تتعدد وجوه الإحسان في الإسلام ما بين إحسان بالقلب وإحسان باللسان وإحسان بالجوارح وما بين إحسان للنفس وإحسان للغير، والمسلم مأمور بكل أشكال الإحسان، قال ﷺ «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ”[1]ومن الإحسان الذي له أعظم الأثر في الحياة وبعد الممات، الإحسان بالكلمة أو القول الحسن “وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن” فالكلام الحسن كثير والله سبحانه يأمر عباده أن يختاروا أجمل الألفاظ وأرق الكلمات وألطف التعبيرات.
أمثلة على الإحسان بالكلمة
ومن بين أشكال الإحسان باللسان الثناء على أهل الخير بما فيهم من معروف وفضائل، ومن بين ذلك ثناء النبي ﷺ على الصّديق «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا، لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي»[2].
ويثني على الجماعات التي اتسمت بكريم الأخلاق وجميل الصفات فيمدح الأنصار الذين نصروا الله ورسوله ويقول عنهم: «الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ»[3] لقد وقف هؤلاء موقفا عظيما حين نصروا الله ورسوله وهم يعلمون علم اليقين أنهم يقفون أمام العالم بأسره وفي مقدمته قريش، وأنهم سيدفعون أثمانا ضخمة في مقابل نصرتهم للإسلام، ما هو الجزاء الذي سيأخذونه في مقابل هذه العداوة المكلفة؟ وعد من رسول الله ﷺ صدقوا به تمام التصديق،متى سيتحقق هذا الوعد؟ يعلمون أن ذلك في علم الله، قد يدركون انتصار النبي ﷺ وقد لا يدركونه، هذا الموقف استحقوا به الثناء من رسول الله ﷺ واستحق كل من وقف موقفهم وعمل عملهم وثبت ثباتهم أن ينال هذا الثناء العاطر، كل من علم منهم محبتهم لله ورسوله ونصرهم لله ورسوله وللمؤمنين فأحبهم فإن الله تعالى يحبه، كل من علم منهم أنهم نصروا الله ورسوله وآووا المؤمنين فأبغضهم لذلك أبغضه الله.
وللمرأة نصيبها من الثناء قَالَ رَسُول اللهِ ﷺ : خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ – وَقَالَ الآخَرُ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ – أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ[4]. مدح النبي ﷺ المرأة القرشية وبين ﷺ بم استحقت هذا المدح ؛فهي امرأة يمتلأ قلبها بالحنان على أولادها تربيهم ليكونوا رجالا في الشدة والرخاء وتربي بناتها على العفة ومكارم الأخلاق والوقوف في الشدائد إلى جوار أسرتها، وتراعي مقدرة زوجها المالية فلا تكلفه ما لا يطيق ولا تدفعه إلى الاستدانة وتحسن تدبير موارد الأسرة فلا تسرف ولا تبخل، ترعى أبناءها لو مات زوجها وتتحمل الآم الفقد والحرمان وتدفع الثمن من شبابها وقوتها فلا تتزوج حتى لا تشغل عن رعاية أبنائها وبناتها.
أثر الكلمة الطيبة
مهما كانت مكانة الإنسان فإن الكلمة الطيبة تقع من نفسه موقعها إذا تعرض لما يخيفه أو يحزنه، لما رأى النبي ﷺ جبريل على هيئته التي خلقه الله عليها عظيما خلقه سادا ما بين السماء والأرض يتلألأ جناحاه رجع وفؤاده يرتجف، قالت له السيدة خديجة رضي الله عنها: “كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ[5] فكانت هذه الكلمات الطيبة سببا في هدوء النبي ﷺ، ما أحوج الزوج في المواقف العصيبة إلى حكمة زوجته التي تهون عليه وتبشره وتساعده على تجاوز الشدائد.
وإذا كانت النفوس تحتاج باستمرار إلى التشجيع وإذا كان التشجيع يعمل عمله في تحفيز النفوس نحو العمل مهما كان شاقا ومضنيا فإن عيب التشجيع الذي يختلط بالثناء – عند البعض -هو الشعور بالغرور والمسلم الحق إذا سمع ثناء أو تشجيعا حمد الله على التوفيق وسأله المزيد من فضله.
كلمة طيبة قد تحيي نفسا، ولتكن هذه الحكمة نصب أعيننا:” أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام”، كم من رغبة في العمل قتلت بكلمة :”أنت تحرث في البحر”، كم من موهبة كان من الممكن أن يستفيد العباد والبلاد من خيرها لكنها دفنت، إذا سمعنا الجريمة المنكرة جريمة الوئد تداعى إلى عقولنا ما كان يصنعه أهل الجاهلية قبل الإسلام لكن الوئد، مستمر للمواهب والأفكار والقدرات بكلمة تطفئ شمعة الأمل.
قد تبث كلمة واحدة الشجاعة في نفوس أصابها الوهن، ففي غزوة أحد مر أنس بن النضر على جماعة من الصحابة قد انصرفوا عن الحرب فقال لهم: ما يجلسكم؟! قالوا: قُتل رسول الله ﷺ، فقال:” قوموا فموتوا على ما مات عليه نبيكم”[6]
ولا تعمل الكلمة عملها في النفوس ولا تترك تلك التأثيرات العميقة إلا إذا كانت مفعمة بالعاطفة مليئة بالصدق، فإذا كانت كذلك أصابت هدفها فحركت النفوس إلى العمل مهما كان الجهد المبذول ومهما كانت تكلفته ،حتى الأطفال يستطيعون التمييز بين الكلمات التي تخرج من اللسان والكلمات التي تخرج من القلب.
كلمة تنطق بها تنوي أن تدفع إنسانا إلى الخير، أن تساعده على تجاوز عقبة كلمة تداوي بها جراحه، كلمة تنير بها حياته المظلمة تنشر بها البسمة على وجه مكفهر، كلمة تخرج من القلب محمولة على نية صادقة تصل إلى مبتغاها وإنما الأعمال بالنيات.
عندما تنطق بكلمة توجه إلى الخير وتنزل هذه الكلمة في قلب وتحركه للخير، فلك إن شاء الله أجر عظيم قال ﷺ ولكل امرأ ما نوى.
كم من كلمة قتلت الشعور بالحياة وأصابت من سمعها بالإحباط وساقته إلى اليأس، كم من إنسان أقر بذنبه وجاء باحثا عن طريق التوبة وإذا به يجد من يحول بينه وبين الله بكلمة” هل تظن ان الله يغفر لك” ونسي القائل قول الحق سبحانه { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53] ينبغي على المسلم ألا يستسلم لكلمات الإحباط والتحطيم فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
الفرق بين النقد والقدح
المؤمن كذلك يميز بين النقد الصحيح وإن كان حادا وبين التحطيم ولأصحاب الألسنة الحادة نقول:” النصح ثقيل فاستعيروا له خفة البيان”المسلم هدفه واضح لا تثنيه كلمة غير مسؤلة من هنا او هناك
الكلمات السيئة مع تكرارها تثبت في نفس الطفل وتوجه حياته وتصير معتقدا يحركه، وعندما نصحح لأبنائنا ما وقعوا فيه من أخطاء ينبغي أن نفرق بين قبح الفعل وقبح الفاعل؛ فإذا ضرب الطفل الكبير أخاه الصغير بدلا من توجيه اللوم إلى شخصية الطفل بأنه ولد مزعج يوجه النقد إلى خطأ ضرب الكبير للصغير.
إلى هؤلاء الذين يطلقون كلماتهم الثقيلة التي تقع على القلوب وقع المطارق، إلى هؤلاء الذين يقطّعون النفوس بكلمات تشبه السكاكين إلى هؤلاء الذين يطفئون الأمل بكلمة تعصف بكل جهد، رحم الله رجلا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم [7] ،قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ»[8]