الأصل في العلاقة الزوجية بين الزوجين هو الدوام والاستمرار، وتحمل كل منهما للآخر قدر المستطاع. فالحياة لا تصفو في كل أحوالها، والإنسان متقلب في حالاته. لهذا، جعل الله تعالى الزواج نعمة وآية من آياته، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ‌لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]. فإذا حصل نزاع بين الزوجين، فعلى كل طرف أن يتغاضى عن الآخر ما أمكن، أو يتم السعي للصلح بينهما، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا ‌حَكَمًا ‌مِنْ أَهْلِهِ ‌وَحَكَمًا ‌مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء: 35]. ومن فقه الطلاق التعرف على الحكم الشرعي حول ما يعرف اليوم بالطلاق العاطفي.

معنى الطلاق العاطفي

ليس في مصطلحات الفقهاء ما يعرف بـ”الطلاق العاطفي”، وإنما هي تسمية إعلامية شاعت بين الناس. والمقصود بها: بقاء الزوجية بين الزوجين شكلاً لا مضمونًا، حيث لا يطلق الرجل زوجته، وتبقى معه على ذمته، لكن دون وجود حياة زوجية كاملة. ومن مظاهر الطلاق العاطفي: ترك الجماع بين الزوجين، وعدم التفاعل بينهما، أو أن يعيش كل منهما في بيت واحد دون وجود علاقة حقيقية؛ كأنهما أجنبيان.

أنواع الطلاق العاطفي

هذه التسمية (الطلاق العاطفي) قد تحمل أكثر من صورة، ومنها:

1. تعليق الزوجة

معنى “تعليق الزوجة” أن يُبقي الرجل زوجته على ذمته دون طلاق بقصد الإضرار بها، أو عقابها، أو للضغط عليها حتى تطلب الطلاق وتتنازل عن حقوقها، أو يجبرها على الخلع. يناقش الفقهاء هذه المسألة في سياق إرجاع الرجل لزوجته بعد طلاقها بقصد الإضرار بها.

وتعليق الزوجة، بمعنى إبقائها زوجة شكلاً دون حقوق الزوجية، يُعد حرامًا شرعًا. قال تعالى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ‌ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ [البقرة: 231]. قال ابن المنذر: “ليس الإضرار من أخلاق الصالحين والمتقين”، وروينا عن رسول الله : «من ضار أضر اللَّه به».

2. انفصال الزوجين بدون طلاق

إذا كانت الحياة بين الزوجين فيها مشقة وعسر وضرر على الطرفين، لكنهما يرغبان في إبقاء الحياة الزوجية شكلاً، مع تنازل كل منهما عن حقوقه، فقد ترغب المرأة في البقاء زوجة اسميًا لحفظ نفسها أمام المجتمع، أو لأجل الأولاد، وهي غير راغبة في الزواج، أو يتفقان على ذلك لأجل مصلحة الأولاد بينهما. في هذه الحالة، لا بأس بذلك، لأن هذا تنازل عن حق برضا، وإن كان الأولى الطلاق بينهما. قال تعالى: ﴿وَإِنْ ‌يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 130].

لكن في حالة التراضي بين الزوجين، يجوز ما يسمى بـ”الطلاق العاطفي”، مع بقاء أحكام الزوجية قائمة، من وجوب نفقة الزوج على زوجته، وحق القوامة للرجل، وأن كل تنازل يتم بالتراضي. في بعض الأحيان، قد يكون الطلاق العاطفي مفيدًا لمراجعة النفس، حيث يساعد الانفصال المكاني في مراجعة كل طرف لنفسه، مما قد يؤدي إلى عودة الحياة الزوجية بشكل أفضل.

3. الطلاق الصامت

من صور ما يعرف بـ”الانفصال العاطفي” أن يتفق الزوجان على العيش معًا تحت سقف واحد، لكن دون حياة زوجية حقيقية، وكأنهما أجنبيان. هذه الصورة إن كانت بقصد الإضرار، فلا تجوز، وإن كانت للإصلاح المؤقت، أو لتحقيق مصلحة متفق عليها، فهي في حكم الاختيار الجائز. ويمكن لهما بعد فترة إما العودة للحياة الزوجية كاملة، أو الطلاق.

خلاصة حكم الشرع في الطلاق العاطفي

1. شرع الله الزواج للمصلحة بين الزوجين، والأصل فيه الاستمرار والدوام.

2. الإسلام وضع قواعد لحل المشكلات بين الزوجين، وحذر من التسرع في الطلاق، وحث على التغافل والصلح.

3. شرع الطلاق إذا انقلبت الحياة ضررًا على كلا الزوجين أو أحدهما.

4. لا يجوز للرجل أن يبقي الزوجة على ذمته بقصد الإضرار بها وإذلالها؛ فهذا حرام شرعًا.

5. “الطلاق العاطفي” ليس الصورة المثلى في الإسلام، والأفضل عند استحالة العشرة الطلاق.

6. يجوز للزوجين إن رأيا مصلحة في بقاء الزوجية على الورق دون حياة زوجية حقيقة، أن يتفقا على ذلك؛ لأن هذا تنازل عن حق بشرط ألا يكون القصد الضرر.

7. “الطلاق العاطفي” لا يسقط الحقوق الزوجية بين الزوجين، سواء من جهة الزوج أو الزوجة.

8. يجوز “الطلاق العاطفي”، وللزوجين الخيار بعد فترة إما الإصلاح أو الطلاق، أو الإبقاء على الحالة، بشرط أن يكون ذلك برضاهما دون إجبار.