خلقنا الله سبحانه وتعالى في أحسن تقويم، وأنعم علينا بالكثير من النعم في أجسامنا التي تساعدنا على الاستمتاع بحياة طبيعية وصحيّة وسليمة، ومن أهم ما أنعم الله على الإنسان نعمة الحواس الخمسة، السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس. وفي مقالنا هذا سنتحدّث عن الحاسة الأهم التي يعتمد عليها الإنسان كثيراُ في ممارسة حياته الطبيعية العادية، ألا وهي حاسة السمع.
تعدّ حاسةُ السمع الحاسّة الأولى التي تبدأ بالعملِ عند الطفل بعد ولادتِه مباشرة، حيث تتكوّن الأذن لدى الجنين في الشهر الخامس من الحمل، وتبدأ مهامها فوراً في التقاط الذبذبات الخارجيّة الواصلة له عبر السائل الأمينوسي المغلف له في الرحم، كصوت المشيمة، والمعدة، ونبضات قلب الأم، بذلك تكون حاسّة السمع أول الحواس التي تعمل فعليّاً في جسم الإنسان.
فقد أثبتت الأبحاث أن الطفل في بطن أمه يستطيع أن يميز الأصوات , كما أنه يتأثر بالأصوات الخارجية حتى أن سرعة دقات قلبه تتغير حسب نوع الصوت الذي يسمعه وشدته .
كما أنّها الحاسّة الوحيدة التي تبقى قيد العمل أثناء النوم، بينما الحواسّ الأخرى ساكنة. فالإنسان يستطيع أن يعطل جميع حواسه كالنظر بإشاحة الوجه لغض النظر , والتذوق بالامتناع عن الأكل , والشم بإغلاق الأنف واللمس بعدم لمس أي شيء معين , ولكن الأذن لا نستطيع تعطيلها ولو وضعنا أيدينا عليها لأنه سوف يصلنا الصوت حتماً.
فكم سمعنا عن علماء وأدباء و فلاسفة ضريرين مثل الشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ عبد العزيز آل الشيخ والشاعر أبو العلاء المعري و الأديب طه حسين و غيرهم كثيرون و لكننا لم نسمع عن عالم أو أديب أصم .
أهميّة حاسّة السمع
تعد من أهم الحواس على الإطلاق؛ لأن حدوث أية مشاكل فيها يجعل الإنسان صعب التأقلم مع بيئته الخارجية، حيث يصاب بقصور عقلي، وتردي في مدركاته، ووعيه، وتفكيره، وبالتالي إصابته باضطرابات سلوكية، وجسدية شديدة.
وتكمن أهمية حاسة السمع في استـــقبال الصوت وفي فهم الكلام المسموع وتفسيره، كما أن لها أهمية كبرى في تأمين التواصل بيــن الشخـــص والآخرين. ومن منا لم يعــتمد على مهاراته السمعية، سواء في المدرسة، أو في الجامعة، أو في العمل من أجل تمييز ما يدور حوله.
كما تعتبر حاسّة السمع الوسيلة التي يتم من خلالها تعلم النطق، والتواصل مع العالم الخارجي، فإذا ولد الإنسان وهو أصم، فهو سيحرم من النطق حتماً، لعدم قدرته على اكتساب أي مخزون لغوي أثناء فترة حياته.
وللأذن وظيفة أخرى بالإضافة للسمع وهي حفظ التوازن، فهي تحتوي على أعضاء خاصة تستجيب لحركة الرأس فتعطي الدماغ معلومات عن أي تغيير في وضع الرأس، فيقوم الدماغ ببعث رسائل إلى مختلف العضلات التي تحفظ الرأس والجسم ثابتين، كما هو في حال الوقوف أو الجلوس أو السير أو أي حركات أخري.
ترتبط حاسّة السمع بمراكز التفكير العليا في المخ ارتباطاً وثيقاً، وهذا ما جعلها تتقدم الحواس في الأهمية، إذ إنّ مركز السمع في المخ أكثر تقدماً، وتطوراً من مركز البصر، وبقية الحواس الأخرى.
وفي المجمل تعتبر هي الحاسة المتحكمة في جسم الإنسان كله، من توازن، وتنسيق للحركة، وتنظيم العمليات الحيوية، كما أن لها دوراً كبيراً في التحكم بالجهاز العصبي، والتأثير على وظائفه.
مكونات الأذن
توجد أذن على كل جانب من رأس الإنسان وتمتد الأذن إلى بعد عميق داخل الجمجمة، وتتكون كل أذن من ثلاثة أجزاء رئيسية هي: الأذن الخارجية والأذن الوسطى والأذن الداخلية
الأذن الخارجية: تتكون من جزأين هما: الصيوان وقناة السمع الخارجية التي تجمع الأصوات.
قناة السمع الخارجية: هي الفتحة التي ترى بالنظر المباشر إلى الأذن، وهي طريق يؤدي إلى طبلة الأذن، ويحتوي الجلد في الثلث الخارجي منها على شعر، وغدد عرقية، وغدد أخرى تفزر مادة صمغية تسمى شمع الأذن وهو يساعد على حماية الطبلة بالتقاط الأوساخ التي قد تتجمع حولها. وقد يتطلب الأمر في بعض الأحيان تدخل الطبيب للتخلص من هذا الشمع المتراكم، وينبغي ألا يحاول أي شخص إخراج هذا الشمع بنفسه باستعمال بعض الأشياء الصغيرة مثل أعواد الثقاب إذ قد يؤدي ذلك إلى تمزق الطبلة.
الأذن الوسطى: ويوجد بها ثلاث عظيمات تسمى العظيمات السمعية يتصل بعضها ببعض وهي المطرقة والركاب والسندان، ووظيفتها نقل الأصوات إلى الأذن الداخلية.
الأذن الداخلية: وتتكون من القوقعة وهي تشبه الصدفة الحلزونية وتتكون من حلزون يدور حول نفسه مرتين ونصف المرة و القنوات شبه الدائرية. وهي الجهاز الخاص المستقبل للأصوات والذي ينقلها بواسطة عصب السمع إلى المخ.
قناة استاكيوس : تربط بين الأذن الوسطى والحلق فيتساوى ضغط الهواء على الجانبين الداخلي والخارجي لطبلة الأذن. وإذا لم تنفتح هذه القناة فقد تتمزق طبلة الأذن نتيجة الاختلاف المفاجئ لضغط الهواء خارج الطبلة، الذي يرافق الصعود أو النزول في المصعد أو أثناء هبوط وإقلاع الطائرة. وفي العادة يشعر الشخص في هذه الأحوال بصوت خفيف في الأذن إذ تنفتح قناة استاكيوس مما يسمح للهواء بالدخول أو الخروج من الأذن الوسطى.
قصور الأذن البشرية
يتكون الصوت من ذبذبات تسير في موجات عبر الهواء أو الأرض أو مواد وأسطح أخرى. وتختلف الأصوات من حيث التردد والشدة، فالتردد هو عدد الذبذبات التي تحدث كل ثانية وتقاس بالهرتز، والهرتز يساوي ذبذبة واحدة كل ثانية، والصوت ذو التردد العالي له درجة نغم عالية. وبالمقابل فإن الصوت ذا التردد المنخفض له درجة نغم منخفضة. ويتراوح مدى السمع الطبيعيّ للإنسان ما بين 20 و20،000 هرتز. وتقل قدرة الإنسان على سماع الأصوات ذات التردد العالي مع التقدم في العمر، أما شدة الصوت فهي كمية الطاقة في موجة الصوت، وهي تقاس بالديسيبل.
تتفوق أذن الحيوانات على أذن الإنسان كثيراً حتى إن الخفافيش والدلافين تستطيع أن تسمع حتى120000 ذبذبة لكل ثانية.
فالخفافيش تستطيع سماع الأصوات ذات التردد العالي جدًا بدرجة أفضل من الإنسان.
ويعتمد الخفاش على السمع في حركته وذلك من خلال الاستعانة ببروز يسمى محدد موقع الصدى،إذ يُطلِق نبضات فوق صوتية تنعكس من أي شيء يقع في طريقه أثناء الطيران فيسمعها بأذنيه الكبيرتين، ويقرر بكل دقة بُعد الأشياء والفريسة تماماً، وكذلك يحدد بشكل رائع اتجاهها، وقد قلده البشر، وقلده العلماء ودرسوا هذه الظاهرة، وكانت هي القاعدة الأساسية التي أقاموا عليها فكرة الرادار في اكتشاف الطائرات، فسبحان رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى.
لماذا نسمع الأصوات أثناء نومنا؟
نحن لا نفقد حاسة السمع أثناء النوم إلا أن هناك قدرة على التمييز بين الأصوات أثناء النوم والتي تقرر ما هي الأصوات التي تستحق الاستيقاظ، وهذا جزء من عمل منظومة اليقظة التي تقع في الفص الجبهي للدماغ. فالأم مثلا تسمع أصواتا كثيرة أثناء نومها ولا تستيقظ، لكن بمجرد سماع صوت طفلها تقفز من سريرها لتتفقده.
يقول خبراء الصحة إن حواسنا تبقى في حالة يقظة حتى أثناء النوم، فرغم أن الجفون تغطي العيون خلال النوم، فإنها تملك مستقبلات صغيرة تدرك عبرها ما إذا كان هناك ضوء في الخارج أم ظلام مثلا. ويفسر خبراء الصحة الأمر بأنه أثناء النوم يقوم الدماغ بعملية تخفيض لمنبهات الحواس عبر تصفيتها. ويعد المهاد الموجود في الدماغ البيني هو المسئول عن ذلك بصفة أساسية، ويطلق عليه “بوابة الوعي” التي يصعب اجتيازها عند النوم.
ووفقا لتفسير كلام الخبراء، فإنه كلما كانت الإشارة الضوئية قوية أو الإشارة الصوتية صاخبة، كان من الأرجح لنا إدراكها ونحن نائمون،علاوة على ذلك فإن الدماغ يستيقظ عند وجود إشارات جديدة بالنسبة له أو عند غياب حافز مألوف كضجيج حركة المرور مثلاً.
وبالنسبة لما يُعرف بـ”نوم القابلات”، تنتبه الأمهات والآباء أحيانا مع كل همسة لأطفالهم الرضع. ويفسر خبراء الصحة ذلك بأن غريزة الحماية ومشاعر الأمومة تسمح للمحفز باختراق بوابة الوعي.
آلية عمل حاسة السمع
تعتبر عمليّة السمع عملية معقدة، فكل شيء يتحرّك يُحدث صوتاً، وهذه الأصوات تتكوّن من اهتزاز جزئيات الهواء التي تنتقل في موجات إلى الأذن، حيث يتم تحويلها إلى اهتزازات مرّة أخرى لتنتقل إلى الأذن الداخلية، ثم إلى العصب السمعي، ثم إلى الجزء المسئول عنه في الدماغ، والذي يقوم بدوره بترجمة هذه الإشارات العصبية إلى ما نسمعه من أصوات.
يقول ابن قيم الجوزية في كتابه التبيان في أقسام القرآن (ص 306 – 307) :
لقد خلق الله سبحانه الأذنان: شقهما تبارك وتعالى في جانبي الوجه، وأودعهما من الرطوبة، ما يكون معيناً على إدراك السمع، وأودعهما القوة السمعية، وجعل سبحانه في هذه الصددية انحرافات واعوجاجات، لتطول المسافة قليلاً، فلا يصل الهواء إلا بعد انكسار حدته، فلا يصدمها وهلةً واحدةً، فيؤذيها، وأيضاً فلا يفاجئها الداخل إليها، من الدبيب والحشرات، بل إذا دخل إلى عوجة من تلك الانعطافات، وقف هناك فسهل إخراجه.
وكانت العينان في واجهة الوجه، والأذنان في جانبيه، لأن العينين محل الملاحة والزينة والجمال، وهما بمنزلة النور الذي يمشي بين يدي الإنسان، وأما الأذنان فكان جعلهما في الجانبين، لكون إدراكهما لما خلف الإنسان، وأمامه وعن يمينه وعن شماله، سواء، فتأتي المسموعات إليهما على نسبة واحدة، وخُلقت العينان بغطاء والأذنان بغير غطاء، وهذا في غاية الحكمة، إذ لو كان للأذنين غطاء لمنع الغطاء إدراك الصوت، فلا يحصل إلا بعد ارتفاع الغطاء، والصوت عرض لا ثبات له، فكان يزول قبل كشف الغطاء بخلاف ما تراها العين، فإنه أجسام وأعراض لا تزول، فيما بين كشف الغطاء وفتح العين، وجعل سبحانه الأذن عضواً غضروفياً ليس بلحم مسترخٍ، ولا عظم صلب، بل هي بين الصلابة واللين فتقبل بلينها، وتحفظ بصلابتها ولا تصدع انصداع العظام، ولا تتأثر بالحر والبرد، والشمس والسموم، تأثر اللحم، إذ المصلحة في بروزها، لتتلقى ما يرد عليها من الأصوات والأخبار.
إن مما يزيد المرء يقيناً بالله، وتبصّراً في عظيم قدرته، وإيماناً بكمال إرادته، ما يتراءى أمامه من عجائب لأي جزء في جسم الإنسان كجهاز السمع مثلاً، بعدما تكلم المختصون في دقائق هذا الجهاز، وخصائص العمل. و بتقدم الطب صارت معه حاسة السمع ميداناً فسيحاً مستقلاً، فلا يزال أمام الأطباء المتخصصين مجالاً للزيادة وكشف خفايا الأذن لأن الطب والأبحاث في تقدّم مستمر.