العربية هي بوابة نشر الإسلام، ووسيلة فهم خطاب القرآن للبشرية، لقد كان الدكتور موريس بوكاي صاحب كتاب” القرآن والتوراة والإنجيل في ميزان العلم الحديث” قبل إسلامه أشد أعداء الإسلام طعنا في مصدرية القرآن، ومشككا فيه، فيزعم أنه من كلام محمد”ﷺ”، حتى قابله عالم مسلم حاوره وناقشه وسأله: إن كان قد قرأ القرآن؛ فأجابه: نعم.
فكرر له السؤال : أقرأته بالعربية؛ فأجابه: لا فأنا لا أعرفها، وإنما قرأته مترجما.
فقال له: ما قرأته ولاعرفته، اقرأه بالعربية؛ وحينئذ أخبرني برأيك فيه!
فخصص له مدرسا للعربية مدة عامين، ثم بعد فهمه إياها، أقبل على قراءة القرآن؛ فتأثر به غاية التأثر، وأسلم وكتب كتابه الشهير.
ولقد تأملت بديع نظم القرآن في عرضه لدعوى المشركين العرب في إلحادهم بالقرآن، وزعمهم أنه من تعليم بشر مع علو بيانهم ومعرفتهم به غاية المعرفة، إذ ساقوا شبهتهم هذه ودعواهم الكاذبة بطريقة ركيكة كأنهم يتهامسون بها بينهم، ولايظهرونها على الملأ بشدة وقوة؛ لعلمهم بضعفها وهم أصحاب البيان، فحكى عنهم ذلك القرآن بقوله تعالى :
﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: 103]
فأكد سبحانه العلم بمقولتهم وفضحهم؛ بتأكيد العلم بما يتهامسونه بينهم على استحياء!
” ولقد نعلم أنهم يقولون” باللام و(قد) وأنّ وصيغة فعل العلم ” نعلم”
ثم بكتهم ووبخهم أن مازعموه من تعليم غلام أعجمي رومي له هذا البيان المبين؛ أمر مناقض للعقل والمنطق والفهم، وبعيد كل البعد من هذا البيان، الذي هو بلسانهم العربي الذي يدركون علوه وارتفاعه.
” لِّسَانُ ٱلَّذِی یُلۡحِدُونَ إِلَیۡهِ أَعۡجَمِیࣱّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِیࣱّ مُّبِینٌ “
ومن المدهش العجيب أنه قرن فعل يلحدون هنا بحرف الجر إلى ” يلحدون إليه” في حين أنه قرنه في موضع آخر بحرف الظرفية في.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ [فصلت: 40]
﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف: 180]
وذلك للدلالة على أن إلحادهم بالبيان، دون إلحادهم في الإيمان، بالشرك في آياته وأسمائه، لاتصال الفعل بحرف الظرفية الدال على التمكن والانغماس.
وأما إلحاد البيان بزعمهم أن هذا من قول بشر أعجمي؛ فهو زعم ضعيف ركيك واه، قالوه على وجه التهامس بينهم والخفاء؛ لعلمهم بركاكته وهم أصحاب اللسان والبيان، فلم يسو القرآن المعجز بينهما في محكم البيان.
فاللسان العربي هو الكاشف لحقيقة هذا القرآن المبين، وعمق معانيه، وإحكام مبانيه.