هل الظنّ كلّه إثم؟
الآية تقول إن بعض الظنّ إثم، وكثير من الناس، حتى من المشايخ، يظنّون أن الظنّ كلّه إثم! فهل ظنّهم هذا صحيح؟
الظنّ في القرآن
– (ومنهم أمّيون لا يَعلمون الكتابَ إلا أمانيّ وإنْ هم إلا يَظنّون) البقرة 78
– (وإنّ الذين اختلفوا فيه لَفي شكّ منه ما لهم به مِن علم إلا اتّباعَ الظنّ وما قتلوه يقينًا) النساء 157.
– (وإنْ تُطِعْ أكثرَ مَن في الأرضِ يُضلّوكَ عن سبيلِ اللهِ إن يتّبعون إلا الظنّ وإنْ هم إلا يَخْرُصون) الأنعام 116.
– (قُلْ هل عندكم مِن علم فتُخرجوه لنا إن تتّبعون إلا الظنّ وإنْ أنتم إلا تَخْرُصون) الأنعام 148.
– (وما يتّبع أكثرهم إلا ظنًا إنّ الظنّ لا يُغني مِنَ الحقّ شيئًا) يونس 36.
– (إنْ يتّبعون إلا الظنّ وإنْ هم إلا يَخْرُصون) يونس 66.
– (وما لهم بذلك مِن علم إنْ هم إلا يَظنّون) الجاثية 24.
– (إنْ نظنّ إلا ظنًا وما نحن بمُستيقِنين) الجاثية 32.
– (يا أيّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا مِنَ الظنّ إنّ بعضَ الظنّ إثم) الحُجُرات 12.
– (إنْ يتّبعون إلا الظنّ وما تهوَى الأنفس ولقد جاءهم مِن ربّهمُ الهُدَى) النجم 23.
– (وما لهم به مِن علم إنْ يتّبعون إلا الظنّ وإنّ الظنّ لا يُغني من الحقّ شيئًا) النجم 28.
الظنّ في الحديث النبوي
ورد لفظ الظنّ في الحديث النبوي في مواضع كثيرة، منها: قوله ﷺ: (إياكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذبُ الحديث) متفق عليه.
هل الظنّ ممنوع؟
مَن يقرأ الآيات قد يتوهم أنّ الظنّ ممنوع في جميع الأحوال، والحقيقة أنّ في الأمر تفصيلاً. وهذا امتحان لعقول المسلمين من بين امتحانات أخرى. وربما يدخل هذا في متشابهات القرآن.
الوهْم والشكّ والظنّ واليقين:
ورد في الآيات: الهوى (الوهْم)، الشكّ، الظنّ (الخَرْص)، اليقين (العِلْم، الحقّ).
الظنّ في العقائد: غير مقبول، لأن العقيدة مِنَ اليقين، واليقين لا يكون إلا مِنَ الله ورسوله.
الظنّ في العلوم والمعاملات: مقبول، بل لا يُستغنى عنه.
يقول الغزالي (-505هـ) في الظنّ وعدم التأكد حسب المصطلح الاقتصادي:
“التاجر في تعبه (تكاليفه) على يقين، وفي ربحه على شكّ” (الأفضل: على ظنّ).
ويقول العز بن عبد السلام (-660هـ): “الاعتماد في جلب مصالح الدارين ودرء مفاسدهما يُبنى في الأغلب على ما يظهر في الظنون (…). وتحصيل معظم هذه المصالح بتعاطي أسبابها مظنون غير مقطوع به.
فإنّ عمّال الآخرة لا يقطعون بحسن الخاتمة، وإنما يَعملون بناءً على حُسن الظنون، وهم مع ذلك يَخافون أن لا يُقبل منهم ما يَعملون (…). وكذلك أهل الدنيا إنما يَتصرّفون بناءً على حُسن الظنون، وإنما اعتُمد عليها لأنّ الغالب صدقها عند قيام أسبابها. فإنّ التجار يُسافرون على ظنّ أنهم يَسلمون ويَربحون. والصنّاع يَخرجون من منازلهم على ظنّ أنهم يُستعملون بما به يَرتفقون. والأكّارون يَحرثون ويَزرعون بناءً على أنهم يَستغلّون (…).
والملوك يُجنّدون الأجناد، ويُحصّنون البلاد بناءً على أنهم بذلك يُنصَرون. وكذلك يأخذ الأجناد الحذر والأسلحة على ظنّ أنهم يَغلبون ويَسلمون (…).
والعلماء يَشتغلون بالعلوم على ظنّ أنهم يَنجحون ويَتميزون. وكذلك الناظرون في الأدلة والمجتهدون في تعرّف الأحكام يعتمدون في الأكثر على ظن أنهم يَظفرون بما يَطلبون.
والمرضى يَتداوون لعلهم يُشْفَون ويَبرؤون. ومعظم هذه الظنون صادق موافق، غير مُخالف ولا كاذب، فلا يجوز تعطيل هذه المصالح الغالبة الوقوع خوفًا من ندور (ندرة) كذب الظنون، ولا يفعلُ ذلك إلا الجاهلون”.
الظنّ إذا تعارض مع اليقين
أُخذ باليقين، وتُرك الظنّ. إذا اجتمع في مسألة رأي بشر، وعلم الله، كان رأي البشر ظنيًا، وعلم الله قطعيًا. علوم البشر، ولو سميت علومًا، إلا أنها تبقى ظنّيّة. والعلم في الأصل لا يُطلق إلا على ما هو قطعي (راجع الآيات أعلاه).
الخرّاصون
قال تعالى: (قُتل الخرّاصون) سورة الذاريات 10، أي: الكذابون.
مِن هذه الآيات التي ورد فيها ذكر الخَرْص، يفهم أن الخَرْص حرام، لكن هناك أشياء وصفت بالخَرْص وهي جائزة، من ذلك: خَرْص الثمار في الزكاة. فالخَرْص كالظنّ ليس كلّه حرامًا، وقد يختلف معناه من سياق إلى آخر.
الخلاصة
الظن ممنوع في العقائد، وممنوع إذا تعارض مع اليقين، وهذا الذي جاءت به الآيات. أما في العلوم والأعمال فلا يمكن الاستغناء عنه. ومن ثم يجب الحذر من خطأ فهم آيات القرآن، والله أعلم.