الزوج المحروم : الزواج في الإسلام آية ربانية، وسنة نبوية، وفطرة إنسانية، وضرورة اجتماعية، وسكن ومودة ورحمة؛ قال تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } [الروم: 21]. والعلاقة بين الزوجين علاقة قلبين وروحين بينهما من التقدير والاحترام والتعامل، ما لا يمكن رسمه أو وصفه، قلبان متكاملان يكونان بيتا سعيدا يملؤه الحب والسعادة، وذكر الله والتعاون والتكاتف، والعلم والعمل.
الزوج المحروم من السعادة
إن البيت السعيد لا يقف على المحبة وحدها، بل لا بد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين مع بعضها البعض، وإلا فإننا سنسمع بين الحين والآخر كثيرا من الأزواج من يهمل حبيبة قلبه وينسى رفيقة دربه، ويقسو على نبع حنانه، ولا ريب أن نسمع جراحا غائرة، ونوازل عاثرة، ودموعا هامرة، ولا ريب أن نسمع عن كثير من الزيجات ممن تصيح وتئن من معاملة زوجها تحت وطأة الضغط وبين جدران البيوت، واللاتي يشكين في نفس الوقت من التصحر والجفاف في الحياة الزوجية، ويفتقدن كثيرا من الكلمات العاطفية، ويعانين جدبا في العبارات الغزلية، وتتمنى الواحدة منهن أن تسمع من حبيب روحها وهوى فؤادها ما يأسر فؤادها، ويهز وجدانها، وتطرب لها أركانها.
نعم.. كثير هن الزوجات اللاتي يعشن حياة سطحية بائسة ولقاءات جافة جامدة لا تتجاوز أحاديث الحياة اليومية وهمومها، والتذكير بالواجبات المنزلية ومشكلاتها.
إنها صرخات ومآس تكشف لنا حقيقة التألم والتأوه والتفجع الذي يصيب بعض نسائنا المتزوجات، نعم، وما بقي وربي في حبيس الصدور ولم يصل إلى السطور أكثر وأعظم، تقول زوجة متألمة: زوجي لا يهتم بي إطلاقا، يكون دائما عابس الوجه ضيق الصدر، فأنا مع قيامي به وتقديمي له الراحة والاطمئنان، إلا أنه سيئ الطبع، ذميم الخلق سريع الغضب, كم رأيته والله المرة تلو الأخرى بشوشا مع أصحابه وزملائه، متوددا لأقربائه وجيرانه، أما أنا فلا أرى منه إلا التوبيخ والمعاملة السيئة، وقد راودتني نفسي عدة مرات أن أرفع السماعة فقط لأحظى بشعور الحب من غيره، لكن خوف الله يمنعني.
وتقول أخرى: زوجي يتنكد مزاجه في أوقات كثيرة لأتفه الأسباب، فينهال علي بالضرب، ويأمرني بعدم البكاء أو الصراخ، ولو فعلت ذلك اشتاط غضبه وازداد بطشه، فإذا توقف عن الضرب، وجب علي تقبيل رأسه والاعتذار منه، مع أنني في الغالب ليس لي شأن بالسبب المثير لأعصابه، ولكنني أبقى أنا الضحية نعم، أبقى أنا الضحية.
فلماذا هذه الآهات والحسرات؟ ولماذا هذه الهموم والتصرفات من بعض الأزواج؟ أسئلة محيرة، وأساليب خاطئة، تبحث عن حلول وتحليلات، وتوجيه ومصارحات.
فإلى كل محروم من السعادة، وإلى كل محروم من الاستمتاع بحياة أسرية جميلة، وإلى كل من شغلته الدنيا باللعب واللهو عن بيته وأسرته وزوجته، وإلى كل محروم من لذة الجلوس مع زوجته وأولاده، وإلى كل من أصبح بيته جحيما لا يطاق يملؤه القلق والتوتر والانفعالات، لماذا هذا الإعراض عن بيتك وزوجتك وأولادك؟ لماذا هذا الكبر والتعالي على أهل بيتك؟ لماذا هذا القلب القاسي؟ أين استشعار السعادة في بيتك؟ أين القلب الحنون واللين الرقيق؟ فالراحمون يرحمهم الله.
إنكم حرمتم أنفسكم، فحرمتم السعادة والراحة والاستقرار النفسي، يقسم بعض الأزواج ممن من الله عليه بالاستقرار الأسري والحب والعاطفة مع زوجته – أن سعادته تكمن بعد الإيمان بالله وحب رسوله ﷺ في جلسة أسرية سعيدة مع زوجته وأولاده، وأن من أجمل لحظات الدنيا وأسعدها يوم يجلس الزوج مع زوجته وأولاده في مكان يملؤه الحب والسعادة والاطمئنان والاستقرار.
أسباب ظلم الزوج لأسرته
والسؤال هنا: ما أهم الأسباب والدوافع التي تجعل الزوج يمارس الظلم والاستبداد، وفرض الذات تجاه زوجته وأولاده، وهم أقرب الناس إليه، وتجعله محروما من السعادة في بيته ومع أسرته:
- سوء التربية ونشأة الزوج في بيئة غير سوية.
- عقد وأفكار سلبية وعنصرية تجاه الجنس الآخر.
- جهل الزوج بحقوق المرأة وتفكيره المحدود، وضيق مفهومه لمعنى القوامة والرجولة.
- تعرض والدته للظلم من قبل أبيه؛ مما يجعله شاهدا على ذلك، ويرى أن ظلم المرأة واضطهادها وسلب حقوقها، أسلوب حياة، فيترسخ ذلك في عقله الباطن ليتعامل بقسوة وجفاء مع زوجته في المستقبل دون أن يشعر بتأنيب الضمير.
البيت السعيد في 11 نقطة
فإلى كل من يبحث عن السعادة في بيته ومع أسرته وزوجته، وإلى كل زوج حرم نفسه سعادة الأسرة والبيت السعيد، أقول: اتق الله في نفسك وأهل بيتك، واستمتع بما رزقك الله من نعمة عظيمه حرمها كثير من الناس واعلم:
- أن السعادة قرارك أنت، وأن حرمانك منها قرار منك أيضا، فتخير لنفسك ما تريد.
- إذا أردت أن تكون سعيدا، فعليك أن تراعي زوجتك وتهتم بها، حتى تعطيك السعادة، ففاقد الشيء لا يعطيه.
- احرص على التواصل مع عائلتك الصغيرة، وخصص وقتا لهم، ولا تبخل عليهم بالحب والمودة والمشاعر الدافئة.
- فكر في مزايا زوجتك، فمن المؤكد أنك ستجد صفات كثيرة تجعلك أسعد الناس، فقط ركز عليها، وامدحها لتحصل على ما هو أجمل وأروع.
- ابتعد عن مقارنة زوجتك بغيرها، فكل إنسان له عيوبه وله إيجابياته، وقارن ذلك بنفسك، فهل أنت كامل الصفات وليس فيك عيوبا.
- اجعل حياتكما مبنية على الاحترام، وعلى حسن التعامل والتفاهم، وأن تصبرا على بعضكما.
- ابتعد عن الانتقاد والانتقام خاصة أمام الأولاد وأمام الناس.
- غير عاداتك السلبية التي تمارسها داخل البيت؛ كالصراخ والنقد والضرب والإهانة، والعادات التي تمارسها خارج البيت؛ كالسهر والتدخين ومصاحبة رفقاء السوء.
- اجعل علاقتك الزوجية مبنية على التسامح والتغافل وحسن الظن.
- تذكر حالك في المستقبل وأنت ضعيف: هل تحب أن تعاملك زوجتك وأولادك بمثل هذه القسوة.
- تذكر أن كثيرا من مشاكل الأولاد السلوكية والنفسية والعاطفية، سببها الرئيس سوء العلاقة الزوجية بين الآباء والأمهات.
نصيحة
فالله الله في نفسك وفي بيتك وفي أسرتك وزوجتك، وتذكر أن الله سائلك عن أمانتك وعن رعيتك، فأعد للسؤال جوابا، وللجواب صوابا.