ينبغي للمسلم الاتصاف بالآداب والأخلاق والصفات الحسنة لأنه يمكن اكتسابها ممن لم يكن متصفا بها، فالأخلاق تكتسب بالدربة ورياضة النفس ومجاهدتها قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } (الشمس: 9)  أي النفس. وقال ” مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ” .

وقال عليه أفضل الصلاة والسلام : ” العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يُعطه ومن يتوق الشر يوقه” (رواه الخطيب وغيره من حديث أبي الدرداء ، وحسنه الألباني) .

يقول الغزالي رحمه الله إن الخُلق ” يحصل على وجهين :

  • أحدهما : بجود إلهي وكمال فطري .
  • والوجه الثاني : اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة ، وأعني به يقول الغزالي حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب .

فمن أراد مثلا أن يحصل لنفسه خلق الجود ، فطريقه أن يتكلَّفَ تعاطيَ فعل الجواد ، وهو بذل المال ، فلا يزال يطالب نفسه ويواظب عليه تكلفا مجاهدا نفسه فيه حتى يصير بذلك طبعا ، ويتيسرُ عليه فيصير به جوادا .

وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع ، وقد غلب عليه الكبر ، فطريقُهُ أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة وهو فيها مجاهد نفسه ومتكلف إلى أن يصير ذلك خلقا له وطبعا فيتيسر عليه .

وجميع الأخلاق المحمودة شرعا تحصل بهذا الطريق.”

ولله در الشاعر إذ يقول:

والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على
حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم

الأخلاق تكتسب لكن لا بد للإرادة من أن تأخذ دورها، فتعزم على الاتصاف بالخلق المطلوب أو ترك الخلق غير المرغوب فيه، فإذا كانت الإرادة من الإنسان أعانه الله على الوصول إلى مراده.. لقوله : “وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ”.  قَالَ الْقُرْطُبِيّ : ” ( وَمَنْ يَتَصَبَّرْ ) أَيْ يُعَالِج نَفْسه عَلَى تَرْك السُّؤَال وَيَصْبِر إِلَى أَنْ يَحْصُل لَهُ الرِّزْق ( يُصَبِّرهُ اللَّه ) أَيْ  يُقَوِّيه وَيُمَكِّنهُ مِنْ نَفْسه ، حَتَّى تَنْقَاد لَهُ ، وَيُذْعِن لِتَحَمُّلِ الشِّدَّة , فَعِنْد ذَلِكَ يَكُون اللَّه مَعَهُ فَيُظْفِرهُ بِمَطْلُوبِهِ ” .

وبالتالي فالتدريب العملي والممارسة التطبيقية ولو مع التكلف في أول الأمر، وقسر النفس على غير ما تهوى، من الأمور التي تكسب النفس الإنسانية العادة السلوكية، طال الزمن أو قصر.

ففي النفس الإنسانية استعداد فطريّ لاكتساب مقدار ما من كلِّ فضيلة خلقية، وبمقدار ما لدى الإنسان من هذا الاستعداد تكون مسؤوليته، ولو لم يكن لدى النفوس الإنسانية هذا الاستعداد لكان من العبث اتخاذ أية محاولة لتقويم أخلاق الناس.

والقواعد التربوية المستمدة من الواقع التجريبي تثبت وجود هذا الاستعداد، واعتمادًا عليه يعمل المربون على تهذيب أخلاق الأجيال التي يشرفون على تربيتها، وقد ذكرنا الأدلة الدالة عليه أيضا من الكتاب والسنة.