روى عمرو بن أمية رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي ﷺ مستفهما أي الفعلين يوافق التوكل؛ هل هو ربط الناقة في مكان، أو تركها على حالها ثم السعي والذهاب لأحواله؟ فقال له النبي ﷺ: ” اعقلها وتوكل” (رواه الترمذي وابن حبان).
تجد نفسك أحياناً وقد وصلت لمرحلة من الانهاك والتعب، لا لعمل بدني فيزيائي، ولكن بسبب تفكير متواصل في أمر ما، تريد أن تتخذ قراراً بشأنه. فتجد نفسك في حيرة من أمرك.
هل تتخذ القرار أم تتريث؟
هل هذا القرار هو الأصوب أم الأحوط أم الأضمن؟
هل أنت من يجب عليه اتخاذ هذا القرار أم يمكن تكليف آخرين بذلك؟
وهكذا تجد نفسك في فوضى من التفكير والتردد، لا تدري ماذا عليك فعله..
ولن يغبطك أحدٌ على حالتك تلك بكل تأكيد.
ما هو التردد؟
إنه يعني بكل وضوح، أن همساً أو صوتاً خافتاً يأتيك من أعماقك يدعوك إلى عدم خوض ما أنت بصدده، ويدعوك ذاك الصوت الهامس الخافت كذلك، إلى التوقف والتفكير مرات ومرات، ويبدأ يقرأ عليك أوهاماً وتوهمات، ويدعوك إلى تخيل صور سلبية بائسة متشائمة..
من الطبيعي أن تتريث وتتمهل وتقف طويلاً قبل اتخاذ قرارك في أي أمر من أمور حياتك، إن أنت استمعت إلى ذاك الصوت أو الهمس الخفي، أو تعمقت أكثر في الأمر بأن تصل إلى حد التصديق.
التردد يختلف عن التخطيط والتفكير الشامل قبل اتخاذ أي قرار. المقصود من التردد ها هنا، هو عدم الإقدام على الخطوة الأخيرة، من بعد اتخاذ كافة الإجراءات والتخطيط اللازم والتفكير المناسب.
عدم إنهاء الموضوع والتوقف عند الخطوة الأخيرة أو الدرج الأخير من سلم صناعة القرار، إنما هو الخسارة الأكيدة.
قد يتبادر للذهن سؤال لماذا؟ لأنك أهدرت وقتاً وجهداً وأنت في مراحل التهيئة والترتيب اللازمين لاتخاذ القرار، وبدلاً من أن تكلل كل تلك المراحل بالإقدام على الخطوة الأخيرة، لكي ترى النتائج، بغض النظر عن ماهيتها، تكون قد أضعت على نفسك فرصاً، ربما ثمينة وغالية، وقد لا تتكرر مستقبلاً.
توكل خالد بن الوليد
سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يتردد في اتخاذ قرار الانسحاب من معركة مؤتة بعد أن رأى بوادر الهزيمة قادمة لجيش المسلمين يومذاك ، بل ربما فناء الجيش بأكمله وهو يواجه جيشاً يفوق عدداً وعدة بأضعاف الأضعاف. (1)
اتخذ قراره دون أي تردد أو تذبذب ، فالموقف لا يتحمل أي تردد ، والقائد الحقيقي وقت الأزمات لا يتردد أو هكذا يجب أن يكون عليه القادة .. ولو أن خالداً يومها اتخذ قرار مواصلة القتال ، لكان مسؤولاً عن إبادة الجيش عن بكرة أبيه ، وإهدار دماء خير البشر في ذاك الزمان ..
اتخذ خالد قراره الحاسم ، فكانت النتيجة أن أنقذ الكثيرين من المسلمين ، وهذه الخطوة الأهم ، ومن ثم بدأ التفكير في مواصلة تحقيق الهدف بعد ترتيب الصفوف ، وهذا ما حصل فعلاً بعد عودة الجيش الى المدينة لترتيب وتجميع نفسه والإعداد لجولة أخرى .. ولو افترضنا أن قرار خالد كان خاطئاً ، ما امتدحه النبي الكريم ﷺ ، وامتدح جيشه وسماهم بالكرّار بعد أن أطلق بعض المسلمين ممن لم يملكوا بعد النظر على الجيش بالفـرّار ..
عمليات التغيير ليست من تلك النوعية من العمليات التي تتحمل التردد والبطء. ولو كان كل البارزين على مدار التاريخ من القادة والحكام وعظام الرجال من المترددين، لما برز أحد في هذا التاريخ ولما حدثت تغييرات دراماتيكية حاسمة تغير معها التاريخ .
الخلاصة “اعقلها وتوكل “
خلاصة الكلام أن تكون حاسماً حازماً وأنت ترغب في إحداث تغيير ما، سواء على الصعيد الشخصي أم أصعدة أوسع وأكبر.. لا تتردد في قرارات التغيير، فهناك الكثيرين حولك تنحصر مهامهم في تلك اللحظات الحاسمة في دفعك إلى التباطؤ والتوقف، وأهم كل أولئك، هي نفسك التي بين جنبيك..
ضع في ذهنك حديث الصادق المصدوق عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم :” اعقلها وتوكل”.. أي خذ بكل الأسباب الميسرة والمشروعة ثم توكل على الله واتخذ قرارك ونفذ الأمر، وستجد التوفيق والنجاح أمامك وحليفك بإذن الله تعالى.