“أنا البطة السوداء”.. غالباً ما نسمع هذه العبارة من أقرب الناس إلينا أو من أصدقائنا للدلالة على أن هذا الفرد لا يُشبه الأُسرة التي ينتمي إليها ولا يحمل طباعهم. وفي كثير من الأحيان ينتفض على عاداتهم وتقاليدهم. ولكن هذه البطة السوداء رغم المشاكسات الأُسرية والمدّ والجزر في العلاقات مع الأهل أو الإخوة تبقى متمسّكة بعائلتها، تَفزعُ لها عند الشدائد وتفرحُ لها عند الرخاء، وتسعى قدر المُستطاع ألا تُغرّد خارج السرب.
فلماذا يحرص البط الأسود على التمسّك بالأُسرة مُتجاوزاً بذلك التناقض في طريقة التفكير داخل البيت الواحد؟ ولماذا يسعى جاهداً إلى التآلف مع إخوانه من البطّ الأبيض رغم انتشار أصدقائه من اللون نفسه على شبكة العلاقات الاجتماعية الافتراضية، ولماذا يُحاول صاحب العَلامة الفارقة إلى تمضية أوقات أكثر مع أُسرته رغم الاختلاف الجوهري بينه وبينهم في كثير من القضايا الاجتماعية؟
الجواب في جُعبة الأمين العام للأمم المتحدّة الذي دعا – بمناسبة اليوم الدولي للأُسرة 15 مايو – إلى تغيير القواعد القانونية والنواميس الاجتماعية التي تعزز التمييز ضد المستضعفين من أفراد الأسرة (أي البط الأسود) لا سيّما المرأة والطفل، مُناشداً الأُسر إلى الوقوف صفاً واحداً للدفاع عن حقّ المستضعفين داخل الأُسر، من أجل عالم تُصان فيه كرامة الجميع ومن أجل مجتمعات مُتماسكة.
فمهما اختلف لون البط من أبيض وأسود في الأُسرة نفسها يبقى لون الدم واحد: أحمر. هو اللون نفسه والجينات نفسها التي تسري في عروق الأُسرة، وهي التربية نفسها والظروف الاجتماعية والنفسية ذاتها التي أدت إلى تكوين الفرد ونشأته، والتي جعلت من هذا مُنتجاً ومن أخيه مُبدعاً ومن ذاك مجنوناً أو شقّياً. هم أُسرةً واحدة.. يضحكون معاً ويحزنون معاً.. يُعيلون بعضهم بعضاً عند الأزمات.. يدعون الله بصوت واحد عند الأمراض والابتلاءات.. ويزغردون معاً في الأفراح والليالي الملاح.. هذه هي قوانين الطبيعة التي لا يُمكن تغييرها مهما حدث من شروخات في سقف البيت الواحد.
منذ عام 1993 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخامس عشر من مايو يوماً دولياً للأُسرة بقرارها رقم (A/RES/47/237)، ويراد لهذا اليوم أن يعكس الأهمية التي يوليها المجتمع الدولي للأُسرة كالحجر الأساس لمجتمعات قويّة قادرة على مواجهة الآفات الاجتماعية التي تفتك بها كـ:المخدرات، والطلاق، والعقوق، والشذوذ وغيرها..
وفي هذه المناسبة.. احذروا التمييز والإهمال داخل بيوتكم، واحذروا تعليم أطفالكم الالتزام بالأُسرة كواجب اجتماعي قوامه “العيب” و”الحرام” فحسب، جَادلوهم بالتي هي أحسن، وحاوروهم، افتحوا عقولكم على عقولهم.. انصتوا لهم ولأفكارهم..و أَنصفوا طموحاتهم وأحلامهم.. لا تجعلوا في داخلهم ذلك البط الأسود الغريب الحزين الذي يعلمُ أنه لا يُشبهكم.. والذي لا يُريد أن يُشبه آبائه وأجداده مهما افتخر بهم..
لا تقصّوا أجنحتهم كي لا يغرّدوا خارج سربكم.. بل عبّدوا لهم طريق العودة بالحبّ والاحتواء ..فمهما حلّقوا بعيداً سيبتسمون دوماً حين يُناديهم أشقائهم بـ “يا البطة السودا”..وسيهرعون صوبكم في الحُلوة والمُرة.