الأسرة هي الوحدة الأساسية في المجتمع والرافد الأول للعاطفة، وتعد من أسمى العلاقات الإنسانية. كما أنها المكان الأول الذي تُقاس فيه قيمة الشخص من خلال تعامله مع أسرته، وهي المصدر الأول الذي يكتسب منه الفرد أنماط التفكير، والسلوك، والممارسات، والعلاقات.

والأسرة تُعَدّ من الأركان المهمة في الاستقرار الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي. ومع تطور الحياة واجهت الأسرة ضغوطًا وتحديات. ومن أبرز هذه التحديات التحديات الاقتصادية، والتكنولوجية، والاجتماعية، والثقافية، التي تنعكس آثارها على المجتمع بشكل عام ودون استثناء. ويعاني جميع أفراد المجتمع من بعض تلك الآثار كالتفكك الأسري، والتوترات الداخلية، التي ينشأ عنها ضعف المستوى الدراسي، فضلًا عن الأبعاد النفسية للمشكلات داخل العائلة الواحدة.

فالأسرة ليست معزولة عن العالم وما يحدث حولها، فالعالم أضحى قرية صغيرة، وقد أثرت الثورة التكنولوجية بشكل كبير على كل أفراد المجتمع وفئاته المختلفة باتجاهاتهم.

إلى جانب ذلك، تأتي العولمة وأثرها الثقافي على الأبناء، بالإضافة إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصغار والمراهقين والشباب بشكل عام، إذ صارت اليوم جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية.

وبلا شك، فإن الأجهزة الذكية أثرت كثيرًا في العلاقات داخل الأسرة الواحدة، فزادت التوترات والمشكلات التي لا تنتهي، خصوصًا إذا كانت الأسرة تعمل على بناء أساس قوي. فإذا أردت بناء أمة عظيمة، ابدأ بتنشئة أفرادها داخل أسر قوية. إن تعليم القيم في البيت يصنع قادة المستقبل، وترسيخ الصورة المثالية للبيت المسلم أمر في غاية الأهمية، تسعى له كل الأسر سواء داخل الوطن أم خارجه. وبالطبع، ما تكون عليه الأسرة هو صورة مصغرة عن المجتمع. كما أنه لا أحد ينشأ من فراغ، فكل شخصية عظيمة خلفها أسرة عظيمة بذلت من أجل هذه التربية الصالحة.

إن صلاح المجتمع مرتبط تمامًا بصلاح الأسرة، فهي تزيد من قوة المجتمع وصلابته. وقد ورد في تقرير لليونيسف أن الاستقرار العائلي لا يسهم فقط في النمو السليم للأطفال، بل يمنحهم القدرة على مواجهة التحديات بثقة.

كما أن الروابط العائلية الآمنة تساهم في الاستقرار العائلي. ورسولنا الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، يقول: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” (صحيح الترمذي).

لذلك يُعَدّ من عوامل استقرار المجتمع اليوم تقديم القدوة الناجحة، وتعليم الأبناء المهارات الأساسية للحياة، وكيفية التكيّف في عصر تتاح فيه كل المغريات، وذلك من خلال المناهج وتنمية حس المسؤولية المجتمعية.

وفي ظل الثورة الرقمية الهائلة وتوافر الأجهزة الذكية، صار الأمر يتطلب من الأسرة دورًا جديدًا غير الأدوار التقليدية لضمان بقائها واستمرارها. فهذه الثورة الرقمية والاعتماد المفرط على الأجهزة الذكية خلقا فجوة كبيرة بين الأجيال، وقللا من التفاعل والتقارب الأسري بصورة واضحة. لذلك فإن هذه التحديات ليست مقتصرة على الوقت الحالي، بل تمتد لتطال مستقبل الأجيال القادمة.

فالأسرة في الإسلام تظل أساس كل المجتمعات التي تتحدد هويتها بها. لذلك لا بد من التفاعل الإيجابي مع التحديات التي تواجهها، إذ إن الأسرة هي الركيزة الأساسية، ونجاحها يعني حماية المجتمع وبناء أجيال قادرة على الابتكار والنهوض في ظل المتغيرات السريعة، من خلال تعزيز الهوية الوطنية، وتقديم الدعم الأسري، وتعزيز القيم، ودعم الأنشطة الثقافية والعائلية.

وخلاصة القول: إن أفضل ما يمكن للفرد أن يبنيه هو أسرة متينة البنيان، متماسكة الأركان، وهي من أولويات الأسس الإسلامية، فالعائلة هي الوطن الأول والبيت الذي نبحث عنه مهما كبرنا.