تعتبر الرقمنة إحدى ركائز اقتصاد القرن الحادي والعشرين، فقد أحدث التطور التكنولوجي السريع الذي عرفه العالم تأثيرا كبيرا في مجال الاقتصاد ، حيث طرقت المنظومات التكنولوجية مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية و ساهمت في تحقيق المزيد من المزايا لهذه القطاعات، منها سرعة الخدمات وكفاءتها ومنها تطوير الابتكارات و الحلول التي يحتاجها المجتمع ومنها تحسين أساليب العمل الإداري والحكومي.
وتشير الإحصائيات الحديثة إلا أن الاقتصاد الرقمي يحقق نجاحات سريعة في العديد من اقتصادات العالم محققا إضافات مميزة ليس لاقتصادات هذه الدول فحسب بل إلى الاقتصاد العالمي.
وتفيد التقارير في هذا المجال أن قيمة الاقتصاد الرقمي في الولايات المتحدة الأمريكية يشكل 11.5 تريليون دولار أي نسبة 15.5% من الناتج الخام العالمي ، 18.4% من الناتج الخام للدول المتقدمة أي ما يشكل من 10% – 35% من الناتج الخام العالمي، بينما تصل مساهمة الدول النامية 10% أي ما يعادل من 2% – 19% من الناتج الخام العالمي.
تسلط هذه المقالة الضوء على الاقتصاد الرقمي وسياسات الدول في تطوير هذا الاقتصاد ومساهمته في تطوير المنظومة الاقتصادية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أوروبا والإسراع نحو الرقمنة
تتحول المجتمعات الأوربية بشكل متسارع نحو المجتمع الرقمي، يساعدها في ذالك التطور السريع للقطاعات الصناعية وخاصة التكنلوجيا إضافة إلى السياسات الحكومية الهادفة إلى مواكبة التطورات التكنولوجية والتقنية في العالم. ويشير التقرير السنوي حول مؤشر تطور الاقتصاد الرقمي في أوروبا والمعروف بـ The Digital Economy and Society Index (DESI) 2018 إلى أن الدنمارك، السويد، فيلندا و هولندا تتربع على قائمة الدول الأكثر تطورا في الاقتصاد الرقمي في أوربا تليها في التصنيف كل من لوكسمبورغ، بريطانيا، إيرلندا و بلجيكا. بينما حجزت كل من استونيا،رومانيا،اليونان وإيطاليا المراتب الأخيرة في التقرير كأقل الدول الأوربية تطورا في مجال الاقتصاد الرقمي.
التقرير لهذا العام أشار إلى تحقيق العديد من خطط التطوير التي وضعت الحكومات من إرتفاع مجال التغطية (Connectivity) حيث تصل التغطية نسبة 80٪ من المنازل في الاتحاد الأوروبي من خلال النطاق الترددي السريع ، ويتم تغطية 91٪ من سكان أوروبا من خلال شبكات الجوال 4G ، مقارنة بنسبة 84٪ في المؤشر العام الماضي.
في ألمانيا، قاطرة الاقتصاد الأوربي، ارتفع معدل الرقمنة بسن الشركات العاملة في القطاع الصناعي الألماني من 46% سنة 2016 إلى 58% سنة 2018. ويتربع قطاع المعلوماتية والتكنولوجيا على صدارة أكثر القطاعات رقمنة في ألمانيا بنسبة 74% ويأتي قطاع الصحة في آخر التصنيف بـ 37% .
يحاول الاتحاد الأوربي جاهدا العمل على رقمنة اقتصادات دوله والمساهمة بشكل فعال في ثورة المعلوماتية لتحقيق المزيد من النمو والسيطرة على حجم معتبر من سوق التكنولوجيا العالمي.
استثمارات الصين لرقمنة الاقتصاد
الصين ثاني اقتصادات العالم وأسرعها نموا تتجه نحو رقمنة اقتصادها بشكل متسارع ، حيث حققت استراتيجيات الحكومة الصينية في مجال رقمنة قطاعات الدولة نجاحات كبيرة، وتختلف درجة انتشار التكنولوجيا الرقمية لدى الصين بين القطاعات، حيث يأتي قطاع الخدمات متقدما على القطاعات الصناعية والزراعية في عملية الرقمنة، وسط توقعات بأن تكون رقمنة القطاعات التقليدية أكثر سرعة وأكبر إسهاما في الناتج المحلي الإجمالي.
وفِي إطار سياسة الحكومة الصينية لتطوير الاقتصاد الرقمي أعلنت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح فى الصين أنها وقعت اتفاق تعاون مع بنك التنمية الصيني ، ويقضي الاتفاق بضخ 100 مليار يوان أي ما يعادل (14.63 مليار دولار) فى الاقتصاد الرقمي الصيني خلال السنوات الخمس المقبلة ، وفقا لما ذكرته صحيفة المعلومات الاقتصادية، و ستستخدم الأموال لدعم عمليات البناء والتطوير في مناطق تشمل البيانات الكبيرة، منظومات الإنترنت ، الحوسبة ، تطوير المدينة الذكية الجديدة ، انشاء ودعم المشاريع الرئيسية في الاقتصاد الرقمي، وتسهيل بناء “طريق الحرير الرقمي”.
تحتل الصين المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية في رقمنة الاقتصاد وتسعى من خلال استراتيجياتها وسياساتها إلى زيادة حجم الاقتصاد الرقمي وتحقيق مزيد من النجاحات الاقتصادية التي تمكنها من الحفاظ على مكانتها في التصنيف العالمي.
المالية الإسلامية و الرقمنة
تشير التقارير الاقتصادية إلى وجود إمكانيات وفرص كبيرة أمام المالية الإسلامية للاستفادة من التكنولوجيا الرقمية خاصة بعد توسع النظام المالي الإسلامي وانتشاره عبر دول وقارات العالم، ففي تقرير لوكالة تومسون رويترز يؤكد خبراء ماليون بأنه من المتوقع أن يصل حجم استهلاك العالم الإسلامي من سوق التكنولوجيا الرقمية 277 مليار دولار خلال العام 2020.
ويشمل هذا الاستهلاك استخدام المواقع الإلكترونية ، ومنصات الدفع الإلكتروني ، الخدمات المصرفية الإلكترونية ، التسوق الإلكتروني ، خدمات الاستشارات الاستثمارية عبر المنصات الإلكترونية وغيرها من الخدمات التي ستسهم في تطوير خدمات المالية الإسلامية وتسريعها لتواكب الثورة التكنولوجية عبر العالم.
وعن إمكانية رقمنة الاقتصاد الإسلامي أشار تقرير صادرعن وكالة Deloitte الأمريكية المتخصصة بأن دول العالم الإسلامي تشكل سوقا ضخمة ومربحة للاقتصاد الرقمي خاصة أن حجم المالية الإسلامية من المتوقع أن يصل 4 تريليون دولار في أفق 2020، ومن المتوقع أيضا أن يشكل الاقتصاد الرقمي من 30 – 40% خلال هذه الفترة.
وأشار التقرير إلى أن المالية الإسلامية بمختلف فروعها وقطاعاتها ستكون بيئة جاذبة للاستثمارات في مجال التكنلوجيا الرقمية.
يشكل الاقتصاد الرقمي رقما صعبا على مستوى الاقتصاد العالم وتعمل الدول والحكومات في العديد من التكتلات الاقتصادية لتطوير وتحسين أداء الاقتصاد الرقمي ذلك لما أصبح يشكله هذا الاقتصاد من أهمية وما يسهم به من إنتاج يشكل دفعا لاقتصادات الدول وخلقا لقيمة مضافة جديدة.