استطاعت دول جنوب شرق آسيا أن تحقق نجاحات باهرة  تردد صداها في مختلف مناطق الأرض، وتغنَّى بتجربتها الكثير من الدول الطامحة إلى النمو والإزدهار. كانت هذه التجربة تحمل الكثير من المعاني والدلائل منها أن الأمم قادرة على النهوض بنفسها مهما صحت منها العزيمة.

كان  التطور السريع والمتميز  الذي عرفته هذه الدول عاملا مهما في جعل السوق الآسيوية إحدى أكبر الأسواق في العالم جلبا للإستثمارات، ساعد في ذالك الاستقرار السياسي لهذه البلدان، وسهولة إنسيابية هذه الاستثمارات وتطور البنية التحتية.

شكل ظهور المالية الإسلامية في الدول الآسيوية  فرصة كبيرة لهذه الدول للإستفادة من ما يقدمه هذا النظام المالي الجديد من فرص إستثمارية كبيرة إضافة إلى ما  يتسم به هذا  النظام من المرونة و الصمود أمام المطبات والأزمات المالية المتوالية.

المالية الإسلامية في الدول الآسيوية

عرفت المالية الإسلامية تطورا كبيرا في بعض الدول الآسيوية وذالك من خلال الإهتمام الكبير الذي حظي به هذا النظام المالي من طرف هذه الدول ، ساهم في ذالك تطور المنظومة  التعليمية و الدعم الحكومي.

حيث أنفقت هذه الدول مبالغ مالية هائلة في تطوير وتحسين أداء المالية الإسلامية، كما أنشأت مراكز بحثية و أقامت مؤتمرات سنوية إقليمية ودولية ، وأعطت للنظام المالي الجديد  عناية إعلامية خاصة ،  كان لهذا الإهتمام الأثر البالغ على إزدهار  وتطوير المالية الإسلامية في الدول الآسيوية وبرزت دول عديدة ذات باع طويل وتميز كبير في هذا المجال مثل ماليزيا وأندنوسيا و بروناي دار السلام.

ساهمت المالية الإسلامية في إزدهار سوق الإستثمار في الدول الآسيوية و اعتمدت هذه الدول الكثير من المعاملات المالية الإسلامية في تمويل مشاريع ضخمة شملت البني التحية  مثل تشييد المطارات و القطارات والجامعات وغيرها من المشاريع التي تحتاج تمويلات ضخمة.

الصكوك الخيار الإستراتيجي الأمثل للدول الأسيوية

حققت المالية الإسلامية نجاحات كبيرة دفعت بالعديد من الدول الآسيوية إلى طرق باب السوق المالية الإسلامية بغية الإستفادة من الإستثمارات المقدمة في هذه السوق وخاصة “الصكوك”، ففي مؤتمر بروناي دار السلام للاستثمارات الإسلامية 2013 أكد الخبير المالي من مؤسسة البنك الإسلامي للتنمية محمد عزمي عمرو أن قيمة السوق المالية الإسلامية وصلت 1.7 تريليون دولار إضافة إلي معدل نمو من 15 _ 20 % سنويا.

كان حجم المشاركة في هذا المؤتمر وتنوع المشاركين يعكس الأهمية الكبيرة للسوق المالية الإسلامية بالنسبة لهذه الدول ، حيث قدمت بحوث عمل من كوريا الجنوبية و هونغ كونغ وسينغافورة وماليزيا وعكست تدخلات المؤتمرين أهمية المالية الإسلامية لإنتعاش إقتصادات هذه الدول، و ركزت مختلف الدراسات المقدمة على أهمية ” الصكوك الإسلامية ” في تمويل المشاريع الضخمة و تحقيق الإتعاش الإقتصادي.

لماذا الصكوك الإسلامية ؟

في دراسة ميدانية أعدها مركز بحوث الاقتصاد والمالية الإسلامية التابع لجامعة ماليزيا الوطنية UKM حول تفضيل الشركات الاستثمارية للصكوك الإسلامية على حساب التقليدية . أثبت النتائج الدراسة أن المعايير التى تهتم بها الشركات في اختيار الصكوك الإسلامية على التقليدية تشمل : حجم الشركة ، آخر أداء يسجله الصكوك في السوق إضافة إلى كفاءة النظام الضريبي.

الدراسة شملت 79 شركة مصنفة في البورصة الماليزية ، وقامت بتحليل مجموعة متغيرات  شملت : رأس المال المستثمر ، حجم الشركة ، العائدات على الأصول ،إضافة إلى آخر أداء في السوق لكل من الصكوك الإسلامية و التقليدية.

إضافة إلى ما ذهبت إليه الدراسة،  يشهد سوق الصكوك الإسلامية ازدهارا كبيرا خاصة في دول التعاون الخليجي ودول جنوب شرق آسيا حيث بلغت قيمة الصكوك في الأشهر الثلاثة من هذا العام في كل من (ماليزيا ـ دول التعاون الخليجي ـ إندنوسيا،  سنغافورة ، تركيا و باكستان) 11.1 مليار دولار.  هذا النمو السريع للمالية الإسلامية وخاصة الصكوك جعل دول كثيرة تدمج التعاملات الإسلامية في منظومتها المالية وتستهدف هذه السوق للجديدة بغية تحقيق المزيد من الازدهار الاقتصادي.

الصكوك في ماليزيا

تعتبر ماليزيا إحدى أهم أسواق المالية الإسلامية في العالم بشكل عام وفي دول جنوب شرق آسيا بصفة خاصة ، حيث استطاعت من خلال سياستها المالية المتقنة و كفاءة نظامها في الاستثمارات أن تحافظ وتقوي مكانتها كسوق عالمي للصكوك الإسلامية ، فقد نجحت ماليزيا نجاحا كبيرا في كسب ثقة المستثمرين وهو ما يعكس ضخامة الاستثمارات في مجال الصكوك في سوقها المالية. حيث يوجد 195 حساب لمستثمرين من مختلف العالم ضمن لائحة المسجلين لدي الحكومة في ما يعرف  بـ(benchmark global trust certificates   ) بالصكوك بالوكالة مدة 10 إلي 30 سنة.  ومن المفترض أن توفر الحكومة الماليزية من هذه الاستثمارات ما قيمته 6.3 مليار دولار. وقد قامت شركة ماليزية متخصصة في التمويل الإسلامي تعرف بـ (Malaysia Sukuk Global Bhd  ) بتسعير أوراق الصكوك بنسبة 3.18 و 4.08 على التوالي.

الجديد في موضوع التمويل بالصكوك الإسلامية هو اعتماد الحكومة الماليزية لصيغة صكوك الوكالة عوضا عن الطريقة القديمة التي كانت تعتمد صيغة صكوك المرابحة والتي تعتمد أصول ثابتة ، الصيغة الجديدة المعروفة بـ(صكوك الوكالة) من المفترض أن تكون أكثر مرونة و سهولة في التطبيق من صكوك المرابحة حيث واجهت الأخيرة بعض المشاكل منها صعوبة تحويل الأصول الثابتة كالمباني وغيرها إلى سيولة بينما تعتمد صيغة صكوك الوكالة الجديدة سندات الخزينة

الصكوك في أندنوسيا 

تعتبر أندنوسيا ثاني أكبر سوق للصكوك في دول شرق آسيا من حيث الحجم ، في مايو 2008 وبعد أن وافقت الهيئة الشرعية العليا في أندنوسيا بدأت الحكومة في تبني الصكوك الإسلامية كمصدر للتمويل وتوفير السيولة. تشكل الصكوك نسبة 7.4% من سوق الأوراق المالية في أندنوسيا ويرجع خبراء المالية هذا الأمر لكون سوق الصكوك مستهدفة بشكل أكبر من الحكومة بينما لا تزال شركات القطاع الخاص ذات أداء ضعيف بخصوص الاستثمار في هذا المجال. فخلال نهاية 2013 بلغت قيمة الصكوك في السوق الإندونيسية 12 مليار دولار 90% منها للحكومة الإندونيسية.

اعتمدت الحكومة الإندونيسية إجراءات إصلاحية جدية تستهدف سوق الأوراق المالية الإسلامية ، على سبيل المثال فيما يتعلق بسوق الصكوك تم إصدار ما يعرف ب Retail Sukuk for Individual    وقد حققت هذه الصيغة الجديدة للصكوك أكبر مبيعات في التاريخ حيث سجلت 2.4 مليار دولار.

الصكوك في اليابان

الوكالة  اليابانية للخدمات المالية المعروفة اختصارا ب JFSA هي مؤسسة حكومية مسؤولة عن سن القوانين والتشريعات المالية ، ورقابة البنوك و شركات التأمين و مؤسسات الاستشارات المالية. لضمان إستقرار السوق المالية ، أعطت هذه الوكالة سنة 2008 الضوء الأخضر للبنوك اليابانية  لإدخال التعاملات المالية الإسلامية إلى منظومتها البنكية.

بهذه الخطوة تكون اليابان قد حسمت أمرها بخصوص تبني المالية الإسلامية للاستفادة مما تقدمه هذه المنظومة من خدمات استثمارية لا قت نجاحاً كبيراً حول العالم.  تستهدف اليابان سوق الصكوك بشكل محدد وسبق اهتمامها بالصكوك قرار الوكالة JFSA بتبني إدخال المعاملات المالية الإسلامية في النظام البنكي الياباني. وفي هذا الإطار فإن ثلاث مؤسسات مالية يابانية كبرى قامت باعتماد الصكوك كانت أولي هذه الشركات Aeon Credit Services Malaysia  حيث أصدرت صكوك 2007 مستخدمة صيغة صكوك المشاركة، ثم شركة UMW Toyota Capital  سنة 2008 مستخدمة صكوك المشاركة أيضا ، بينما أطلقت الشركة الثالثة وتعرف ب Nomura Holdings صكوك الإجارة سنة 2010.

ولدت هذه التجربة انطباعا جيدا لدي اليابانيين بخصوص الصكوك الإسلامية،  فقامت الحكومة بالمزيد من الدراسات والبحوث بهذا الخصوص وقد توج هذا النجاح التى حققه الصكوك بإطلاق أول صكوك يعتمد الين الياباني حيث أعلن بنك طوكيو ميتسوبيشي UFJ إطلاق أول صكوك يعتمد العملة اليابانية  بقيمة 2 مليار ين ياباني.

هناك دول أخرى في آسيا حققت في سوق الصكوك نجاحات باهرة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وباكستان ، نجاحات أعطت دفعا للمالية الإسلامية و دفعت بها إلى المزيد من الانتشار والتوسع.  ذكرت تقرير نشرته EY للاستشارات المالية من أن التوقعات تشير إلى ارتفاع الطلب على الصكوك من 300 مليار دولار إلى 900 مليار دولار في سنة 2017.

استفادت دول كثيرة من برامج الصكوك الإسلامية ومنحتها فرصة كبيرة في إنجاز مشاريع ضخمة كمشاريع البنية التحتية و تمويل مشاريع حكومية مدرة للدخل ، وعلى الرغم من هذه النجاحات في آسيا و دول التعاون الخليجي و الشرق الأوسط ، إلا أنه لا تزال هناك مناطق من العالم ذات كثافة سكانية ضخمة و موارد اقتصادية معتبرة  كالنفط النيجيري و قطاع المعادن الموريتاني وغيرها من دول الساحل الإفريقي.