قرابة العشر سنوات مضت على انتحار (15) طفلا ومراهقا في دولة عربية، خلال ثلاثة أسابيع، لتأثرهم بمسلسل “المحقق كونان”، وعلى انتحار المراهق الروسي “ليونيد همليف” بعد قفزه من أعلى مبني سكني، تأثرا بموت شخصيته المفضلة “إيتاتشي أوتشيها” في أنمي (1)” ناروتو”، كذلك يعد “الأنمى” أحد الأسباب الرئيسية في ظهور مرض “تشونيبيو” Chūnibyō أو “متلازمة الصف الثامن” وهو اضطراب يعاني منه المراهقون اليابانيون في عمر 13 سنة؛ إذ تتملكهم أوهام بامتلاك قوة خارقة، وهذا الشعور المرضي يحجبهم عن المجتمع، كما يتصف سلوكهم بالجنوح والتمرد.
يُعدّ الأنمي الوجه الأكثر شهرة لليابان عالميا، حتى إن الأجيال العربية تعرف مسلسل “كابتن ماجد” أكثر من معرفتها باليابان، وهو نجاح ثقافي كبير حققته اليابان، فهو من وسائل قوتها الناعمة، إذ يُقدم اليابان في صورة إنسانية وإيجابية فريدة، ويقترب كتاب “الأنمي وأثره في الجيل العربي” تأليف “حيدر محمد الكعبي، من “الأنمي” صناعة وتاريخا وتأثيرا، الكتاب صادر عام 2022، في 136 صفحة ، عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية.
قصة الأنمي
الأنمي من الفنون الحديثة في اليابان، إذ يعود تاريخ إنتاجه للعام 1917 م، ونظرا لتكلفته الكبيرة لم يصمد أمام الصناعة الأمريكية والفرنسية في ذات المجال، وأثناء الحرب العالمية الثانية، لجأت اليابان إلى إنتاج أفلامه، لتحفيز جنودها على القتال، ومع انتهاء الحرب شيد اليابانيون استديوهات ضخمة لصناعة الرسوم المتحركة، وأُنتجت أول أفلامها عام 1958، ومع العام 1962 تأسست شركة ضخمة لانتاج الرسوم المتحركة، ووضعت اليابان أقدامها على طريق الانتاج العالمي، من خلال جهود الفنان أوسامو تيزوكا Osamu Tezu.
وفي السبعينيات تطور هذا الفن تطورا كبيرا، ولم يعد موجها للأطفال فقط؛ بل صار مقدما للشباب، وتم إنتاج أول مسلسل شهير، وهو “عدنان” عام 1978، وفي التسعينيات من القرن الماضي تحالفت الكثير من الشركات اليابانية، للنهوض بتلك الصناعة، وفي العام 1997 أُنتج مسلسل “بوكيمون ” Pokém، وحقق نجاحا اسعا، وتم عرضه في مائة دولة، غير هذا النجاح موقف الحكومة اليابانية تجاه الأنمي فدعمت تلك الصناعة رسميا، بعدما استطاع هذا الفن، ترويج صور أكثر إنسانية لليابان، غطت على الفظائع التي ارتكبها اليابانيون في الحرب العالمية الثانية في الصين وفيتنام وإندونيسيا، وتسببت في مقتل أكثر من أربعين مليون شخص، لهذا أسست الحكومة اليابانية بالتعاون مع القطاع الخاص صندوق “كول يابان” لتسويق الهوية الوطنية والقوة الناعمة عبر دعم المنتجات اليابانية عالميا في عدة مجالات استراتيجية، ومن بينها الأنمي، وخصص لتلك المهمة مبلغ سبعمائة مليون دولار، لذا شبهت مجلة “فورين بولسي” اليابان بالقوة الثقافية العظمى، حيث تحقق مبيعات ما يقرب من مليار دولار حول العالم.
وقد لجأت اليابان لعمليات تسويق واسعة للأنمي من خلال إقامة المعارض العالمية والمهرجانات، ووصفت الحكومة اليابانية هذه الصناعة بأنها كنز وطني حي، يحافظ على الثقافة اليابانية، خاصة بعد ترجمتها إلى الكثير من اللغات، وبذلك نجحت اليابان خلال خمسة وأربعين عاما في محو صورتها الوحشية من خلال هذا النوع من الفنون.
قوة الأنمي
تحدث الكتاب عن العناصر الكامنة في هذه الصناعة، والتي كفلت له النجاح ثقافيا وإعلاميا، وكذلك النجاح الاقتصادي، إذ تحقق مبيعات ضخمة، فمثلا تشير احصاءات يابانية أن حجم مبيعاتها في العالم عام 2017 بلغ أكثر من 18 مليار دولار، وتحتل 150 شركة خاصة أكثر من 60% من انتاج هذا الفن في اليابان، وتنتج اليابان سنويا أكثر من 200 مسلسل جديد.
ومن تلك العناصر التي رصدتها الدراسة:
-استخدام معايير مثالية في الجمال، فالأبطال ذوو عيون واسعة وبراقة مشعة بالذكاء.
-المبالغة في الخيال وتجسيد المشاعر، نظرا لأن الخيال المفرط يقدم إشباعا نفسيا كبيرا.
-توظيف أفكار عميقة: فاليابان تهتم بجوانب نفسية وعقلية في هذه الصناعة فهناك مفاهيم عن الخير والشر والاعتقاد والسلوك، وربما هذا ما جذب المراهقين، كما أن هذه الفنون تتفهم نفسيات المراهقين ويخاطبهم بأحلامهم.
-التركيبة العاطفية المؤثرة سواء في الأداء الصوتي المميز، أو الصور الجذابة، أو اختيار الكلمات والموسيقى التصويرية والمؤثرات المختلفة، مع نسج علاقة قوية مع المحتوى، من خلال التركيز على قيم كبرى كالصداقة والتضحية والفداء والشجاعة، ناهيك عن الحضور المتصاعدة للاثارة الجنسية في غالبية الأنمي.
وفي العالم العربي عرضت عدة أفلام مدبلجة من شاكلة هذا الفن خلال العقود الماضية منذ السبعينيات من القرن الماضي، ومن أشهرها مسلسل “جريندايزر” و”الكابن ماجد” و”عدنان ولينا”، ودعمت اليابان الأنمي بعد عام 2001 ، بمئات ملايين الدولارات، واستفادت صناعة الأنمي من قنوات الأطفال خاصة قناة”سيبيس ستون”، حيث قامت القناة بدبلجة الكثير من الأفلام، من أشهرها “المحقق كونان” كما انتشرت أفلام الأنمي المطولة التي تزيد حلقاتها على الـ(400) حلقة وتنافست المواقع الإليكترونية لعرضها، وتشير احصاءات عام 2021 أن (11) دولة عربية من أكثر دول العالم بحثا على الانترنت عن كلمة الأنمي، كما اعتمد الأنمي بعض اللهجات العربية في الدبلجة، وشهدت بعض الدولة العربية اقامة مهرجانات للأنمي، مثل مهرجان إيجي كن Egyco في مصر عام 2014، ومهرحانات أخرى في الامارات، والجزائر والعراق، والسعودية، وظهرت مدونات وصفحات ومواقع عربية تعرض الأنمي وتستقطب الكثير من الزوار.
يحتفي الأنمي بالموروثات الثقافية والدينية اليابانية، ومن بينها الانتحار الذي يعد من الفضائل في الديانة البوذية، فتسجل اليابان ما يقرب من (70) حالة انتحار يوميا، وحسب الاحصاءات الرسمية عام 2021 سُجلت أكثر من 20 ألف حالة انتحار خلال عشرة أشهر، وقد انعكست تلك المسلكيات التي تختص بها الثقافة اليابانية في الأنمي، ولعل المشكلة الكبرى تتمثل في تماهي الأطفال والمراهقين مع شخصيات الأنمي وسعيهم لمحاكاتها، وهو ما قد يضر بالأطفال والمراهقين ويغريهم بارتكاب العنف أو الانتحار.
ومن أضرار الأنمي إشاعة العنف والقسوة بين المراهقين، إذ ترتبط النزعة العدوانية لدى الأطفال والمراهقين بما يشاهدونه من عنف، كما أن كثرة مشاهدة العنف تؤدي إلى تقليل الحساسية تجاه الفعل العنيف، أي أنها تخلق حالة من التبلد في المشاعر تجاه الدماء والقتل ، لذا لم يكن غريبا أن تمنع بعض الدول أفلام الأنمي، فقد منعت روسيا عرض مسلسل بعنوان “مفكرة الموت” بسبب خشيتها أن ينتقل العنف إلى المراهقين الروس، وذلك بعد انتحار فتاة روسية عام 2013، كما حظرت أفلام “أكيرا” و”الهجوم على العمالقة” لتأثيرها على النمو العقلي والأخلاقي للأطفال، أما الصين فمنعت أكثر من (38) عملا يابانيا للأنمي .
لكن مخاطر الأنمي ليست في الأهداف التي تقف خلفه، والغايات التي يستهدفها، ولكن في حالة الفراغ الثقافي التي تهمين على كثير من الأجيال الصاعدة، التي لم تقترب اقترابا واعيا ومنتجا من ثقافتها وفكرها، فأصبحت شرهة للاستهلاك بشتى أنواعه ومن بينه الاستهلاك للمنتجات الثقافية والترفيهية، خاصة الأنمي.
1- الأنمي Anime مفردة مشتقّة من الكلمة الإنجليزية Animation ، التي تعني حرفياً (رسوم متحركة)، وقد تم اختصار كلمة “أنميشن” لتكون “أنمي” من أجل ﺗﻤييز الرسوم المتحركة المُنتجة في اليابان عن تلك المُنتجة في غيرها من البلدان