اختتم مجمع الفقه الإسلامي الدولي جلسات الدورة الرابعة والعشرين لسنة 2019م بعد مناقشات علمية استمرت لثلاثة أيام حول طائفة من الموضوعات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وغيرها ، وأنهى المجمع دورته بإصدار مجموعة من القرارات ، بين فيها الأحكام الفقهية لموضوعات من أبرزها الجينوم البشري عقود “الفيديك” و العملات المشفرة .
الجينوم البشري
في موضوع الجينوم البشري، ذكر المجمع أن تقنيات التحرير الجيني مثل (كريسبر كاس9) وغيرها: تقنيات حديثة للتعديل الجيني وتحرير الجينات بوظيفة الاستبدال أو التصحيح التي تُستخدم في معالجة الأخطاء الإملائية على الحاسوب، وبدلاً من تحرير الكلمات تعيد تقنيات تحرير الجين كتابة الحمض النووي، وهذه التقنيات أكثر دقة وسهولة من التقنيات السابقة للعلاج الوراثي.
وتستهدف علاج العديد من الأمراض المستعصية، ولا تزال هذه التقنيات بحاجة لمزيد من الأبحاث للتأكد من سلامتها وفعاليتها، ثم قرر أن التحرير الجيني بهذه التقنيات يكون مباحاً إذا تحققت الشروط التالية:
1-أن تصادق على سلامتها وفعاليتها المرجعيات الطبية ذات العلاقة.
2- أن تستخدم لأغراض طبية في الوقاية من حدوث الأمراض الوراثية وعلاجها، ويمنع مطلقاً استخدامها في الأمور التجميلية (التحسينية).
3-أن تكون هناك إجراءات تنظيمية صارمة للتأكد من أحترام الأشخاص المشمولين بالمعالجة وتمنع أي إساءة في استخدام هذه التقنيات.
تقنية نقل الميتوكوندريا
وبشأن تقنية نقل الميتوكوندريا ( المتقدرات) قال المجمع أن تقنية نقل الميتوكوندريا (وهي: مولد الطاقة في الخلية) من بيضة امرأة سليمة مع الحامض النووي إلى امرأة تعاني من عطب في الحامض النووي للميتوكوندريا مستعصية على العلاج، من أجل إنجاب طفل سليم لا يجوز شرعاً لاختلاط الأنساب.
كما أكد المجمع على ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 203(9/21) بشأن الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري(المجين) والمنعقد في دورته الحادي والعشرين بمدينة الرياض .
العملات المشفرة والأمن الغذائي
وعن العملات المشفرة، فقد أوصى المجمع بمزيد من البحث والدراسة للقضايا المؤثرة في الحكم؛ نظرًا لما يكتنف هذه العملات من مخاطر عظيمة وعدم استقرار التعامل بها.
أما عن موضوع الأمن الغذائي فذكر المجمع أن الأمن الغذائي يعني: توفير الغذاء الصحي السليم للأفراد مع ضمان الحد الأدني من الحاجات الغذائية لجميع أفراد المجتمع.
وأوصي المجلس بمايلي:
1- على حكومات الدول الإسلامية، وضع قضية الأمن المائي و الغذائي في مقدمة اهتماماتها ووضع سياسات وبرامج لترشيد الاستهلاك في مجال الماء والغذاء..
2- على المسلمين شرعاً الاقتصاد في استهلاك الماء والغذاء، وعدم إهدارهما.
3-على العلماء المسلمين، المختصين في علوم الماء والزراعة والبيئة، الاجتهاد لإيجاد الحلول والوسائل، التي تساعد على تحقيق الأمن المائي و الغذائي، والاستفادة من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في مجالات تدوير المياه والاستفادة منها ضمن ضوابط وأحكام الشريعة الإسلامية .
4- على الدول الإسلامية، المسارعة إلى التعاون فيما بينها لمواجهة مشكلتي نقص الماء والغذاء بوضع السياسات والخطط المناسبة بما يضمن تنمية الموارد المائية وتحقيق الأمن الغذائي، وكذلك التعاون مع المنظمات الاقليمية والدولية – المتخصصة في مجال الماء والغذاء .
5-استخدام التقنيات الحديثة في إنتاج البذور وتحسين وسائل التنمية الزراعية لضمان رفع معدلات الإنتاج وتحقيق الامن الغذائي.
6- على الدول الإسلامية العمل على الاستفادة مما جاءت به الشريعة الإسلامية لتنمية الموارد الزراعية من خلال العمل بمبدأ إحياء الموات بضوابطه الشرعية، وإزالة العقبات التي تحول دون تحقيق ذلك.
عقود الفيديك
وبشأن عقود الفيديك، وهي مجموعة نماذج لعقود إنشائية هندسية تهدف إلى ضبط العلاقة بين صاحب عمل أو من يقوم مقامه، ومن يقومون بتنفيذ هذا العقد، لإنجاز مشروع تتعدد عناصر الإنشاء فيه بحيث يتم تسليمه جاهزاً للاستعمال فيما أُعد له، وكان هدف المجمع من دراسة عقود الفيدك ، الوصول إلى تكييفها فقهيا. فقد قرر المجمع أن هذا العقد جائز شرعاً،إذا تم فيه التزام بالأحكام والضوابط الشرعية وذلك قياساً له على عقود الاستصناع والإجارة ، وكذلك العقود التي يتحول فيها الرضا بتغير محل العقد وقت سريانه كيلا ينشأ عن ذلك التغير نزاع أو مشاحنة، وذلك لسبق التراضي على حكم، وذلك باللجوء للتحكيم المقبول من أطرافه، ولأن ما قد يحدث فيه من زيادة مالية على المتفق عليه، ليس مقابلا للتأخير في الوفاء، وإنما هو تعويض للأضرار التي قد تلحق أحد أطرافه بسبب من الطرف الأخر، أو بسبب تغير ظروف التنفيذ أو تكلفته.
التضخم وتغير قيمة العملة
وعن أثر التضخم على الالتزامات المالية، أكد المجمع على قراره السابق المتعلق بالتضخم اليسير وأرجع تقدير التضخم الفاحش إما إلى التراضي وإما إلى القضاء أو التحكيم، وأشار القرار إلى أنه في حال حصول التضخم الفاحش بعد نشوء الديْن فلا مانع من اتفاق الدائن والمدين عند السداد على رد الدين بالقيمة، أو توزيع الضرر بين الطرفين صلحاً كما يجوز إمضاؤه قضاءً أو تحكيماً فيما لا يجوز الاتفاق على ذلك عند التعاقد.
التربية الدينية وتعزيز السلام والتسامح
أما عن دور التربية الدينية في تعزيز السلام والتسامح ، فقد دعا المجمع إلى مواصلة تنظيم مؤتمرات وندوات وحلقات دراسية إقليمية وشبه إقليمية لتعزيز دور التربية الدينية والتعليم الديني في تحقيق السلام .
كما دعا الدول الأعضاء لتشكيل لجان متخصصة لدراسة مناهج التعليم الديني فيها لتقويم مدى انسجامها مع قيم السلام والحوار والتعايش والجهات التربوية المختصة في الدول الأعضاء لتضمين مادة التربية الدينية على السلام في مناهجها التعليمية.
وأشار المجمع إلى أن التسامح مبدأ أصيل وردت أدلته في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وبأن المسلمين مأمورون بالتسامح بين بعضهم البعض وبينهم وبين غيرهم.