شكلت البنوك الإسلامية في عالمنا اليوم خيارا إستراتيجيا مهما ينبع من العمق الروحي للأمة ويعتبر هذا الخيار إضافة نوعية  في مجال المالية ، حيث منحت هذه البنوك فرصة ذهبية للمستثمرين الذي يرغبون في استثمار أموالهم بطريقة موافقة للشريعة بعيدا من الربا والغرر.

لقد ساهمت البنوك الإسلامية المعاصرة  في تطوير المنظومة المالية في الكثير من بلدان العالم الإسلامي ، وشكلت بتجربتها الرائدة ملاذا آمنا وبديلا مشجعا عن نظام البنوك الربوية. فبنظرة على الإحصاءات الحديثة للبنوك الإسلامية نلاحظ مدى تطور وتوسع و انتشار هذه البنوك ففي العالم اليوم يوجد أكثر من 600 مؤسسة مالية إسلامية تنتشر في حوالي 75 دولة وتشمل هذه المؤسسات ، بنوك ، مؤسسات تكافل ، مؤسسات تأمين ، سوق الأوراق المالية.

لم يعد تبني نظام المالية الإسلامي حكرا على الدول الإسلامية فقط بل شمل تبني هذا النظام دول أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا حيث لجأت البنوك في مختلف هذه الدول إلى فتح نوافذ للمعاملات الإسلامية بل ذهبت إلى أبعد من ذالك حيث أصدرت بعض هذه البنوك صكوك إسلامية لتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة.


التنافسية والبنوك الإسلامية 

إن الانتشار السريع والنجاحات التي حققتها البنوك الإسلامية على أرض الواقع جعلها عرضة لمنافسة قوية من البنوك الربوية وعلى كافة الأصعدة ، سواء تعلق الأمر بتحسين الخدمات ، دراسة سلوك الزبناء أو بالاستفادة من الابتكارات التكنولوجية الحديثة واستخدامها لزيادة كفاءة الخدمات وتسهيلها وتحسينها.

ومع هذا التطور السريع في انتشار البنوك الإسلامية وتطور خدماتها فإن الاهتمام بالابتكارات
التكنولوجية الحديثة في مجال المالية ومواكبتها يعتبر أحد أهم مفاتيح تطوير عمل هذه البنوك و تحسين قوتها التنافسية و زيادة كفاءتها وقدرتها في سوق عالمي شديد التنافس.

شهد قطاع التكنولوجيا المالية أو ما يعرف بـ ( Financial Technology ) نموا سريعاً على المستوى العالمي فما بين سنة 2011 و 2015 وصل مجموع الاستثمارات في هذا القطاع 15.5 مليار دولار.

وشهد الإقبال على منتجات هذا القطاع زخما كبيرا من قبل البنوك والمؤسسات المالية العالمية بشقيها الإسلامي والتقليدي خاصة في آسيا الولايات المتحدة الأميركية  دول الخليج العربي.

فماذا عن التكنولوجيا المالية  FinTech ؟

التكنولوجيا المالية Financial Technology 

حسب معهد البحوث الرقمية في العاصمة البولندية دبلن فإن التكنولوجيا المالية هي عبارة عن الاختراعات والابتكارات التكنولوجية الحديثة في مجال قطاع المالية ،و تشمل هذه الاختراعات مجموعة البرامج الرقمية التى تستخدم في العمليات المالية للبنوك والتي من ضمنها :المعاملات مع الزبائن والخدمات المالية مثل تحويل الأموال وتبديل العملات وحسابات نسب الفائدة والأرباح ومعرفة الأرباح المتوقعة للاستثمارات و غير ذالك من العمليات المصرفية.


التكنولوجيا المالية في أوروبا 

وصلت قيمة الاستثمارات في مؤسسات التكنولوجيا المالية ( FinTech ) قيمة 1.5 مليار دولار أميركي في أوربا خلال سنة 2014  حيث حققت الشركات البريطانية العاملة في هذا المجال ( London-based companies ) قيمة 536  مليون دولار من هذه الاستثمارات وحققت هذه الشركات في هولندا ( Amsterdam-based companies ) قيمة 306 مليون دولار وفي السويد وصلت قيمة  الاستثمارات في هذه الشركات (Stockholm-based companies  ) إلي 266 مليون دولار  توحي زيادة الاستثمارات في هذا المجال على الأهمية  و الإقبال الكبيرين على الابتكارات التكنولوجية في مجال المالية.

التكنولوجيا المالية في آسيا المحيط الهادي 

وصلت قيمة الاستثمارات في مؤسسات التكنولوجيا المالية ( FinTech ) في آسيا ما يقارب 3,5 مليون دولار خلال الشهر التاسع من سنة 2015. وارتفع قيمة هذه الاستثمارات بشكر كبير من 880 مليون دولار 2014 إلى 3.5 مليار دولار في الشهر التاسع من 2015. وتشهد شركات التكنولوجيا المالية انتشار واسعاً وتطور سريع في هذه الدول ومن بين البرامج الرقمية المتطورة والتي تنتشر في هونغ كونغ والصين ( WeLab ) والتي حجزت المرتبة الثانية عالميا في بيع منتجات التكنولوجيا المالية كذالك أطلقت سنغافورة سنة 2015 برنامج لتطوير الابتكارات التكنولوجية في مجال المالية وأطلقت عليه

( FinTech and Information Group ).

التكنولوجيا المالية والبنوك الإسلامية 

ماليزيا ، أندنوسيا ، تركيا و دول التعاون الخليجي من دول العالم الاسلامي التي أهتمت بالإستفادة من التكنلوجيا المالية في تطوير أداء البنوك الإسلامية لديها,  فعلى الرغم من أن إستخدامات التقنية الرقمية شملت عدد محدود من الخدمات مثل: الدفع بواسطة  الإنترنت،  و خدمات الهاتف البنكي  … إلا أنها هذه البنوك أستطاعت التعريف بمنتجاتها و وتحسين خدماتها من خلال عملها بالتقنية الرقمية الجديدة.  كما ساهمت هذه التقنية في زيادة كفاءة هذه البنوك وزيادة قوتها التنافسية.

حسب إستطلاع للرأي قامت به EY أوضحت النتائج أن 78% من مستخدمي البنوك في دول التعاون  الخليجي يرغبون في تحسين البنوك لخدماتهم الإلكترونية من خلال إعتماد المزيد من برامج التقنية الرقمية ليشمل ذالك خدمات أكثر  حيث تشير الاحصائيات أن 40% من برامج التكنولوجيا المالية (FinTech) المستخدمة في هذه الدول هي (Payments Solutions)  برامج الدفع الإلكتروني .

هناك تأثير إيجابي كبير لتطور التكنلوجيا المالية خاصة على البنوك الإسلامية، حيث تمكن هذه التقنيات الرقمية الجديدة هذه البنوك من سهولة التعريف بمنتجاتها وخدماتها المالية ،وتقديم خدماتها بكفاءة كبيرة وجودة عالية وبالتالي قدرتها على التنافس في السوق المالية. من بين الدول  التى شهدت تطور في تعاطيها مع التكنلوجيا المالية:

 1- ماليزيا أعلن محافظ البنك المركزي الماليزي السيد محمد بن إبراهيم عن  إنطلاق برنامج :

(The Investment Account Platform)  في شهر إبريل الماضي حيث يتم ربط الدائنين، البنوك،  المشاريع التى تبحث عن تمول من خلال برامج تقنية متطورة وذات كفاءة عالية. ويعتبر هذا المشروع بمثابة أول بنك_وسيط ماليزي يعتمد التكنلوجيا المالية بشكل كامل  ويقدم التمويل  للمشاريع الصغيرة والمتوسطة . ويضم هذا المشروع ستت بنوك إسلامية ماليزية وتمويل قدره 150 مليون رينجت.

2- الإمارات : من خلال مؤسسة (Beehive Dubai Based) حيث تم إطلاق صيغة التمويل المعروفة ب P2P من أجل سهولة الحصول على التمويل عن طريق التقنية الإلكترونية ، وتشكل هذه المؤسسة أول مؤسسة وسيطة في التمويل باعتماد التكنلوجيا المالية (FinTech).  حيث يتم ربط الدائنين و المقترضين من خلال نظام تقني عالي الجودة لسهولة التعامل.

شكلت التكنلوجيا العلمية فرصة كبيرة للنظام المصرفي من خلال ماوفرته من أنظمة وبرامج إلكترونية متطورت ساعدت البنوك في تنمية وتطوير أدائها وزادت من كفائتها في الخدمات والتعاملات. بالنسبة للبنوك الإسلامية فإن التكنلوجيا المالية تشكل مفتاح نجاح  وتميز لهذه البنوك فبالرغم مماحققته من نجاحات على أرض الواقع فإن هذه التكنلوجيا السريعة والمتطورة تشكل وسيلة جديدة لهذا النظام المصرفي تساعده على التعريف أكثر بمنتجاته وخدماته وبالتالي فهوضرورة ملحة وسياسة إستراتيجية لهذه البنوك يجب أن تعطيحقها لمزيد منالتقدم والنجاحات  للنظام المصرفي الإسلامي.