ضمن مواكبة المالية الإسلامية لكل ماهو جديد ومبتكر في مجال سوق المال والأعمال وفي إطار الاستراتيجية لدى مؤسسات المالية الإسلامية لتوفير الخيار والبديل الإسلامي ، أعلنت عدة دول عن إطلاق “الصكوك الخضراء” وهي صكوك جديدة تعتمد على الإستثمار في مجال المشاريع المحافظة على البيئة وكذلك مشاريع الطاقة المتجددة ، وشهدت سوق الصكوك الخضراء نموا متزايدا خلال الفترة الأخيرة ، حيث سجل حجم هذه السوق قيمة 30 مليار دولار خلال الربع الأول من العام 2017 ، كما زادت قيمة هذه الصكوك بنسبة 16%.
وترتكز فكرة الصكوك الخضراء على مجموعة من الأسس في مقدمتها المحافظة على البيئة وترشيد الموارد الطبيعية ، التوازن في استخدام الطاقة ، تعزيز فكرة الطاقة المتجدة ، والحد من الانبعاث الحراري ، هذه الأسس تعتبر مهمة جدا للمساعدة في جهود العالم اليوم لمحاربة الآثار البيئية التى سببتها الثورة الصناعية المعاصرة والتى زادت من حدة الظواهر المناخية التى أصبحت تشكل خطرا على الإنسان والطبيعية. هذه المقالة تركز على أهمية الصكوك الخضراء ودورها كمنتج جديد في سوق المالية الإسلامية يساهم في تحقيق السلامة البيئية من جهة ويشكل خيارا في سوق المال والأعمال من جهة ثانية.
لماذا الصكوك الخضراء؟
ظهرت الصكوك الخضراء كخيار تمويلي يستهدف المشاريع التنموية ومشاريع البنية التحتية وكذلك أداة لتقليص الفجوة بين المالية الإسلامية وسوق المال الدولي. المستثمرون في مجال التنمية المستدامة و في مجال الصكوك يقبلون على الاستثمار في مشاريع معينة تتماشي مع مجموعة القيم و المثل التي يحملونها، لذلك وجدت الصكوك الخضراء لتكون وسيلة لتمويل مشاريع صديقة للبيئة ، حيث تم تصميم هذه الصكوك لتحقق أهداف المشاريع التنموية الضخمة مع مراعاة الآثار البيئية لهذه المشاريع ومن ضمن المشاريع التى تستهدفها الصكوك الخضراء : مشاريع الطاقة المتجددة كبناء محطات توليد الطاقة الشمسية ، والريح وغيرها من المشاريع الصديقة للبيئة والتى تحتاجها الدول اليوم في ظل تنامي مشاكل الطاقة وزيادة تكاليفها وكذلك الأضرار البيئية التى تسببها الطاقة غير المتجددة.
تكلف مشاريع الطاقة المتجددة في العديد من الدول مليارات الدولارات وتعتبر هذه المشاريع بمثابة فرصة كبيرة للتمويل الإسلامي وخاصة الصكوك الخضراء لتحقيق النجاح وتقديم البديل الإسلامي في مجال التمويل ، إن نجاح الصكوك الخضراء في استقطاب نسبة كبيرة من هذه المشاريع يشكل توسعا هاما لسوق المالية الإسلامية ويرسم انطباعا قويا على مدى قدرة المالية الإسلامية على توفير البدائل التى تحتاجها سوق المالية الإسلامية.
تحديات تواجه الصكوك الجديد
تواجه الصكوك الخضراء مجموعة من التحديات التى تسهم في بطئ نموها وضعف انتشارها ، هذه التحديات منها ما هو قانوني بحت ومنها ما هو تنظيمي ومنها ما يتعلق بالتقييم الدولي. من أهم هذه التحديات وأبرزها الحصول على قبول هذه الصكوك من المستثمرين الدوليين وذلك نتيجة لضعف مقاييس تقييم المخاطر واحتمالية تعرض هذه الصكوك لأحكام قانونية.
إن مواكبة التمويل الإسلامي لمشاريع البيئة من خلال الصكوك الخضراء يحتاج قدرة على توحيد الأدوات المحلية وسن قوانين مرنة تجمع بين القدرة على تحقيق الأهداف والإيجابية في مواجهة الأخطار ، لذلك يعتبر من ضمن التحديات التى تواجه الصكوك الخضراء طول المدة الزمنية التى تأخذها هيلكة وتقنين هذا الصكوك ، حيث أن صياغة هذه القوانين والنظم التى تجعل هذه الصكوك مقبولة لدى الحكومات والمستثمرين والمشرعين يأخذ وقتا طويلا وهو ما يشكل تحدي كبير ينجم عنه زيادة في تكاليف هذه العملية، إن العمل على توحيد إطار قانوني وتنظيمي محلي لهذا الصكوك يعتبر مخرجا مؤقتا من هذه المعضلة.
لا تزال معايير التقييم في السوق الخاصة بالصكوك الخضراء في تطور بطيئ وهو مايكعس بدائية هذه السوق وحاجتها للمزيد من العمل والابتكار لتطوير معايير التقييم والإطار التنظيمي. وبالرغم من وجود نظام توجيهي لرابطة السندات الخضراء لاتحاد رأس المال الدولي أطلقته مجموعة من البنوك العالمية سنة 2014 حيث يشمل هذ النظام طريقة استخدام العائدات ، عملية تقييم المشاريع وتحديد الخيارات ، إدارة العائدات وتقديم التقارير فإن الاستفادة من هذا النظام التوجيهي لايزال يشكل تحديا للصكوك الخضراء.
في هذا الإطار قدمت مبادرة “سندات المناخ” وهي منظمة تسعى لتوفير سندات بقيمة 100 تريليون دولار من أجل تمويل حلول لمشاكل البيئة ، هذه المجموعة قدمت سلسلة من الإرشادات بخصوص التحديات التى تواجه الصكوك الخضراء من ضمن هذه الإرشادات : نشر الوعي بين المستثمرين بأهمية هذه الصكوك وتأثيراتها الإيجابية على البيئة ، توضيح أهمية الطلب على إمداد الطاقة وما يشكله ذلك من بيئة مربحة ، أهمية الدعم الحكومي، مراعاة الطلب على تمويل الطاقة. تشكل هذه الإرشادات مجتمعة خطوة مهمة في وجه تطوير الصكوك الخضراء وتذليل العقبات التي تواجهها، إلا أننا نحتاج للتغلب على كل هذه التحديات إلى المزيد من العمل البحثي والأكاديمي ودعم الخبرات والابتكارات في هذا المجال.
كانت ماليزيا الدولة الرائدة في مجال المالية الإسلامية هي أول بلد إسلامي يطلق الصكوك الخضراء وذلك بدعم من الصندوق السيادي الماليزي في منتصف 2015 ، وتهدف ماليزيا من خلال هذا الصكوك إلى خلق استثمارات لمشاريع صديقة للبيئة وتقدم خيارا للمستثمرين الراغبين في استثمار يوافق مبادئ الشريعة و يسهم في حفظ البيئة التى أعطاها الإسلام عناية خاصة وأوصى بالمحافظة عليها. لا يزال استخدام الصكوك الخضراء محدودا في الدول الإسلامية وذلك نتيجة لحداثة هذا المنتج من جهة وكذلك للتحديات القانونية والتنظيمية من جهة أخرى.