لا يخلو أي مجتمع من المجتمعات البشرية من مشاكل تزعزع بنيانه وباستفحالها قد تعمل على تقويض أركانه، وكلما ازداد وعي المجتمع بخطورة المشاكل التي تحيط به كان علاجه لها أسرع وأنجع.
والمجتمع ما هو إلا مجموعة من الأسر والبيوتات التي “يجاور بعضها بعضًا، ويأخذ بعضها من أخلاق وعادات وطباع البعض الآخر، وهذا بحكم العيشة المشتركة”([1]).
وإذا كانت الأسرة هي نواة المجتمع ولبنته الأولى، فإنها “تُعد صورة مصغرة لهذا المجتمع، فترابطها دليل على ترابطه، وتفككها ينعكس على تفككه، وكذا انحلالها ومدى تمسكها بالقيم، ودرجتها من العلم، ونصيبها من السلوك الراقي المتحضر، ودرجة المودة والتفاهم التي تسري بين أفرادها… كل ذلك ينعكس على المجتمع سلبًا وإيجابًا”([2]).
ومن المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا في هذا العصر الحديث مشكلة العنوسة، حيث “أصبحت العنوسة شبحًا يهدد الأسرة العربية؛ فقد حيث أشارت دراسة حديثة إلى أن ثلث عدد الفتيات في الدول العربية بلغن سن الثلاثين دون زواج.
ففي السعودية أكَّدت إحصائية صادرة من وزارة التخطيط أن ظاهرة العنوسة امتدت لتشمل حوالي ثلث عدد الفتيات السعوديات اللاتي في سن الزواج.
ووفقًا لدراسة نُشرت في الإمارات فإن عدد العوانس قد وصل إلى 68٪ ممن هنّ في سن الزواج.
وكشفت دراسة حديثة أن 35٪ من الفتيات في كلٍّ من: الكويت وقطر والبحرين بلغن مرحلة العنوسة.
وانخفضت هذه النسبة في كلٍّ من: اليمن وليبيا لتصل إلى 30٪، بينما بلغت 20٪ في كلٍّ من: السودان والصومال، و10٪ في سلطنة عُمان والمغرب، وكانت أعلى نسبة قد تحققت في العراق إذ وصلت إلى 85٪.
أما في مصر فقد كشفت الدراسة التي أجراها مركز الدراسات الاجتماعية إلى وجود 9 ملايين فتاة فاتهن قطار الزواج”([3]).
وتنضم إلى مشكلة العنوسة قضية أخرى تزيد من احتمالية تفجّر الأوضاع إلى ما لا يُحمد عقباه، هذه القضية هي ارتفاع حالات الطلاق؛ ففي مصر مثلاً بلغت حالات الطلاق في عام 1998 71.792 ألف حالة، “وظل الرقم يتزايد حتى وصل إلى 198.269 ألف حالة خلال عام 2017، بدون قضايا الطلاق التي لم تحسم حتى الآن في محاكم الأسرة”([4]).
وتشترك الجزائر مع مصر في ارتفاع نسب الطلاق بين الأزواج؛ ففي عام 2017م ارتفعت معدلات الطلاق مقارنة بالسنوات الماضية، “وهو ما اعتبره مسؤولون وباحثون مؤشرًا على تحول اجتماعي كبير في طبيعة الأسرة الجزائرية.
وكشف تقرير قدمه وزير العدل الطيب لوح في البرلمان أن المحاكم الجزائرية سجلت أكثر من 68 ألف حالة طلاق خلال سنة 2017، مقارنة بنحو 349 ألف زواج، لتمثل حالات الطلاق نسبة 20 في المائة من مجموع حالات الزواج المسجلة.
ووصف الوزير هذه الأرقام بأنها: زلزال يهدد كيان الأسرة الجزائرية، ويخلف آثارًا سلبية في المجتمع والعائلة”([5]).
وليست المشكلة في الطلاق؛ فالطلاق من المفروض أن يكون حلاًّ للمشاكل والمعضلات، وليس بداية لها بين الأزواج والعائلات، وكان أمر الزواج والطلاق في العرب الأوائل سهلاً لا معضلة فيه؛ حتى إن الإمام الذهبي -رحمه الله- قد وصف الإمام الحسن -عليه السلام- بأنه كان مطلاقًا فقال: “كان هذا الإمام سيدًا، وسيمًا، جميلاً، عاقلاً، رزينًا، جوادًا، ممدحًا، خيرًا، دينًا، ورعًا، محتشمًا، كبير الشأن.
وكان منكحًا، مطلاقًا، تزوج نحوًا من سبعين امرأة، وقلما كان يفارقه أربع ضرائر.
عن جعفر الصادق، أن عليًّا قال: يا أهل الكوفة! لا تزوجوا الحسن؛ فإنه مطلاق.
فقال رجل: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق”([6]).
لكن أمر الطلاق حاليًا أصبح عبئًا على الطرفين:
عبء على الزوج الذي يرى أنه خسر الكثير من الأموال، وأنه من الصعب عليه أن يؤسس بيتًا من جديد.
لكنه -في الغالب- على المرأة أشد؛ إذ يبدو كأن المجتمع يعاقبها على طلاقها حتى وإن كانت المظلومة؛ فينبذها، وينظر إليها نظرة ازدراء، حتى يصل الأمر إلى ابتعاد صاحبات المطلقة عنها؛ خوفًا على أنفسهن من سوء السمعة، بل وتشعر المطلقة بأنها ثقيلة في دار أبيها، ويزداد هذا الشعور إن بدر من أبويها شيء من الغضب أو الضيق تجاه أبنائها، فتتحسس من كل نظرة وكلمة.
فالرجل -رغم الخسارة المادية- يستطيع أن يكوّن أسرة جديدة، لكن المرأة المطلقة يظل ماضيها مطاردًا لها، ولا يُقدم الكثير من الراغبين في الزواج من الزواج بمطلقة.
وما يحدث مع المطلقة يحدث مع الأرملة؛ إذ يضغط عليها المجتمع بأن تهتم بتربية أولادها، وأن تبقى وفية لزوجها المتوفى، وتعيش ما تبقّى لها من عمر -طال أو قصر- على ذكراه.
على العكس من الرجل الذي تتوفى زوجته؛ إذ يدفعه كل من حوله إلى الزواج بأخرى، وألا يبقى وحيدًا بلا زوجة، وأن يأتي بزوجة يأنس بها، ويأوي إليها، وتقوم على تربية أولاده.
وهذا الظلم المجتمعي للمرأة المتوفى عنها زوجها يظهر بوضوح في الإحصائيات؛ فقد أشارت نتائج تعداد سكان مصر لعام 2017 “إلى أن 10.7٪ من الإناث في مصر أرامل، مقابل 2.3٪ للذكور، و 1.7٪ منهن مطلقات، مقابل 0.9٪ للذكور”([7]).
ومما سبق نرى أن التعدد ضرورة مجتمعية فضلاً عن كونه سنة نبوية؛ لأنه يحل هذه المشكلات التي تنخر في بنية المجتمع وأساسه.
لكن الهجمة الغربية، ومحاولات طمس الهوية، وتشربنا لبعض أفكار الغرب جعل المجتمعات -وخصوصًا الحضرية منها- لا تتقبل فكرة التعدد، وظهرت الأمثلة المنفرة التي تشوه صورة من يقوم بالتعدد، فمثلاً هناك بعض الأمثال التي تقول: (زوج الاثنتين ذو وجهين)، و(الذي يعدد إما قادر أو فاجر)، وما أشنعها من صفة أن يُتهم الذي يعدد بأنه فاجر.
وأخذ الإعلام يدعو لفكرة تعدد الخلائل لا تعدد الحلائل، أي يكون للرجل زوجة واحدة وقد يخون زوجته مع نساء أخريات ولا ضير في ذلك.
ثم إن بعض النساء من باب الغيرة الشديدة والأنانية المفرطة أصبحن يحاربن أزواجهن في الفكرة ذاتها؛ حتى لا يفكر يومًا في تطبيقها عمليًّا.
ويأتي بعض الرجال فلا يقبل بالزواج من كبيرة السن، أو المطلقة، أو ذات الولد، ويريد أن يتزوج ببكر صغيرة، أو يظن بعضهم أن التعدد هو من باب النزوة والشهوة، وهذه الزيجات لا تدوم ولا تستمر.
فالزواج يكون للإعفاف والستر وتكوين الأسر، لا للنزوة والشهوة.
وعلى الجميع أن يتنازل عن بعض حقوقه حتى تسير سفينة المجتمع وتبحر بسلام، وإلا غرقت سفينة المجتمع وخسر الجميع.
([1]) د. عماد علي عبد السميع: الأصولية الإسلامية والأصوليات الدينية الأخرى، ص(74-75).
([2]) د. إسماعيل عبد الفتاح وسامية عبد الغني: المرأة العربية ومشكلاتها الاجتماعية، ص(9).
([3]) السابق، ص(254) باختصار.
([4]) موقع اليوم السابع.
([5]) موقع العربي الجديد.
([6]) سير أعلام النبلاء، (3/253).
([7]) موقع اليوم السابع.