبية ، ثالثا: زكاة المؤسسات المملوكة للدولة وتصل قيمتها التقديرية 2.4 تريليون روبية ، تشكل هذه الأرقام إسهاما كبيرا في الاقتصاد الوطني وتستخدم في مشاريع تنموية تسهم في تخفيف آثار الفقر و البطالة.

تسيير أموال الزكاة 

تحرص مؤسسات الزكاة في  إندونيسيا على تحقيق التوزيع الأمثل لأموال الزكاة حيث يعتبر تحسين ظروف الحياة لملايين الإندونيسيين الذين يعيشون على خط الفقر الهدف الأسمى لهذه المؤسسات، ويشمل استهداف هؤلاء السكان المجالي التعليمي والمجال الصحى إضافة إلى تمويل مشاريع صغيرة تساعد السكان على التحسين من ظروفهم المعيشية. ويعتمد تدخل مؤسسات الزكاة على ركيزتين أساسيتين : الأولي: من خلال التكوين وتعليم فن الإدارة و تقديم التوجيهات لأصحاب المشاريع الصناعية الصغيرة ، أما الركيزة الثانية :  فهي تمويل المشاريع الصغيرة من خلال الدعم المالي أو من خلال توفير الوسائل والآلات التي تستخدم في هذه المشاريع.

يشكل المزارعون في  إندونيسيا أغلبية الطبقة الفقيرة  لذالك تستهدفهم مؤسسات الزكاة من خلال الدعم المادي والتكوين والتأطير الذي يجعلهم قادرين على زيادة الانتاجية وتحسين ظروفهم المعيشية بما في ذالك توفير التعليم لأبنائهم. كذالك الصيادون في أغلبهم يستخدمون وسائل بدائية تحد من انتاجيتهم وتجعلهم من الطبقة الفقيرة، تتدخل مؤسسات الزكاة من خلال الدعم بشراء وسائل صيد حديثة لهم أو من خلال مساعدتهم في عملية تسويق بضاعتهم. كم تتدخل مؤسسات الزكاة بدعم التعليم الخاص للطلبة المنحدرين من المناطق الفقيرة حيث تقوم هذه المؤسسات بتوفير منح دراسية لهم تساعدهم على تكميل تعليمهم وأحيانا يشمل هذا الدعم المدارس الخاصة التى تعاني من عدم توفر الدعم المالي من الدولة.

تحديات وعوائق على الطريق

على الرغم مما تسهم به مؤسسات الزكاة في  إندونيسيا في مكافحة الفقر وبالرغم من الأشواط الكبيرة التى قطعت الدولة في تنظيم وتوزيع وتقنين هذه الوسيلة واستخدامها بالطريقة الأمثل ، إلا أن تحديات وعوائق لا تزال تواجه هذه المؤسسات، من هذه العوائق ما هو تنظيمي ومنها ما هو إداري ومنها ما هو سلوكي متعلق بدافعي الزكاة.

في استطلاع للرأي أجرته الوكالة الوطنية للزكاة (NZA) شملت مقابلة مع 345 من دافعي الزكاة ، أظهرت النتائج أن العوامل الأساسية المحفزة للفرد على دفع الزكاة هي : المستوى التعلمي ، الوظيفة ، مستوى الدخل، تشكل هذه العوامل عوائق في طريق دفع الزكاة.  أظهر الاستطلاع أيضا عوائق تتعلق بطريقة دفع الزكاة حيث تشير النتائج إلى أن 72.8% يدفعون الزكاة عن طريق المراكز غير الرسمية وهي مراكز غير تابعة للوكالة الوطنية للزكاة (NZA) لكن تعمل نفس عملها ، بينما الباقي 27.2% يدفعون الزكاة عن طريق المراكز الرسمية التابعة للوكالة الوطنية للزكاة.  هذه الفجوة بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية فيما يتعلق بدفع الزكاة تشكل تحد كبير للحكومة الإندونيسية.

شمل تدخل مؤسسات الزكاة في  إندونيسيا العديد من المجالات التى تلامس حياة الإنسان العادي في المناطق الفقيرة وتشكل هذه التدخلات دورا مهما في التخفيف من حالة الفقر بين هذه الطبقات و تبعث فيهم الأمل من جديد في حياة أفضل من خلال دعم المشاريع الصغيرة ومن خلال التكوين والتدريب وحتى من خلال توفير الخدمات الصحية.

 


[1] (روبية: العملة الإندنوسية)