حظي موضوع الحج في أدب الرحلات عبر تاريخ الحج بقدر كبير من التوثيق من الأدباء والعلماء والمثقفين الذي أدوا الفريضة، ورسموا على الأوراق مشاعرهم وخواطرهم، فلم تكن رحلة الحج شيئا عابرا في ذاكرتهم، لذا أودعوه في ذاكرة الناس من خلال ما سطروه عنها. وقد تنوعت الكتب في موضوع الحج في أدب الرحلات، ما بين التوثيق للرحلة، ومراحلها، ومشاعرها، وخواطرها، وما بين الكتابة عن معالم الحج، والتأريخ للأماكن المقدسة، والتأريخ للحجاز وعلمائه، وأهله، وأنشطتهم.

 ومن كثرة ما كتب في أدب الرحلة في الحج، ظهرت كتب ترصد ما كتب في هذا المجال، ومنها:

  •  كتاب ” أشهر رحلات الحج” للعلامة “حمد الجاسر”.
  • و” المختار من الرّحلات الحجازية إلى مكة والمدينة النَّبوية” لـ”محمد بن حسن الشريف”، والذي اختصر فيه أكثر من عشرين كتابا من كتب رحلات الحج القديمة والحديثة.
  • وأصدر “أحمد محمد محمود” كتاباً بعنوان: “رحلات الحج” تحدَّث فيه عن عدد من رحلات الحج خلال القرون الثَّلاثة الأخيرة.
  • كما أصدر المؤرخ “عبد الله بن حمد الحقيل” كتاب بعنوان ” رحلات الحج في عيون الرحالة وكتابات الأدباء والمؤرخين”.
  • وأصدر المؤرخ المغربي الشهير “عبد الهادي التازي” كتاب “رحلة الرحلات: مكة في مائة رحلة مغربية ورحلة.
  • وأصدر الشاعر الإماراتي “محمد أحمد السويدي” كتاب ” لبيك اللهم لبيك : 365 صور ومشاهد من الحج” ويتضمن مختارات مما كتبه الرحالة المسلمون خلال (700) عام، من خلال اختيار (365) مشهدا أدبيا.
  • ووثق الأكاديمي الجزائري “حفناوي بعلي” رحلات المغاربة في “الرحلات الحجازية المغاربية: المغاربة الأعلام في البلد الحرام: دراسة نقدية توثيقية ثقافية[1].
  • ووثق المؤلف والمخرج الأمريكي “مايكل وولف” كتب الرحالة الغربيين عن الحج  في كتاب “ألف طريق إلى مكة” ( One Thousand Roads to Mecca ) قدم فيه رحلات مختلفة امتدت على مدار قرون من الزمان، خاصة من ذوي التأثير في التاريخ والفكر الإنساني، مثل: محمد أسد” و”مالكوم إكس”.
الحج في أدب الرحلات
كتاب “رحلة الرحلات: مكة في مائة رحلة مغربية ورحلة” لـ عبد الهادي التازي

أدباء في الحرم

وللحديث عن الحج في أدب الرحلات، نجد أن من أبرز الأدباء الذين كتبوا عن رحلتهم للحج، “أحمد حسن الزيات” في مقال نشرته “مجلة الرسالة” بعنوان “في أرض الحجاز”،  ربط فيه بين الحج وبين التحرر من الاستعمار[2]، وقال:” إن في كل بقعة من بقاع الحجاز أثراً للتضحية ورمزاً للبطولة، فالحج إليها إيحاء بالعزة، وحفز إلى السمو، وحث على التحرر” كما وثق “عباس محمود العقاد” رحلته إلى الحج عام 1946، في عدة مقالات، ومن طريف ما كتب هو تجربة في الصعود إلى “غار حراء” والذي شهد أول نزول للقرآن الكريم  [3] .

إلا أن كتاب الدكتور “محمد حسين هيكل” “في منزل الوحي” من أشهر ما كتب عن الحج، وجاءت الرحلة بعد تحول فكري كبير لهيكل، إذ كان من أشد المناصرين لليبرالية الغربية والداعين إليها، لكن في العام 1933 رأي هجمة تنصرية على مصر، تروج لها بعض الأقلام في الصحافة، فتحول هيكل إلى مهاجمتها، وحكم عليه بغرامة بتهمة الوقيعة بين الأديان، أما رحلته للحج في العام (1355هـ=1936) فجاءت بناء على نصيحة من صديقه المسلم المجري “عبد الكريم جرمانوس”، وألف هيكل “في منزل الوحي” وكأنه عندما رجع إلى الإسلام كان عليه أن يهاجر إلى منزل الوحي يستقي من أنواره، ومما كتبه عند رؤية الكعبة ” “تبدت لي الكعبة قائمة وسط المسجد فشُدَّ إليها بصري وطفر قلبي ولم يجد عنها منصرفا، ولقد شعرت لمرآها بهزة تملأ كل وجودي وتحركت قدماي نحوها وكلي الخشوع والرهبة”.

محمد حسين هيكل
“في منزل الوحي” لـ محمد حسين هيكل

وكتب الأمير “شكيب أرسلان” كتابا مهما بعنوان ” الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف”، والذي صدر عام (1931م)، بعد عامين من حجه وكانت رحلة عميقة التأثير في نفسه، إذ كان الرجل مطرودا إلى سويسرا بسبب مقاومته للاستعمار الإنجليزي والفرنسي للبلاد العربية، فذهب من لوزان بسويسرا إلى مكة ، لذا أحس بمشاعر النبي-- عندما هاجر من مكة إلى المدينة، فجاء الكتاب مفعما بالإحساس المرهف، وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تقديمه للكتاب:”وأنا أعلم علم اليقين أن جميع الدول الاستعمارية تمقت قيام المسلمين بهذه الفريضة، وتتعاون على صدهم عنها بما تستطيع من حول وحيلة.

وكتب الأديب “إبراهيم المازني” عن رحلته عام 1930، كتاب “رحلة الحجاز”، وهو خواطر أدبية حول الحج والرحالة، مليئة بالطرائف، وكذلك كتاب “الرحلة الحجازية” لمحمد لبيب البتنوني، وهو كتاب يصف رحلة الخديوي عباس حلمي الثاني إلى الحجاز عام (1910م) ، وما جعله متميزا عن غيره من كتب رحلات الحج، أنه كثيف في معلوماته، ودقيق في وصفه ومشاهداته، كما أن يحوي على خرائط وصور نادرة للأماكن المقدسة، ونظرا لقيمته، فقد قررته وزارة المعارف المصرية على طلاب مدارسها.

 ومن الكتب التي صدرت في عام 1936م كتاب “رحلتي إلى الحجاز” للسيد محيي الدين رضا، وكان يعمل محررا جريدة المقطم المصرية.

أما الشيخ والأديب “علي الطنطاوي” فكتب عن رحلته مع الوفد السوري إلى الحج في كتابه “إلى أرض النبوة” ، عام 1934، في رحلة استغرقت ثمانية وخمسون يوما، على متن الحافلات، التي كانت في بداية استخدامها في ذلك الوقت، وبأسلوب أدبي إيماني كتب الطنطاوي رحلته من بدايتها حتى عودته.

 أما أشهر الرحلات ، فكان كتاب “مرآة الحرمين” للواء إبراهيم رفعت، أمير الحج المصري، عام (1318هـ=1901م)، والكتاب يحوي مجموعة ضخمة من الصور النادرة لرحلة الحج، والتي تشبه التوثيق الفوتغرافي لكامل أحداثها. أما الشيخ الموريتاني ” محمد الامين الشنقيطى” فكتب رحلته في كتاب “رحله الحج الى بيت الله الحرام”،  سجل فيه معالم الطريق، وأبرز مشاهداته؛ وتعرض في الكتاب لمسائل علمية ومباحث فقهية. كذلك وثق الأديب أنيس منصور رحلته للحج في كتاب “أيام في الأراضي المقدسة”، والذي دعا إلى إحساس جديد بالإسلام، والدكتور “مصطفي محمود” كتب “الطريق إلى الكعبة” وفيه تأملات فلسفية وإيمانية حول رحلة الحج.

الحج بعيون غربية

كتب الكثير من المسلمين الغربيين عن رحلتهم للحج، وكيف أثرت تلك الرحلة على تعميق إيمانهم، بعدما عاشوا في مهبط الوحي، ومنبت الرسالة الإسلامية، لذا كانت كتاباتهم من ثقافة مختلفة، وبعين مغايرة، جمعت بين الانفعال الإيماني والوجداني، وبين الرؤية العقلية، فكانت كلماتهم تملك القدرة على مخاطبة الثقافتين الإسلامية والغربية في آن واحد، خاصة وأنهم كتبوا رحلتهم بلغتهم، وإلى قومهم.

ومن بين تلك الرحلات، رحلة “إيفيلين كوبلد”[4] إلى الحج عام (1933)، وهي أول مسلمة بريطانية تؤدي الفريضة، وكانت سيدة نبيلة تتمتع باحترام كبير في المجتمع البريطاني، نشرت تفاصيل رحلتها من خلال مذكراتها اليومية المرسلة إلي حفيدها بعنوان “الحج إلي مكة” ، والكتاب يحوي مجموعة من الصورة النادرة عن تلك الرحلة، ولقى الكتاب رواجا كبيرا في أوروبا وقت صدوره.

أما العلامة المجري المسلم، وعضو المجامع اللغوية العربية “عبد الكريم جرمانوس”، فحج عام 1935، وأصدر كتباه عن رحلة الحج تحت عنوان “الله أكبر” ، وكان الرجل يصف رحلة الحج بأنها لحظة من لحظات الإشراق بدلت حياته إلى الأفضل.

وكذلك الرسام الفرنسي “ألفونس أتيين دينيه” أو “ناصر الدين دينيه” الذي حج عام 1928م، واصدر كتابه “الحج إلى بيت الله الحرام”، ويعد ناصر أول من رسم لوحات عن رحلة الحج، حيث رسم ثمانية لوحات بديعة عن الأماكن المقدسة، وحظى الكتاب وقت صدوره بإعجاب المثقفين المسلمين خاصة الأمير “شكيب أرسلان”، واستطاع “دينييه” الذي كان يحظى باحترام كبير في فرنسا والغرب، أن ينقض الكتب الغربية التي شوهت فريضة الحج في نظر الغربيين[5].

وكتاب “الركن الخامس قصة رحلة حج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ” للنحاتة البريطانية المسلمة” سعيدة ميلر خليفة” ، التي أسلمت عام (1959) وحجت عام (1970)، وأهمية هذا الكتاب أنها ناقشت فيه بعضا من كتب الرحالة عن الحج، وعدلت ما هو سائد من صورة ذهنية عن الأماكن المقدسة، ومن الطريف أن شيخ الأزهر “عبد الحليم محمود” كتب لها مقدم هذا الكتاب.