تقول له: لا بأس عليك؛ غداً تُحلُّ المشكلة، ويُشفى المرض، ويبزغ الفجر، ويتقهقر الظلام، وتتبدّل الأحوال، وتزول المعاناة.
فيقول لك: آه من غدٍ… متى سوف يأتي هذا الغد؟
تقول له: انطلق إلى العالم مستبشراً بالخير من الله الكريم؛ خذ بأسباب الحياة، واجتهد في طريق الصلاح، وسيأتيك الغد ضاحكاً بإذن الله.
فيقول لك: أي عالَم تريدني أن أنطلق إليه؟ ألا ترى كيف تعصف بنا الدنيا فتذرنا كالريشة في مهب الريح؟
تقول له: أرض الله واسعة، و رحمته أوسع…
فيقول لك: العالم بقهره يمكث على أكتافنا كالجبال، ويُضيِّق علينا حياتنا والأنفاس، ويهزأ بمستقبلنا وآمالنا.
تقول له: لا تنتظر أن تصبح الأمور من حولك مثالية لكي تحيا بسعادة، وحيوية، ونشاط، وتفاؤل، وإيجابية؛ بل كن أنت الرائد في مقدمة الركب… أشعلْ شمعة بدل أن تلعن الظلام!
فيقول لك: كلما حاولنا أن نوقد شمعة تأتي رياحٌ لا نشتهي مجيئها، فتُطفِىء تلك الشمعة، وتطفيء أحلامنا معها.
تقول له: الرياح لا تهُبّ باستمرار، ولا ييأس أبداً من يعبد الجبَّار جل جلاله.
فيقول لك: إذا سكنت الرياح والزوابع والأعاصير، فاجأتكَ الزلازل والبراكين، واقتلعتكَ من جذورك.
تقول له: لا تنسَ أن الأمر كلًه بيد الله، والله أكبرُ من كل كبير؛ و«إنَّ مع العُسر يُسراً»، و «سيجعل الله بعد عُسرٍ يُسراً».
فيقول لك: لا أرى في الأفق سوى عُسرٍ زادهُ العُسر عُسراً.
تقول له: صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا .. من راقب اللهَ في الأمور نجا.
فيقول لك: صبرتُ صبراً يعجز الصبرُ عنه، وما حصدتُ سوى الشوك والضنْك.
تقول له: «لا يُكلِّفُ اللهُ نفساً إلا وُسعَها»… قريباً ستنجلي الهموم عن قلبك.
فيقول لك: قد همَّ قلبي بذكر همومه، فهمَّهُ همٌ أكبرَ من همِّه، فبقي مهموماً بالذي همَّهُ عن همِّه.
تقول له: سلامة قلبك يا قلبي؛ أنظر إلى من هو أدنى منك منزلةً في الدنيا، وأشدّ ابتلاءً، وأقلّ مالاً، لتعرف قيمة النعمة التي أنت فيها.
فيقول لك: إني لا أرى أحداً أشدّ ابتلاءً، وأكثر حرماناً مني؛ وأنت لن تقدر على أن تشعر بي، وتفهم معاناتي، وتعرف مكنونات نفسي…
حسناً، أتدري ماذا؟
صدقت، لا أحد من البشر يعرف نفسك أكثر منك… فالرضا، والفرح، والسعادة، والسرور، خيارٌ شخصي؛ وقرارٌ داخلي، ينبع من فكرٍ ناضج، ومشاعر متزنة، وقلب متسامح، ونفس صافية، وثغر باسم يستطلع الخير والأمل والفرج… بيْدَ أنّك – على العكس تماماً – تخوض غمار القلق والانكسار، وترفع راية اليأس والهزيمة، وتُمعن في تعقيد حياتك؛ فتلاحق بصيص الأمل لترمي عليه سربال الشقاء، وتصيب سعادتك في مقتل!
في البخاري، عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أنَّ النبي ﷺ دخل على أعرابِيٍّ يَعودهُ.
فقال له: “لا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ الله”.
قَالَ الأعرابي: “قُلتَ: طَهُورٌ؟ كلّا، بَلْ هي حُمَّى تَفُورُ، علَى شيخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ القُبُورَ”. فَقَالَ النبيُّ ﷺ: “فَنَعَمْ إذاً”.
شتّان بين أن تستقبل قضاء الله وقدره راضياً، صابراً، محتسباً، راجياً ما عند الله من أجر وثواب، فتربح؛ وبين أن تتذمر، وتشتكي، وتسخط، وتيأس، فتخسر. ثم إنّك – في الحالتين – لن تغيّر قضاء الله النافذ.
كان يمكن للأعرابي المريض أن ينظر بإيجابية الى الحُمّى على أنها مَطْهرةٌ، وتنقيةٌ له من ذنوبه، كما تمنّى له الرسول ﷺ، لكنه أبى إلا أن يختار النظرة السوداوية السلبية اليائسة، معلناً أنّ هذه الحُمّى لا ريبَ مُهلكته؛ إذ أنها تغلي عليه الى أن تورده القبر!
أرأيت كيف أننا نختار ترجمة الأحداث، والظروف، والتصرفات، والكلمات، والتعامل معها بناءً على استعدادنا النفسي، وبُعدنا الثقافي، وجوّنا الإيماني؟
إنه قرار داخلي، أليس كذلك؟ وكذا السعادة!
أنت لن تجد انساناً أو شيئاً قادراً على إسعادك: لا مال، ولا جاه، ولا زوجة، ولا أولاد… إذا لم تبادر أنت بنفسك إلى التسلح بالإيمان العملي؛ فتعمد إلى حلحلة تلك الأقفال الثقيلة التي وضَعْتها على أبواب الفرح… انزعها، وافتح تلك الأبواب، ودع أشعة الشمس الدافئة تنساب على قلبك بهجةً، وانشراحاً، وحيوية.
سعادتك تنبع من نفسك وحدها… السعادة قرارٌ داخلي.
اتخذ قرارك الآن!