التعاون هو عنصر أساسي في بناء مجتمع قوي ومزدهر، لأنه يعزز الروابط الاجتماعية ويسهم في تحقيق التنمية الشاملة فما أهمية التعاون في المجتمع؟ وماهي مسارحه وميادينه؟ وهل هناك معوقات تحد من انتشاره وسيادته بين المجتمعات؟ وهي يختلف التعاون في الإسلام عن غيره؟
التعاون هو أحد المقومات الأساسية لأي مجتمع ناجح، فالإنسان لا يستطيع أن ينجح بمفرده أو أن يقوم بكل المهام المنوطة به دون اللجوء لأحد، فالتعاون شكل أساسي من أشكال تحقيق التوازن الكوني، حيث أنه لا يتم بين البشر فقط بل يحدث التعاون أيضَا بين جميع الكائنات الحية.
وليس التعاون مجرد عمل جماعي مشترك بين الأفراد لتحقيق هدف واحد، فأهمية التعاون تتجاوز ذلك بكثير، حيث أنه يمثل احد الأساسات القوية والرصينة للمجتمعات المستدامة. فهو يساهم في بناء روابط قوية بين الأفراد في المجتمع، ويعزز التفاهم والاحترام المتبادل والقدرة على العمل معا لمصلحة الجميع عندما يتعاون الأفراد، يتم تعزيز العلاقات الاجتماعية وتقليل التوترات والصراعات، ويمكن للتعاون أن يخلق جوا إيجابيا يعم فيه الاستقرار والسلام.
مامعنى التعاون؟
التعاون، بحسب علم الاجتماع، هو آلية تقوم بها المجموعة من المتعضيات تعمل معاً بدافع المنفعة المشتركة. وهو بعكس التنافس الذي تكون فيه المنفعة الشخصية هي الدافع. ويكون التعاون بين متعضيات أصناف نفسها أو مع أصناف أخرى. مثلا، النحلة تتعاون مع الزهرة لصنع العسل ولتخصيب الزهرات الأخرى.
وفي اللغة: العون هو الظَّهير على الأمر، وأعانه على الشَّيء: ساعده، واستعان فلانٌ فلانًا وبه: طلب منه العون. وتعاون القوم: أعان بعضهم بعضًا. والمعْوانُ: الحَسَن المعُونة للنَّاس، أو كثيرها.
والتعاون الإنساني هو ارتباط مجموعة من الأفراد على أساس من الحقوق والالتزامات المتساوية لمواجهة وللتغلب على ما قد يعترضهم من المشاكل الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو القانونية ذات الارتباط الوثيق المباشر بمستوى معيشتهم الاقتصادية والاجتماعية سواء كانوا منتجين أو مستهلكين. وهو تجميع للقوى الاقتصادية الفردية وهو كذلك سلوك إنساني شوهد في مختلف العصور البشرية. وقد كان في الماضي والحاضر وسيلة للدفاع عن الحقوق لمكافحة الظروف الاقتصادية السيئة نتيجة النظم الاقتصادية المختلفة منذ بدء ظهور الثورة الصناعية والتطور التجاري في العالم مما ساعد على ظهور طبقات الإقطاعيين واللبيراليين والاشتراكيين.
لِمَ التعاون؟
الاهتمام بالتعاون كحالة اجتماعية يحقق العديد من الأهداف للمجتمع وللفرد على السواء:
تحقيق الأهداف المشتركة بشكل أكثر فعالية
فعندما يعمل الأفراد معًا، يمكنهم تبادل المعرفة والخبرات والمهارات، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحقيق نتائج أفضل إن التعاون يسمح للأفراد بتجاوز القيود الفردية والاستفادة من التنوع والابتكار والإبداع.
تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية
فعندما يتعاون الأفراد والمؤسسات في المجتمع، يمكنهم تحقيق تقدم حقيقي وتطوير البنية التحتية وتعزيز الخدمات وتحسين جودة الحياة للجميع إن التعاون يسهم في بناء مجتمع عادل ومتوازن.
تعزيز الانتماء والشعور بالانتماء للمجتمع
فعندما يشعر الأفراد بأنهم جزء من مجتمع يدعمهم ويقف بجانبهم، فإنهم يشعرون بالثقة والأمان والرضا إن التعاون يعزز الروح الاجتماعية والمسؤولية المشتركة، ويدفع الأفراد للعمل من أجل تحقيق التغيير الإيجابي.
باختصار، التعاون هو عامل أساسي في بناء مجتمع مترابط وقوي. إنه يعزز العلاقات الاجتماعية، ويساهم في تحقيق الأهداف المشتركة، ويسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويعزز الانتماء للمجتمع. لذا، يجب تعزيز قيمة التعاون وتشجيعه في جميع جوانب الحياة المجتمعية.
صور وفوائد التعاون
هناك صور لا تعد ولا تحصى لأشكال التعاون، ويتعاون الأطفال كما يتعاون الكبار، ويقدمون خدماتهم على قدر طاقتهم وجهدهم، وكل مجهود مهما كان صغيرا يكون نافعا ومفيدا، ومن صور التعاون التي يمكن القيام بها: مساعدة الوالدين والتعاون في تلبية طلبات الأسرة، التعاون في المحافظة على البيئة والمرافق العامة، الاشتراك في الجمعيات التعاونية التي تخدم المجتمع وتقدم لهم العون، إعانة المحتاجين ومساعدة الفقراء ونشر ثقافة التعاون للقضاء على الفقر والآفات الاجتكاعية.
ومن فوائد التعاون:
ازدياد الروابط الأخوية، وإنجاز الأعمال في وقت قياسي وفي صورة جيدة. وتنظيم الجهد، فبدلا من أن يتحمل فرد واحد مسؤولية إنجاز عمل ما، فإنه يوزع على آخرين لإنجازه، وهذا يعنى مجهودا أقل ووقتا أقل. إظهار القوة والتماسك، فالمتعاونون يصعب هزيمتهم، مثلهم مثل العصا يمكن كسرها إن كانت واحدة، ويصعب كسر مجموعة من العصى المترابطة.
نيل رضا الله، لأن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. كما أن يد الله مع الجماعة: فالله يكون معهم، وما دام الله معهم فلن يخسروا، ويكون النجاح حليفهم. والقضاء على الأنانية وحب الذات، حيث يقدم كل إنسان ما عنده ويبذله للآخر عن حب وإيمان.
التعاون في الإسلام
التعاون هو أحد القيم التي حثنا الله تعالى عليها في كتابه الكريم كما حثنا عليها الرسول ﷺ في سنته المباركة. وقد جاءت نصوص الشَّريعة بالخطاب الجماعي، فقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ” وردت (89) مرَّة، وقوله: “أَيُّهَا النَّاسُ” عشرين مرَّة، وقوله: “بَنِي آدَمَ” خمس مرَّات، دلالة على أهمية الاجتماع والتَّعاون والتَّكامل. و التَّعاون في الاصطلاح هو: (المساعدة على الحقِّ ابتغاء الأجر مِن الله سبحانه).
التعاون في القرآن الكريم
أمر الله تعالى المؤمنين بالتعاون وحثهم على ذلك، فقال: “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (المائدة – 2). وقال الله ايضًا: “قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا” (الكهف – 95). وأيضًا: “وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ” (طه – 29 – 32).
وقال ابن كثير في تفسيره: (يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البرُّ، وترك المنكرات وهو التَّقوى، وينهاهم عن التَّناصر على الباطل، والتَّعاون على المآثم والمحارم).
وقال القرطبي: “هو أمرٌ لجميع الخَلْق بالتَّعاون على البرِّ والتَّقوى، أي ليُعن بعضكم بعضًا، وتحاثُّوا على ما أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عمَّا نهى الله عنه وامتنعوا منه، وهذا موافقٌ لما رُوِي عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قال: “الدَّالُّ على الخير كفاعله.
وقال الماورديُّ: “ندب الله سبحانه إلى التَّعاون بالبرِّ، وقرنه بالتَّقوى له؛ لأنَّ في التَّقوى رضا الله تعالى، وفي البرِّ رضا النَّاس، ومَن جمع بين رضا الله تعالى ورضا النَّاس فقد تمَّت سعادته، وعمَّت نعمته”.
التعاون في السنة النبوية
حثَّ النَّبيُّ ﷺ على التَّعاون ودعا إليه، فقال: “مَن كان معه فضل ظهر، فليعد به على مَن لا ظهر له، ومَن كان له فضلٌ مِن زاد فليعد به على مَن لا زاد له”.
وشبَّه عليه الصلاة والسلام المؤمنين في اتِّحادهم وتعاونهم بالجسد الواحد، فقال: “مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى”.
وقال ﷺ: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا”. يقول ابن الجوزي عن هذا الحديث: (ظاهره الإخبار، ومعناه الأمر، وهو تحريضٌ على التَّعاون) – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “مَن نفَّس عن مؤمن كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيا نفَّس الله عنه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يوم القيامة، ومَن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدُّنْيا والآخرة، ومَن ستر مسلمًا ستره الله في الدُّنْيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه…
قال ابن دقيق العيد: “هذا الحديث عظيم جامع لأنواعٍ مِن العلوم والقواعد والآداب، فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما يتيسَّر مِن عِلْم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك. وقال ابن حجر “في الحديث حضٌّ على التَّعاون وحسن التَّعاشر والألفة. وقال ﷺ: “يد الله مع الجماعة”.
كما حثَّ عليه الصلاة والسلام على معونة الخدم ومساعدتهم، فقال: “ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم فأعينوهم”.
أنواع التعاون وميادينه
ينقسم التعاون إلى نوعين:
- التعاون على البرِّ والتَّقوى.
- التعاون على الإثم والعدوان.
قال ابن تيمية: “فإنَّ التعاون نوعان: الأوَّل: تعاونٌ على البرِّ والتَّقوى: مِن الجهاد وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وإعطاء المستحقِّين، فهذا ممَّا أمر الله به ورسوله. ومَن أمسك عنه خشية أن يكون مِن أعوان الظَّلمة فقد ترك فرضًا على الأعيان، أو على الكفاية متوهِّمًا أنَّه متورِّعٌ. وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع، إذ كلٌّ منهما كفٌّ وإمساكٌ.
والثَّاني: تعاونٌ على الإثم والعدوان، كالإعانة على دمٍ معصومٍ، أو أخذ مالٍ معصومٍ، أو ضرب مَن لا يستحقُّ الضَّرب، ونحو ذلك؛ فهذا الذي حرَّمه الله ورسوله. نعم، إذا كانت الأموال قد أُخِذَت بغير حقٍّ، وقد تعذَّر ردُّها إلى أصحابها، ككثيرٍ مِن الأموال السُّلطانيَّة؛ فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثُّغور، ونفقة المقاتلة، ونحو ذلك: مِن الإعانة على البرِّ والتَّقوى”.
أما ميادين التعاون فكثيرة ومتعددة، فالصَّلوات الخمس جماعة وجمعة، وصلاة العيدين وآدابهما، والحج بشعائره، وعقد النكاح بوليمته وآدابه، وعقيقة المولود، وإجابة الدَّعوى حتى للصَّائم، كلُّها مناشط عباديَّة اجتماعيَّة تعاونيَّة، ولا تكون صورتها الشَّرعية إلَّا كذلك.
وينضمُّ إلى اجتماع الأعياد اجتماع الشدائد والكرب في صلوات الاستسقاء والكسوف والجنازة. إنَّه انتظام عجيب بين أهل الإسلام في مواطن السُّرور والحزن، ناهيك بصورة الأخوَّة، ومبدأ الشُّورى، وحقوق المسلمين فيما بينهم، في القربى والجوار والضَّيف وابن السَّبيل واليتامى والمساكين، مع ما يحيط بذلك مِن سياج الآداب الاجتماعيَّة؛ مِن إفشاء السَّلام، وفسح المجالس.
وثمَّة صورٌ مِن المعاونات في كفِّ الظُّلم، ونصرة المظلوم، ودفع الصَّائل بسلاح أو مال. بل هل يقوم الجهاد، وتُقام الحدود، وتُستوفى الحقوق، ويقوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلَّا بالتَّعاون والتآزر.
وهناك التَّعاون بالرَّأي، بما يدلُّ على الحقِّ، ويخرج مِن الحيرة، وينقذ مِن المأزق والهلكة، في النَّصيحة والمشاورة، وقد يكون تعاونًا بالجاه؛ مِن الشَّفاعة لذي الحاجة عند من يملك قضاءها.
موانع و معوقات التعاون
لعل أكثر أمر يدرج في خانة موانع التعاون ومعوقاته هو الأنانيَّة وعدم حبِّ الخير للآخرين وتنافس الأفراد، محبة الصَّدارة والزَّعامة وغيرها مِن حظوظ النَّفس، الكَسَل، الحسد للآخرين، تعذُّر الفرد بانشغاله وكثرة أعماله، التَّعصُّب والتحزُّب واتِّباع الأوهام والشُّكوك في مدى جدوى هذا التعاون والاستفادة منه، سوء الظَّن بالآخرين، الكبر على الآخرين، وتوهُّم الفرد أنَّه أعظم مِن غيره.
أقوال في التعاون
- إما يتعلم البشر كيف يعيشون كالأخوة أو يموتون كالبهائم. – ماكس ليرنر
- الأمر الوحيد الذي سيحرر البشرية هو التعاون. – بيرتراند روسيل
- من يفعل الخير لغيره يفعله لنفسه أيضاً. – سينيكا
- لم نأتِ إلى هذا العالم من أجل أنفسنا، بل كل منا هنا من أجل الآخر. – جيف وارنر
- يمكن للقوة فقط أن تتعاون، أما الضعف فلا يسعه إلا أن يتوسل -دوايت د. آيزنهاور
- لست رجلاً ناجحاً بذاتي، لا يسعني نسيان أولئك الذين ضحوا من أجلي لأكون ما أنا عليه – آلان جيسي هيل
- غاية الحياة الإنسانية خدمة الآخرين والتعاطف معهم والرغبة في مساعدتهم- ألبرت شفايتزر