يطلق البعض على هذا العصر الذي نعيشه عصر “ثورة الاتصالات”، ويُطلق عليه آخرون عصر “ثورة التطلعات”، وعندما نتأمل في أفعال المسلمين وأقوالهم، وتنوع تطبيقهم لتعاليم دينهم، وتفسيرهم لتوجيهات القرآن، والرسول القدوة – ﷺ – فإننا نرى عجبا. فكيف يتم التعامل مع مسألة الزواج والدين في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
الحقيقة أن هذه المجتمعات تعيش أوضاعا مأساوية:متناقضات، وسوء استخدام للنصوص، وسطحية، وشكلية أحياناً، في مقابل تأويلات باطنية أحياناً أخرى، وتطلعات مادية تلبس أقنعة دينية، وأطروحات دينية لتبرير مشكلات نفسية.. وهكذا.
مسألة الزواج والدين مسألة ليست سهلة على الإطلاق، وهي تخضع لعدة اعتبارات، فمعظم – إن لم نقل كل – المسلمين يقولون: “إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوِّجوه..”، فهل تبحث الأسرة في هذا العصر عن دين الشاب الذي يتقدم للزواج، فإن كان فاضلا صواما قواما قبلوه، أما إن كان لا يملك إلا خاتماً من حديد؟! قد يقول قائل: مطلوب الحد الأدنى من الماديات، وهذا الحد الأدنى قد يبدو نسبيًّا و”مرناً” يتفاوت من بيئة إلى بيئة، ومن أسرة إلى أسرة.
والأمر نفسه ينطبق على الجانب الآخر؛ حيث كل المسلمات يقلن: “تنكح المرأة لأربع..”، ويتساءلن أين: “فاظفر بذات الدين تربت يداك”؟!
والحقيقة ليس من السهل في هذا العصر تعريف وتصور من يمكن أن نصفها اليوم بأنها “ذات الدين”؟!.
إنها معايير دقيقة، وفروق يدركها الحكماء من الناس بعقولهم وقلوبهم وضمائرهم، والذين يتجاهلون صوت العقل والقلب والضمير يدفعون الثمن انهياراً في الأعصاب قبل الأسرة، وتعاسة في البيت بل في الحياة، والذين يكذبون على أنفسهم، ويقلدون – ربما – غيرهم، ويتطلعون في غير اتجاه القيم المستمدة من الفهم العميق لتوجيهات الإسلام – هؤلاء يحصدون الألم والندم.
إن واقع المسألة ليس بالبساطة التي يعرضها البعض، وإن كان هذا لا يلغي ثبات المبدأ في أن الدين بالمعنى الواسع الشامل ينبغي أن يكون أساس الاختيار في إقامة العلاقات الاجتماعية جميعًا، وليس الزواج فقط.
نساء عربيات .. غربيات في بلدانهن
تعاني الكثير من المغتربات من مشكلة الزواج من ملتزم في بلد لا يتوفر على أدنى مستويات الدين والتقاليد والثقافة المشتركة، لكن البعض يعشن هذه المشكلة في بلدان عربية مسلمة وليس في بلاد الغربة، وليس ذلك بسبب عدم وجود الملتزمين، بل على العكس فهم موجودون والحمد لله، ولكن المشكلة تكمن في توجه هؤلاء الملتزمين، فهم يبحثون عن فتاة بشكل معين، فيجب مثلاً أن تخضع الفتاة لمواصفات معينة، وبعدها – في مرحلة تالية – قد ينظر لدينها، بعضهم يريد فتاة بمواصفات مبالغ فيها غالبا بالإضافة لتمتعها بالدين والالتزام!!
وتشير بعض الدراسات أن متوسط سن الزواج ارتفع لدى الشباب الملتزم، ليس بسبب ارتفاع المهور فقط، بل بسبب هذه التوجهات أيضًا، حتى إن الشباب وعائلاتهم لا يراعون ذلك، لدرجة أن أحدهم يتوجه بعد الظهر لرؤية فتاة بغرض خطبتها، وبعد العصر يذهب ليرى صديقتها!
هذه مشكلة حقيقية، تشمل المسلمات شرقاً وغرباً، وقد يكون أحد أهم أسباب تلك المشكلة أننا نعيش لحظة انتشار الثقافة الغربية التي تضع الجسد ومعاييره فوق الدين والأخلاق حيثما ذاعت وحلت، وتلك الثقافة تؤثر على عقولنا واختياراتنا بشكل كبير حاليًا.
تُنكح المرأة لأربع
لنتوقف عند الحديث الشريف “تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك” – فهذا الحديث الكريم برغم وضوحه يفسره الشباب والفتيات كل حسب هواه، فبعض الشباب الملتزم يرى في الحديث مرغبات النكاح جمالاً وحسبًا ونسبًا ودينًا، وحينما يختار يبحث عنها جميعاً، وكان أولى بهؤلاء أن يفهموا مقصد الحديث بأن السعادة في الدنيا والآخرة لمن يظفر بذات الدين.
أما عن البعض الآخر من الملتزمات، فلا يدركن من مرغبات النكاح في الحديث إلا: “فاظفر بذات الدين”، وأغفلن – في المقابل – مرغِّبات النكاح الأخرى؛ من “جمال، وحسب، ومال..”، فلا تحاول كل واحدة أن تصلح من شأن نفسها، أو تعد نفسها كزوجة وأم.. فمع الأسف الكثيرات من الملتزمات لا يعرفن من أمور النساء شيئًا، لا تعرف الواحدة منهن كيف تحسن التزين لزوجها!! أو كيف تحسن عشرته!! ولا كيف تدير منزلها وتدبر شئونه!! أو كيف ترعى أبناءها، وتقوم على تربيتهم!!
الجمال يمكن إدراكه بحسن التزين، والمال يمكن إدراكه بحسن التدبير، والحسب يمكن إدراكه بالبر وصلة الرحم والاعتزاز بالأهل، والدين هو أن تحققي كل ما ذكرنا، وتخلصي فيه النية لله، وهذا هو حسن التبعل للزوج.
“ذاتُ الدين”
“ذاتُ الدين” هي التي تجتمع فيها مرغبات النكاح، بحسن إيمانها وتقواها وتطبيقها الفعلي لكل ما حفظته من القرآن والسنة، فالدين ليس صلاة وصومًا وأذكارا ودعوة عامة فقط، وإنما هو حياة كاملة، والحياة فيها الحزن والفرح، وفيها الطبخ والغسل، كما فيها الحب والمعاشرة، و”ذات الدين” ماهرة، أو على الأقل مجتهدة في هذا كله بدافع من دينها وتقواها.
هناك نسبة لا يستهان بها ممن حرصوا على الزواج بذات الدين لم يجدوا بعد الزواج زوجات يعرفن عن الدين إلا أقل القليل، ولا يعرفن عن الدنيا وشئون الأسرة شيئاً، فهل حقاً هؤلاء ذوات دين؟!
بالطبع لا يجب أن يعمم الإنسان في وصفه للملتزمات، ولا يجب أن يتحامل على فئة أو أخرى، متحاملة، لكن على النساء والملتزمات أن يلتفتن إلى أمور غابت عن الكثيرات منهن، انشغلن بالعلم الشرعي، واعتقدن أن هذا وحده هو الدين، وأن ما دون ذلك هباء لا يلتفت إليه!! فيا أيتها الملتزمة: أعدّي نفسك لتكوني زوجة صالحة حقًّا، ولا تغلبك المتبرجة السافرة حين تجيد فنون الحياة وأنت تجهلينها. فإذا قلنا للشباب عليك بذات الدين، فينبغي على النساء فعلاً أن يكن ذوات دين بالمعنى الحقيقي.
الإلتزام والاعتبارات الشكلية
لاشك أن الاعتبارات الشكلية ذات أهمية في مسألة الاختيار، وعندما قال رسول الله – ﷺ- للصحابي الذي أخبره أنه قد خطب ولم ير من خطبها.. انظر إليها؛ فإن ذلك أحرى أن يُؤدَم بينكما..”، فإنما كان من أغراضه – ﷺ – من الرؤية أن يطلع هذا الصحابي على المواصفات الشكلية التي يرتضيها الرجل فيمن ستكون شريكة حياته.
وعندما يذكر الصحابة أن الرجل منهم كان يختفي ليرى ما يدفعه للزواج ممن سيرتبط بها، فإنه كان ينظر إلى جمالها ومواصفاتها الشكلية، وعندما يقرر فقهاء الإسلام أن من حق الرجل أن ينظر ممن يخطبها إلى ما يشجعه على الارتباط بها، حتى إن بعضهم وصل في ذلك إلى حدود قد لا نتصورها، فذلك لأن الشكل جزء من القبول العقلي والنفسي فيمن نرتبط بها، وعندما توقعت السيدة عائشة أن يتزوج الرسول – ﷺ – السيدة جويرية بنت الحارث فإن السيدة عائشة لم تسترح، ولم تجد بأسًا في أن تذكر أنها لما رأت حسنها توقعت أن يعجب الرسول – ﷺ – بها ويتزوجها..
وعندما نزلت الآية الكريمة لتمنع الرسول من الزواج على زوجاته اللاتي معه قالت له: (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) (الأحزاب: 52)، ولم يجد غضاضة أن يكون ذلك سببًا من أسباب ارتباط الرسول بالنساء..
وقد نتعجب أن جميع هذه الأدلة أو الأمثلة التي نسوقها لأهمية الشكل هي من أحاديث النبي – ﷺ – ومواقفه؛ لأن البعض يظن أن الاهتمام بشكل المرأة ومواصفاتها في الاختيار يتنافى مع الالتزام، ويتحرج أن يبدي ما يرغِّبه من مواصفات، أو أن يبدي رفضه لعدم وجود المواصفات التي يطلبها.
والقضية هنا ليست أهمية المواصفات الشكلية في الاختيار، ولكن في الاعتدال وإعطائها الوزن المناسب في مسألة الاختيار، بحيث لا نتطرف في طلب مواصفات معينة، نضعها في رأس الأولويات ولا نحيد عنها، ولكن لابد من وجود مدى معقول يقبله العقل والمنطق والعرف في هذا الأمر، ويتيحه الواقع أيضًا.
أريد زوجه بيضاء!!
عندما يطلب الرجل أن تكون زوجته بيضاء، فهذا حقه، لأن الله قد خلق النساء متباينات مختلفات في هذا الجانب، وليس لواحدة يد في ذلك، والميل إلى لون معين ناتج عن شعور نفسي وميل غَرَزيّ يختلف من شخص إلى شخص، والله خلق الأذواق مختلفة، ولم يجعلها واحدة، وهكذا في باقي الصفات؛ مثل النحافة والسمنة وما إلى ذلك.
وحتى لا يظن البعض ونحن نتحدث عن المواصفات الشكلية أننا ننظر إلى المرأة كجسد أو كسلعة معروضة يقلّبها الرجل كيف شاء، فإننا نقول: إن ذلك يكون في إطار طريقة الاختيار الشاملة، فلا يصلح معيار واحد للاختيار، مثل اختلاف الفارق الاجتماعي مثلاً، بل يجب النظر إلى الأمر بصورة متكاملة وشاملة، فينظر الأمر من الناحية العاطفية، لأن هذه نقطة مهمة جدا يجب أن وضعها في الاعتبار، وأن يأخذها صاحب القرارك في اعتباراته و يدركها جيدا.
أما الجانب العقلي، فإنه يشمل التكافؤ الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والشكلي والشخصي ومستوى التدين و… ويجب أن تحدد الأولويات في هذا الأمر، ثم ننظر إليه نظرة شاملة، فإن كانت النظرة العامة مَرْضية فلا مانع من أن يتوكل الإنسان على الله.
بين بنت البلد و بنت الغرب
عندما يقبل شاب عربي مقيم بالغرب على الزواج، وفكرته حول الزواج هي أن يكوّن ذرية صالحة تنفعه وتنفع المجتمع، وأن يتعاون مع زوجته على ما يحبه الله ويرضاه. فهل يتزوج من الغرب أم من بلده؟ وعندما يسمع هذا الشاب ما روي من حديث الرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام: “لأن يهدي بك الله رجلاً واحدًا خير لك من حمر النَّعَم” يميل أكثر إلى الزواج من الغربيات، مع أنه – في الحقيقة – يرتاح أكثر لفكرة الزواج من بلده، خاصة أنه لا يريد أن يحرم أبنائه من حمل القرآن.
قد تكون نية هذا الشاب صادقةوصالحة وقد تكون عزيمته طيبة، وربما يهون من صعوبة الاختيار وضع معايير يتم الاختيار في ضوئها، ويمكننا تقسيم هذه المعايير إلى معايير رئيسية وترجيحية.
أولاً: المعايير الأساسية:
وواضح من رسالتك أنها لا تخفى عليك، ولكن لا بأس من تلخيصها في النقاط الآتية:
1 – الدين: “فاظفر بذات الدين تربت يداك”.
2 – الخلق: “إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه”.
3 – الكفاءة: فعن النبي – ﷺ – قال: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته”.
وعن النبي – ﷺ – أنه كان يقول: “ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرًا له من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله”.
4 – التكافؤ: من الناحية الاجتماعية والثقافية والعلمية وغيرها، ولا يقصد بالتكافؤ المساواة التامة، ولكن وجود مساحات مشتركة تصلح للبناء عليها. والتكافؤ يكون لصالح الزوجة؛ بمعنى أن يكون زوجها مكافئا لها في المعايير السابقة، فلا يعيب الزوج أن يتزوج من هي دونه في الثقافة أو التعليم… إلخ.
5 – الأُدْم: بمعنى القبول والرضا والألفة؛ كما قال رسول الله – ﷺ: “انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما”.
فإذا توافرت المعايير السابقة في من يريد الزواج بها، فليتوكل على الله، بقطع النظر عن جنسيتها، فإذا تساوتا – الإسبانية والعربية – فيما سبق، فيمكن اللجوء إلى المعايير الترجيحية.
ثانيا: المعايير الترجيحية:
يحسن بأي شاب أن يضعها بنفسه، ولكن لا بأس من اقتراح بعضهامثل:
مدى استعداد المرأة الغربية لتعلم لغة القرآن، وتشجيع أولادها على إتقانها، ومدى استعدادها للتوافق مع آمال وطموحات الزوج، ومدى قبوله لها وقبولها له.
أما عن الرغبة في هداية من يُتزوج بها، فهي رغبة يُحمَد عليها اي إنسان، ولكنها لا تصلح كركيزة لبناء الأسرة أولاً؛ لأنها قد لا تتحقق (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) (القصص: 56)، ثانيًا: لأنها يمكن السعي فيها بالاجتهاد في دعوة الرجال (من جانب الزوج) ودعوة النساء من جانب الزوجة.