هناك العديد من الظروف التي تحتم على العائلات ضرورة التعليم في البيت، ذلك أن احتمالات تحويل البيت إلى مدرسة أمر وارد كأحد الحلول لمواجهة أزمات طارئة مثل انتشار فيروس كورونا، أو حتى في حالات خاصة كانتقال عائلة من بلد بلد آخر وسط العام الدراسي.

منذ عدة سنوات اضطرت سيدة للسفر بأولادها إلى زوجها بإحدى البلاد العربية في منتصف العام الدراسي، الأمر الذي أدى إلى عدم تمكنهما -هي وزوجها- من إلحاق الأولاد الثلاثة بأي مدارس هناك، وكان على الأولاد أداء الاختبار بسفارة بلدهم آخر العام، ولم يكن أمامها آنذاك إلا أن تعتمد التعليم في البيت وتقيم مدرستها بنفسها في البيت.

تجربة هذه العائلة في تعليم أبنائها في البيت مرت بعدد من المراحل، سنبلورها في السطور التالية:

تهيئة واستعداد

أولى هذه المراحل التهيئة والاستعداد، وأقصد بها الاستعداد المادي (المحسوس) والاستعداد النفسي لكل من الآباء والأولاد على حد سواء، فلابد أن يستعد الوالدان أولا ويتناقشا حول هذا المشروع قبل الحديث مع أبنائهما، بحيث يتفقا معا على عدة أمور، منها:

  • كيف أن التعليم أو التدريس لأبنائهما بالبيت سيحدث بعض التغييرات في نظام حياتهما.
  • التنبؤ ببعض العوائق والمشكلات التي تنجم عن هذا الأمر وكيف يمكن التعامل معها.
  • كيف سيقسمان شرح المواد بينهما.
  • الاطلاع على مناهج الأبناء.
  • تحديد أوقات التعلم، ومن الضروري تثبيت هذا الأوقات يوميا.
  • تحديد أين ستتم عملية التدريس بالبيت.. إلى جانب بعض الأمور الأخرى والتي ستتضح أكثر أثناء عملية التخطيط.

بعد هذه الجلسة المبدئية بين الوالدين على انفراد، يجتمع الوالدان مع أولادهما لتهيئتهم لعملية التعليم بالبيت، وليتم الاتفاق بعد المشاورة بينهم في النقاط السابقة والتالية.

ثم بعد ذلك العمل على تهيئة المكان وتنظيمه، فقد يحتاج الأمر إلى تعديل بسيط في وضع الأثاث، وتعليق بعض اللوحات أو جدول بالأوقات المختلفة لكل مادة، وذلك بالطبع بمساعدة الأبناء في جو يسوده المرح.

تخطيط ناجح

وثاني هذه الخطوات التخطيط الجيد لعملية التعلم في البيت، فعلى الوالدين أن يخططا مع الأبناء لعملية التعليم حتى تتم بنجاح، ومن الأمور التي ينبغي أن توضع في الاعتبار عند التخطيط:

  • كيف ستتم عملية شرح الدروس، وما دور كل من الوالدين في هذه العملية.
  • تحديد المواد السهلة اليسيرة التي يمكن أن يذاكرها الأولاد بمفردهم وتشجيعهم على القيام بذلك بمفردهم، مع الحرص على متابعة إنجازاتهم في هذه المواد.
  • الاتفاق على تنظيم أوقات اليوم كاملا مع الأبناء، مع تحديد أوقات الدراسة بدقة ووضوح.
  • ينبغي وضع جدولا زمنيا للانتهاء من مذاكرة كل مادة.
  • تحديد كيفية الاستفادة من مصادر تعليمية أخرى مثل: البرامج التعليمية بالتلفاز، الأسطوانات التعليمية، البحث على الإنترنت، الكتب الخارجية، مراجع وكتب أخرى… إلخ.
  • الاتفاق على أساليب التقويم (الاختبارات) وكيف ستتم.
  • متى وكيف سيمارس الأطفال الأنشطة الأخرى مثل: اللعب، الرسم، مشاهدة التلفاز، ممارسة الرياضة، التنزه، أداء الواجبات…إلخ.
  • كيف سيوفق كل من الوالدين بين مهمة الشرح والتدريس وبين أدوارهما الأخرى في الحياة.

عوائق وحلول

وثالث مرحلة هي تطبيق وتنفيذ كل ما سبق، مع مراعاة أن هناك عددًا من العوائق سيواجه الآباء والأبناء عند التنفيذ، ومن هذه العوائق:

  • رفض الأولاد فكرة التعليم بالبيت

قد يرفض الأبناء فكرة التعليم في البيت أو على الأقل قد تحدث مراوغة منهم في تطبيق الفكرة، ويمكن التغلب على ذلك بأن يجلس الأبوان مع الأبناء ويبديا استعدادهما لسماع أي اقتراحات أخرى، فربما يكون لدى الأبناء أفكار أفضل.

ولكن إذا وجدا أن الاقتراحات عبارة عن مساومة أو مراوغة، فلابد أن يوضحا للأبناء عاقبة رفضهم الالتزام بالفكرة، وأنهم ربما يتعرضون لأي مفاجآت كتقديم أوقات الاختبارات وأنهم سينتقلون إلى مرحلة تالية (سواء الفصل الدراسي الثاني أو العام الذي يليه) وهم لم يستوعبوا منهج الفترة التي اضطروا فيها للمكوث بالبيت وما يتبع ذلك من تأثير سلبي على مستواهم الدراسي، إلى جانب أن ذلك سيؤثر سلبا على ممارسة الأنشطة الأخرى التي يمكن أن يقوموا بها من لعب وممارسة رياضة وتنزه وتسوق وغير ذلك.

  • ملل الأولاد من هذا النظام

قد يمل الأبناء من نظام التعليم بالبيت ويحدث تذمر واضح، وربما يسمع الوالدان من الأبناء: “يعني إحنا ما صدقنا إن المدارس اتأجلت أو اتلغت نقوم نلاقي البيت بقى مدرسة”، بالطبع يمكن أن يمل الأبناء هذا النظام في حالة واحدة فقط إذا كان النظام سقيما مملا لا يوجد به إلا المذاكرة فقط أو الصراخ من أجل إتمام الواجبات أو الصراعات الدائمة التي لا تنتهي بسبب المذاكرة.

لكن الأمر سيكون ممتعا إذا ما تم أداؤه في جو من المرح، وبعيدا عن التوتر، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة  لممارسة الأنشطة الممتعة لهم خلال اليوم.

  • تعليم أكثر من طفل في آن واحد

من العوائق التي قد تواجه الوالدين في التعليم المنزلي هي التدريس لأكثر من ابن في آن واحد، ويمكن التغلب على ذلك بأن يترك الطفل يذاكر بعض المواد التي يستطيع مذاكرتها بمفرده ودون مساعدة؛ وذلك إما لسهولة هذه المواد أو لأنه ماهر بها، وبالتالي لا يكون الشرح إلا في الدروس أو المواد الصعبة التي تقف أمامه، وهذا يعطي الفرصة لمن يقوم بالتدريس من الوالدين بأن يذاكر لأكثر من ابن في وقت واحد.

  • ضيق وقت الوالدين

أما عن ضيق وقت الوالدين وصعوبة الموازنة بين دورهما الطبيعي من عمل وإدارة شئون البيت وبين التدريس أو التعليم للأبناء، فإن مشاركة الأبناء بل الأسرة جميعا في إدارة المنزل سيعطي إحساسا رائعا بالتقارب والرغبة في الإنجاز السريع حتى يقوموا بعمل الأنشطة التي هي عبارة عن اللعب والتنزه والتسوق والرحلات.

وأما بالنسبة لعمل الأب، فيمكن أن يدرس لأبنائه بعد عودته من عمله وخلوده للراحة فترة مناسبة تسمح له بعدها أن يشرح للأبناء ما صعب عليهم من دروس.

  • صعوبة بعض المواد الدراسية على الوالدين

بالنسبة لصعوبة بعض المواد على الوالدين أنفسهم فإن البرامج التعليمية والكتب الخارجية والأسطوانات التعليمية والبحث على الإنترنت أو مساعدة أحد الأقارب أو المعارف المتخصصين في المجال يمكن أن يحل هذه المشكلة.

  • صعوبة وضع الاختبارات

وعن صعوبة وضع الاختبارات، فيمكن أن يستعين الوالدان بالكتب الخارجية أو يضعان هما الاختبارات التي تقيس عدة مهارات عند الطفل وليس الحفظ فقط، كما يمكن أن يكون التقويم (الاختبارات) عن طريق شيء عملي مثل: كتابة بحث أو أداء تجربة عملية، أو تصنيع شيء يدوي، ومن الأفكار الطريفة في ذلك أن تطلب الأم مثلا من الأبناء توقيع ولي الأمر (الأب) على نتيجة الاختبار، فهذا يشعر الأبناء بالجدية.

  • كثرة شجار الأبناء

أما الشجار بين الأبناء نتيجة طول فترة تواجدهم معا بالبيت، فهذا أيضا يمكن أن يحدث لو كان هناك وقت فراغ، ولأن في حالتنا هذه يكون اليوم مزدحما بالعمل والإنجاز، فهو لا يسمح كثيرا بالمشاجرات.

  • عدم جدية الأبناء

أما عدم جدية الأبناء في التعليم بالبيت، والتي قد تنشأ كنتيجة لأن الوالدين هما من يقوم بعملية التدريس وهما أقرب الناس وأحناهم عليهم، فهذا أيضا يحسمه حزم الوالدين دون إفراط ولا تفريط، وإلى أي حد هما جادين في تنفيذ هذا المشروع، وحينما يرى الأبناء هذا الإصرار وهذا الحزم سيكفون عن التلاعب وعدم الجدية والمراوغة أو على الأقل ستكون هذه الأمور في حجمها الطبيعي المحتمل.


عزة تهامي