وزائرتـي كأن بـها حياءً *** فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا *** فعافتها وباتت في عظامي
إذا ما فارقتني غسلــــتني *** كأنَّا عاكفان على حرام!!
مَن هذه الزائرة التي بلغ بها الحياء مبلغه ! فلا تزور حبيبها إلا في هجعة الليل ، إذا أرخى سدوله .. إنها من شدة خوفها من الرقيب والعذول !! تتسللُ تسللَ القطا حتى تأتي حبيبها ! فتعانقه عناق الولهان ؛ ولا تحب المطارف ولا الجلوس على الأرائك الفاخرة و(الكنبات) الأمريكية! الفخمة ؛ ولا تحب إلا عناق حبيبها حتى تمتزج بعظامه ! ولا تتركه إلاَّ بعد أن يعرق عرقاً لوسال على أودية تهامة لسقى أشجارها ؛ وأينعت منه ثمارها ؛ تغسله بذلك حتى يكون ألمعَ من نجوم الفساد السينمائي على شاشات القنوات الفضائية ! ولكن ما دخل الحرام في هذه الزيارة؟! ؛ لستُ أدري ؛ اسألوا المتنبي يخبرْكم !.
إنها الحمى يا سادة .. الحمى نعم ! تلك التي من هول مطلعها جعلت أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو من هو في رجاحة عقله حينما قدم المدينة مهاجراً ، فتغير عليه جوها .. جعلته يرفع عقيرته ويقول :
كل امريءٍ مصبّحٌ في أهله *** والموت أدنى من شراك نعله
من شدة وطأة “أم ملدم” عليه ! هل عرفتم من “أم ملدم” هذه ؟! إنها الحمى ! التي لو جاز لنا سبها لسمعتم مني العجب العجاب ! مما فعلته بي سامحها الله !
ولا ألوم بلالاً رضي الله عنه حينما زارته ..فجعل يقول :.
ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً *** بوادٍ وحولي إذ خرٌ وجليلُ
وهل أردنْ يوماً مياه مجنةٍ .. *** وهل يبدوَنْ لي شامةٌ وطفيلُ
مما حدا بالنبي ﷺ : يدعو الله تعالى أن ينقل وباء المدينة وحماها إلى الجحفة ،لأنه لم يكن بها سكان . الحاصل ! أنني عانقتها من يوم الجمعة الماضي إلى يوم الاثنين – الله وكيلك – كل يوم وحبُّها لي يزداد ووصلها يطول ! حتى تمنيت الهجران الذي خاف منه المحبون قديم الزمان وحديثَه ؛ ولم يتمنه منهم إلا القليل ومنهم علي بن أبي الهيجاء سيف الدولة الحمداني شيخ المتنبي الذي مدحه حتى قطعه تقطيعاً!.. عندما عشق سيف الدولة هذا ! جارية له من بنات الروم ؛ كأنها قطعة قمر يمشي على الأرض ؛ ملكت عليه لُبَّه حتى استطار هياماً بها .. وبدا واضحاً عليه ذلك حتى حسدنها بقية الجواري في قصره وخشى على محبوبته أن يصبنها بما تكره ؛ فأبعدها إلى قصرٍ في ناحية حلب مملكته آنذاك .. فلما عوتب على ذلك قال :
راقبتني العيون فيك فأشفــقتُ *** ولم أخل قط من إشفاقِ
ورأيت العـــذول يحسدني فيك *** مُجَدَّاً يا أنْفَسَ الأعلاقِ
فتمنيتُ أن تكــــوني بعيداً *** والذي بيننا من الحب باقِ
رُبَّ هجرٍ يكون من خوف هجرٍ *** وفراقٍ يكون خوفَ فراقِ..
في قصيدة له جميلة ! وهذا من ذكائه ..
* * *
مالي خرجت من موضوع الحمى ؟ !
أم أن هذا لا يزال من تأثيرها حتى أصبحت أهرف بما لا أعرف ! هل جربتم أن تدوّنوا فقط أحلامكم عندم تزوركم “أم ملدم” ؟ ستجدون فيها الأقاصيص الغريبة والنوادر الطريفة!! ولا سيما ونحن في زمن العولمة وثورة المعلومات والإنترنت والغريب في الأمر ، أنني أقطع منامي ثم أعود فأكمل الحلم نفسه ! وكأنما هو موقف بجهاز التحكم عن بعد الذي يسمونه ( ريموت كنترول )!
* * *
الذي يطمئن الفؤاد أنها كفارة للذنوب إذا احتسبها صاحبها ، بل أنها تذهب الذنوب والمعاصي كما يذهب الكير خبث والحديد والذهب والفضة ..
أسأل الله تعالى أن يعافيكم ويشفيني .. قولوا آمين !