أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي المعروف بأبي شامة، (599 – 665 هـ ، 1202 – 1267 م) مؤرخ، محدث، باحث. أصله من القدس، ومولده في دمشق، وبها منشأه ووفاته. لقب بأبو شامة، لشامة كبيرة فوق حاجبه الأيسر.
ولد سنة تسع وتسعين وخمس مائة في دمشق، قرأ القرآن وله دون العشر، وقرأ القراءات كلها سنة ست عشرة على الشيخ علم الدين السخاوي. وسمع بالإسكندرية من أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز وغيره.
ذكرت التراجم أنه ” حبَّب الله تعالى إليه من صغره حفظ الكتاب العزيز، وطلب العلم، فجعل ذلك همته، فلم يشعر والده به إلا وهو يقول له: ” قد ختمت القرآن حفظاً “، ولم يبلغ العاشرة من عمره، مع إتقانه لحفظه وتلاوته وأدائه على يد أحمد بن كَشَاسب (ت643هـ)، ” وكان في صغره يقرأ القرآن في جامع دمشق ينظر إلى مشايخ العلم كالشيخ فخر الدين أبي منصور ابن عساكر، ويروي طريقه في فتاوى المسلمين، وحاجة الناس إليه، وسماع الحديث النبوي عليه، وهو يمرُّ من مقصورة الصحابة – رضي الله عنهم – إلى تحت قبة النسر لسماع الحديث إلى المدرسة التقوية لإلقاء دروس الفقه، ويرى إقبال الناس عليه، وترددهم إليه، مع حسن سمته، واقتصاده في لباسه، فيستحسن طريقته، ويتمنَّى رتبته في العلم ونشره له وانتفاع الناس بفتاويه، فبلَّغه الله من ذلك فوق ما تمنَّاه .
وعندما بلغ عمره ستة عشر عاماً كان قد أتقن جميع علوم القراءات المشهورة على يد أستاذه علم الدين السخاوي (ت643هـ) تلميذ الشاطبي، وكان لذلك أثر كبير في بناء شخصيته العلميَّة وبخاصة في علوم القراءات والتجويد والرسم والضبط وغيرها من علوم القرآن، ومصنَّفاته خير دليل على ذلك، ثم انتقل – رحمه الله – إلى مدينة الإسكندرية بمصر ودرس فيها علم الحديث على يد الشيخ أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز (ت629هـ) وغيره، ثم أصبحت له عناية كبيرة بعلم الحديث وعلومه، وسمع (الصحيح) من داود بن ملاعب (ت616هـ)، وأحمد بن عبد الله العطار، وسمع (مسند الشّافعي)، و(الدعاء) للمحاملي من الإمام الموفق ابن قدامة (ت620هـ).
وعُرف أبو شامة بكثرة ترحاله طلبا للعلم، فبعد الإسكندرية شد رحاله إلى بيت المقدس، ومكة والمدينة، والمدن الشامية، وزاد عدد شيوخه على الأربعين.
وفي هذه المرحلة أتقن علم الفقه وأصوله وبرع في علوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وغيرها، وبرع في نظم الشعر وإتقان بحوره وقوافيه، وله أشعار ومنظومات أشهرها نظمه المفصل للزمخشري (ت538هـ)، ونظم شيوخ الحافظ البيهقي (ت458هـ)، وله أرجوزة حسنة في العَروض وغير ذلك، واشتهر ببراعته في شرح المنظومات العلمية فمن أشهر أعماله في ذلك ما قام به من شرحه على متن الشاطبية اللامية شرحاً نفيساً فريداً، والشاطبية الرائية العقيلة، وشرح القصائد النبوية للسخاوي في مجلد، ثم قام بالتدريس والإفتاء، وولي مشيخة الإقراء بالتربة الأشرفية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، وقد اشترط الملك الأشرف رحمه الله أمرين اثنين لمن يتولى مشيخة دار الحديث سنة 630 هـ: الأول أن تجتمع في الشيخ علم الرواية، والشرط الثاني: علم الدراية. وتُقدم الرواية على الدراية. وكان أبو شامة الثالث في تولي مشيخة دار الحديث ومن بعده تولى الإمام النووي.
وكان مع كثرة فضائله متواضعاً مطرحاً للتكليف، ربما ركب الحمار بين الدوائر، ولَمَّا تولَّى دار الحديث الأشرفية مكان القاضي عماد الدين عبد الكريم بن القاضي جمال الدين ابن الحرستاني (ت662هـ) بعد موته في تاسع عشرين جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وستمائة، حضر درسه قاضي القضاة شمس الدين ابن خلِّكان (ت681هـ) والأعيان على العادة، وهذا مما يدلُّ على ما بلغه الرجل من المنزلة لدى علماء عصره، وكان رحمه الله حريصاً على نقل هذه العلوم إلى الأجيال التالية، وعلى رأسهم أولاده وغيرهم.
كتب الإمام أبو شامة في أكثر من علم ، وأتقن الفقه، ودرس وأفتى، وبرع في فن العربية. وصنف في القراءات شرحا نفيسا للشاطبية، واختصر تاريخ دمشق مرتين، الأولى في خمسة عشر مجلدا ، والثانية في خمسة مجلدات، وشرح القصائد النبوية للسخاوي في مجلد. وله كتاب ” الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ” وكتاب “الذيل ” عليهما، وكتاب ” شرح الحديث المقتفى في مبعث المصطفى “، وكتاب “ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري” ، وكتاب ” المحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول “، وكتاب ” البسملة ” ، وكتاب “الباعث على إنكار البدع والحوادث “، وكتاب “السواك “، وكتاب ” كشف مال بني عبيد “، وكتاب “الأصول من الأصول “، و “مفردات القراء “، و “مقدمة نحو . ونظم ” المفصل ” للزمخشري و ” شيوخ البيهقي “.
أخذ عنه القراءات: الشيخ شهاب الدين حسين الكفري، والشيخ أحمد اللبان، وزين الدين أبو بكر بن يوسف المزي، وجماعة. وقرأ عليه شرح الشاطبية الشيخ برهان الدين الإسكندراني، والخطيب شرف الدين الفزاري.
توفي في التاسع عشر من رمضان من سنة 665 هـ عن 66 عاماً ودفن بمقابر باب الفراديس بدمشق رحمه الله تعالى.