كثير من الناس لا يعرف عن التأمين الإسلامي إلا اسمه ورسمه، وبعضهم يحكم عليه من خلال تعامله أو تعامل قريب له مع الشركات التي تقدم هذه الخدمة، ويخرج بنتيجة مفادها: أنه لا فرق بين التأمين الإسلامي، والتأمين التقليدي سوى في اللافتة الموضوعة بالشركة.

العجيب أن هؤلاء يتصورون أن الفقهاء الذين أباحوا التأمين الإسلامي وباركوه، فقهاء مغرقون في الشكلية، تستهويهم لافتة (الإسلامي) دون النظر إلى المضمون، بل ويتصور بعضهم أن البله بلغ بالمجامع الفقهية غايته حينما أباحوا التأمين الإسلامي، وحرموا التأمين التجاري، وربما ذهب بعضهم إلى سوء الظن، فحلل الموقف على أن من يبيح التأمين الإسلامي من الفقهاء ؛ إنما هو مرتبط بنفع مادي مع هذه الشركات!

وهذا تسطيح غريب من بعض المسلمين، الذين يجدون الراحة في التحليل البسيط السطحي؛ لأن التحليل العميق يكلفهم بحثا وتعبا يستثقلونهما.

لذلك نود هنا أن نبين تصور الفقهاء للتأمين الإسلامي:

التأمين الإسلامي هو كما صوره الفقهاء المعاصرون: اتفاق أشخاص يتعرضون لأخطار معينة على تلافي الأضرار الناشئة عن هذه الأخطار، وذلك بدفع اشتراكات على أساس الالتزام بالتبرع، ويتكون من ذلك صندوق تأمين له حكم الشخصية الاعتبارية، وله ذمة مالية مستقلة (صندوق) يتم منه التعويض عن الأضرار التي تلحق أحد المشتركين من جراء وقوع الأخطار المؤمن منها، وذلك طبقا للوائح والوثائق.

ويتولى إدارة هذا الصندوق هيئة مختارة من حملة الوثائق، أو تديره شركة مساهمة بأجر تقوم بإدارة أعمال التأمين واستثمار موجودات الصندوق.

فليس في تصور الفقهاء أن تكون هناك شركة تأمين تدير التأمين الإسلامي، بل المستأمنون يتفقون فيما بينهم على دفع اشتراكات معينة؛ لتعويض المصاب منهم بأضرار محددة، ويمكنهم فيما بينهم أن يتولوا إدارة هذه الاشتراكات وتوزيعها حسب المتفق عليه بالعدل.

ولا مانع إذا لم يكونوا قادرين على الإدارة ، أن يأتوا بشركة تأمين تدير لهم هذه الاشتراكات، وتأخذ في المقابل أجرة شهرية، أو نسبة من الأرباح المحققة، على أن تبقى الاشتراكات ملكا للمشتركين لا للشركة، ولا تلتزم الشركة أن  تعوض المتضررين من أموالها، بل هي تنظم تعويض المتضرر من أموال الصندوق المجمعة، وإذا عجز الصندوق فليس للمستأمنين حق عند الشركة.

وهذه الاشتراكات وأرباحها تظل ملكا للمشتركين ولا تئول بحال من الأحوال  إلى الجهة المديرة.

تطور الأمر أن قامت شركات بتقديم هذه الخدمة، وجمع المشتركين، ووضع اللوائح، وحتى هنا لا يوجد إشكال شرعي، والأمر أشبه ما يكون بتنظيم جمعيات الموظفين، يمكن أن يجمع الموظفون بعضهم بعضا، ويمكن أن يقوم شخص بتجميع المشتركين.

أجازت المجامع الفقهية هذا النوع من التأمين، ورأت فيه البديل عن التأمين التجاري المحرم.

ضمانة تحقيق هذه الشروط

اشترطت المجامع والهيئات الشرعية ضمانة لتحقيق هذه الشروط حتى تستحق الشركة المنظمة لقب شركة تأمين إسلامي، هذه الضمانات نوعان :

النوع الأول: أن تنص لائحة الشركة على شروط التأمين الإسلامي المفصلة التي وضعتها هذه الهيئات، ثم لا يضيرها فيما بعد أن تتسمى باسم إسلامي أولا ؟

النوع الثاني: أن يكون لدى هذه الشركات هيئة شرعية تتولى مراقبة  الشروط والتنفيذ، وهذه ضمانة رئيسة.

فإذا وجدنا شركة تأمين، تصف نفسها أنها إسلامية، وتخلو من واحدة من هاتين الضمانتين، فإنها لا تكون إسلامية وفق قرارات المجامع والهيئات التي نظَّرت لشركات التأمين الإسلامي.

معظم شكاوى المتعاملين مع شركات التأمين التي تتسمى إسلامية، تنصب على صعوبة صرف التأمين، والتعسف في بعض الشروط والإجراءات، ونحو ذلك مما لا يؤثر أصلا على طبيعة التعاقد.

واقع شركات التأمين الإسلامية

توجد شهادات فحص من بعض المراقبين الشرعيين لعدد من شركات التأمين التي ترفع اللافتة الإسلامية ، تفيد بأن هذه الشركات لا تستحق الاسم لخلوها من الضمانات السابقة، أو لوقوعها في محاذير تجعل الفرق في مجرد اللافتة.

وسبب هذه الخروقات أن بعض أو أكثر شركات التأمين الإسلامي في بلد ما، تأتي بهيئة شرعية من علماء لا يرون حرمة التأمين التجاري، ومن ثم لا يرون ضرورة ولا فائدة للتأمين الإسلامي، فيبدأ هؤلاء العلماء بتوجيه الشركة فقهيا إلى وجهة التأمين التجاري المحرم، وهذه خيانة للجمهور المتعامل مع هذه الشركات، الذين ما حملهم على التوجه إلى هذه الشركات إلا التأثم من التعامل مع شركات التأمين التجاري المحرم.

غير أن هذه الشركات لا تتكتم على أسماء هيئتها الشرعية ولا تتستر عليهم، فبوسع المتعامل أن يتأكد من أسماء الهيئة الشرعية، وهل هم ممن يحرمون التأمين التجاري أم لا. وهذا القدر من البحث واجب على المتعامل مع الشركة، ولا تبرأ ذمته بمجرد وجود اللافتة وخاصة في هذه الدول التي تمارس هذا العمل المشين !

التكييف الفقهي

التكييف الفقهي في التأمين الإسلامي يقوم على أساس الالتزام بالتبرع  بالأقساط من المشتركين لمصلحتهم.

وأما التأمين التقليدي فتكييفه الفقهي أنه عقد معاوضة مالية يستهدف الربح من التأمين نفسه، أي أن المسـتأمن يدفع القسط في مقابل تعويضه بالضرر وقت حصوله. وهذه المعاوضة حرام؛ لأنها قائمة على الغرر والقمار.

بعض الفقهاء الذين أباحوا التأمين التجاري، رأوا أنه لا وجود لهذا الفرق في التكييف في الواقع حتى مع التزام الشركة بالضمانتين السابقتين، فالأمر عنده  في الشركتين معاوضة مالية، لا تبرع، وعليه فقد رأوا أن التأمين التجاري والتعاوني مباح، وبما أن التجاري مباح فلا حاجة لإنشاء شركات تأمين إسلامي.

ولذلك يقول الدكتور علي القره داغي، وهو من أشد المدافعين عن التأمين الإسلامي:

مهما حاولنا تطويعه، فالتأمين التكافلي ليس من باب التبرع المحض، وأن الهبة بشرن الثواب قد تلاحظ عليها بعض الملاحظات، وأما النهد فهو نظام تعاوني مشترك ينطبق تماماً على التأمين التعاوني في أصله ومبادئه، وأساسه.