انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي اعتراض بعض الناس على تسمية الشوارع بأسماء الصحابة والقادة المسلمين، ورأوا أن هذه التسمية لا تناسبهم ولا تناسب تاريخهم، واعترض عليهم البعض، ورأوا أن رفضهم لتسمية الشوارع بأسماء الصحابة ليس صحيحا، بل هو جزء من تاريخنا.
وتسمية الأماكن مما استقر في نفوس البشرية مؤمنهم وكافرهم، فما زال الناس من قديم الزمن يطلقون أسماء على الدول والمدن والأمصار، وقد حفل التاريخ الإنساني بذلك دون نكير.
وقد كانت التجمعات السكنية صغيرة، فلم يكن الناس بحاجة إلى أن يسموا المناطق أو الشوارع، ومع اتساع البقعة الجغرافية دعت الحاجة إلى تسمية الشوارع إما بأسماء أو أرقام، وتنوعت الأسماء بين أسماء الأنبياء، أو الصحابة أو التابعين أو الفاتحين أو القادة قديما وحديثا، أو حتى بعض المحسنين، واستقر هذا الأمر حتى يومنا هذا استقرارا اجتماعيا، وما زال عليه الناس إلى يومنا هذا.
وبيان هذا الأمر في محورين؛ الأول: حكم التسمية بأسماء الصحابة وغيرهم، والثاني: الاعتراض على تسمية الشوارع بأسماء الصحابة.
المسألة الأولى: تسمية الشوارع
تسمية الشوارع بالأسماء والأرقام يقع في دائرة المباح، وهو خاضع للمصالح المرسلة، والأمر موكول فيه إلى الجهات المختصة، وعادة ما تكون هناك لجنة في كل دولة، بل ربما في كل حي أو مدينة مختص باختيار أسماء الشوارع.
أما تسمية الشوارع بأسماء الصحابة والتابعين والفاتحين والعلماء وأصحاب الجاه ممن لهم مكانة في نفوس الأمة أو الشعب، فهو مستحب، بل هو من الأعمال الصالحة.
والأدلة على ذلك كثيرة، منها الاستئناس بقوله سبحانه وتعالى في حق الصالحين: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 90].
كما أن القرآن الكريم حفل بأسماء عديدة من الصالحين؛ تخليدا لذكراهم، كعمران، بل سميت سورة باسم (آل عمران)، ومريم، وذي القرنين، وطالوت، وزيد بن حارثة من صحابة رسول الله ﷺ، وغيرهم.
وقد أبان النبي ﷺ فضل الصحابة والتابعين وتابعيهم على من بعدهم، كما ورد في «صحيح مسلم» (4/ 1962) عن عبيدة السلماني، عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: «خير أمتي القرن الذين يلوني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”، وفيه إشارة إلى الاحتفاء بهم في حياتنا، والعناية بسيرتهم والاقتداء بهم في حياتنا.
كما أن هناك منافع وفوائد عظيمة وراء تسمية الشوارع بأسماء الصحابة وغيرهم ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام والبشرية، ومن أهمها:
حفظ التاريخ:
فتسمية الشوارع بأسماء الصحابة والصالحين والعلماء والقادة من أصحاب الفضل فيه حفظ لتاريخهم، وتعريف للأجيال بهم، فينشأ الشباب على معرفة أسمائهم من خلال تسمية الشوارع بها، فيسألون عنهم، ويقرؤون سيرتهم، ويعرفون تاريخهم.
الاعتبار والاقتداء:
كما أن تسمية الشوارع بأسماء الصحابة وغيرهم من الأعلام فيه من الاعتبار بمن مضى، وأخذ العظة من تاريخهم،كما جاء في مقدمة «معجم البلدان» (1/ 7) لبيان سبب تأليف الكتاب والإشارة إلى فائدة ذلك بقوله: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]. فهذا تقريع لمن سار في بلاده ولم يعتبر، ونظر إلى القرون الخالية فلم ينزجر، وقال وهو أصدق القائلين: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام: 11] أي: انظروا إلى ديارهم كيف درست، وإلى آثارهم وأنوارهم كيف انطمست، عقوبة لهم على اطراح أوامره، وارتكاب زواجره، إلى غير ذلك من الآيات المحكمة، والأوامر والزواجر المبرمة. فالأول توبيخ لسبق النهي عن المعصية شاهرا، والثاني أمر يقتضي الوجوب ظاهرا. فهذا من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يطرق عليه نقص من إنشائه وخلقه.
تخليد الذكرى:
فمن حق أولئك الأعلام أن نخلد ذكراهم، ونسطر تاريخهم، ونروي قصصهم، وننقل للأجيال سيرتهم، ونعرفهم عليهم؛ حتى يعرفوا تاريخ أجدادهم من الأعلام الكبار، وما زالت الشعوب تفعل ذلك عبر الدهور والعصور، وهو جزء من التاريخ الاجتماعي في الكتب مسطور، وعند العقلاء مذكور.
حفظ الهوية الإسلامية:
ومن فوائد تسمية الشوارع بأسماء الأعلام الفضلاء من الصحابة ومن بعدهم أنه بيان لهوية الناس والمكان، والناس في هويتهم متنوعين، وعنها بكل الوسائل معبرين، فمن كانت هويته إلى هدى؛ سموا شوارعهم بأسماء من أمرنا بهم أن نقتدي، وقد قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148]، فليس من المنكور أن تسمى شوارع بلاد المسلمين بأسماء الصحابة الذين كانوا سببا في دخول الإسلام فيها، وانتمائنا إليه، وهو من باب معرفة الفضل لأهله، ولا يعرف الفضل لأهله إلا ذوو الفضل والشرف، أما من أرادوا الانسلاخ عن الهوية، ولولوا قلوبهم شطر غير دين الإسلام وتاريخ المسلمين، فليفعلوا ذلك في غير بلادنا إن شاؤوا، أو يكفيهم في ذلك السكوت.
المسألة الثانية: إنكار تسمية الشوارع بأسماء الصحابة
أما إنكار تسمية الشوارع بأسماء الصحابة في بلاد المسلمين، فإما أن يصدر عن جهل أو شبهة، فأصحابها معذرورن، والواجب الشرعي حوارهم وإفهامهم أبعاد الأمر ومراميهم حتى يهتدوا للرشد في المسألة، والدعاء أن يرزقهم الله الفهم الصحيح، وأن يفتح قلوبهم للحق في تلك المسألة.
وإما أن يصدر الإنكار ممن يعرف أبعاد المسألة، ولكنهم يولي وجهه شطر الغرب ومعاداة كل ما هو إسلامي، فهذا عاص آثم عند الله تعالى، لأنه يعبر عن كرهه للصحابة، وكره الصحابة معصية بنص القرآن الكريم، وذلك أن من تمام الإيمان وكمال الإسلام حب من يحب الله، وكره من يكره الله، وقد ورد ما يقارب مائة آية في القرآن الكريم عن الصحابة رضوان الله عليهم، ومن أجل الآيات في حق صحابة رسول الله قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة: 100].
ثم إننا نسائل الذين لا يريدون أن تسمى شوارع بلاد المسلمين بأسماء الصحابة والصالحين والعلماء وغيرهم: بم نسمي شوارعنا؟ هل نسميها بأسماء الكفار والملحدين؟ أم نسميها بأسماء علماء الغرب من غير المسلمين؟
إن كل أمة تعتز بتاريخها وحضارتها، ونحن المسلمين نعيش على أرض الإسلام، فيجب علينا أن نعتز بحضارتنا وأن ننتمي إليها، ومن الانتماء إلى تلك الحضارة وذلك التاريخ أن نسمي مدننا وشوارعنا بأسماء الصحابة والتابعين، والعلماء والقادة والمصلحين، فذلك جزء من الهوية التي يجب الحفاظ عليها شرعا، وكل أمة بلا هوية هي أمة إلى الهاوية.
وإن من المؤسف أن نجد من ينتسبون إلى الإسلام وتشعر أنهم لا يريدون الانتماء إلى الإسلام، ويربطون الإسلام ببعض الجماعات المتطرفة، فيعترضون على تسمية الشوارع بأسماء الصحابة، وكأن المتطرفين ينتسبون إلى الصحابة وهم برآء منهم.
كما أنه من الأهمية بمكان أن يلتفت أن الحكومات لا تسمي كل شوارع المسلمين بأسماء الصحابة والقادة الإسلاميين، فهم يسمون – أيضا- بأسماء الزعماء المحليين والأدباء والمغنيين والمغنيات والفنانين والفنانات، بل تسمى بعض الشوارع بأسماء الزعماء الذين احتلوا بلادنا، ولم تأخذهم الحمية لذلك، ولم نجد اعتراضا منهم في أن تسمى شوارعنا بمن قتلوا جنودنا وشبابنا، لكن وجدناهم يعترضون على أسماء صحابة رسول الله ﷺ، فلا ندري أي وجهة يقصدون، ولا إلى أي هدف يرمون، ولا إلى أي فكر ينتمون، فإن مجتمعاتنا الإسلامية – ولله الحمد- تجمع بين الإسلام والمواطنة والواقع، وفيها من التنوع ما يرضي الجميع، وإن الدعوة إلى إقصاء المعالم الإسلامية في الدول الإسلامية لهي دعوة إلى التفرق والانشقاق في مجتمع من الواجب أن يجمع على راية الإسلام التي تقبل الجميع فيه حتى غير المسلمين.