العلاج بالقراءة أو ما يُعرف بـ الببليوثيرابي (Bibliotherapy) هو أسلوب علاجي يستخدم القراءة الموجهة كوسيلة لتحسين الصحة النفسية والعاطفية، وتطوير الذات، والتعامل مع التحديات الشخصية عن طريق استخدام الكتب (سواء كانت أدبية، نفسية، دينية، أو تعليمية) بشكل منظم ومقصود لمساعدة الأفراد على:
- توجيه مشاعرهم وأفكارهم.
- التعامل مع القلق، الاكتئاب، أو الصدمات.
- تعزيز الثقة بالنفس والوعي الذاتي.
- تطوير مهارات التفكير والتأمل.
بهذا المعنى، تبنّى بعض المتخصصين في الطب هذا المفهوم، مثل آنا وسيغموند فرويد في أوائل القرن التاسع عشر، وقبيل نهاية الحرب العالمية الأولى، أُنشئت مكتبات في العديد من مستشفيات المحاربين القدامى، وأصبح العلاج بالقراءة يُستخدم كوسيلة لعلاج الصدمات النفسية التي يعاني منها الجنود.
في عام 2009، أجرى عالم النفس العصبي المعرفي الدكتور ديفيد لويس بحثًا أظهر أدلة على أن القراءة مفيدة بالفعل للصحة النفسية. في الواقع، أظهرت نتائج بحثه أن القراءة تعمل بشكل أفضل وأسرع من وسائل الاسترخاء الأخرى في تقليل مستويات التوتر. فقد أدى القراءة الصامتة لمدة ست دقائق إلى تقليل التوتر بنسبة 68٪، وهي نسبة أعلى من الاستماع إلى الموسيقى الذي قلل التوتر بنسبة 61٪، أو تناول كوب من الشاي بنسبة 54٪، أو المشي بنسبة 42٪.

متى بدأ العلاج بالقراءة؟
توجد مصادر متنوعة بقدر تنوع الكتب المتاحة، لكن العديد من المصادر تذكر أن مصطلح “العلاج بالقراءة” (Bibliotherapy) صيغ لأول على يد الصحفي الأمريكي صمويل كروذرز، وقد عرّف هذا المصطلح بأنه “فن استخدام الكتب لمساعدة الناس في حل المشكلات التي يواجهونها”. وذلك في عام 1916 في مجلة Atlantic Monthly الأمريكية، من خلال مقال بعنوان A Literary Clinic
هذا من حيث المصطلح نفسه ببليوثيرابي Bibliotherapyأما من حيث المفهوم نفسه وفكرة التداوي بالقراءة لم يكن كروذرز أول من دعا إلى القوة العلاجية للكتب؛ فقد تذكر بعض المصادر استخدام المصريين القدماء لهذا الاسلوب فيُذكر أن الملك رمسيس الثاني أنشأ في مصر غرفة خاصة لكتبه، ونقش على بابها عبارة: “بيت شفاء الروح” أما ربط الكلمتين (الكتاب والعلاج)، فيُعزى ذلك على نطاق واسع إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي اعتبر أن للأدب فوائد علاجية، وأن قراءة القصص الخيالية وسيلة لمعالجة المرض.
في التاريخ العربي والإسلامي، يُعتبر العلاج بالقراءة (الببليوثيرابيا) ممارسة ذات جذور عميقة، وإن لم تُسمَّ بهذا الاسم في البداية ، فقد احتوت العديد من المستشفيات القديمة على مكتبات داخل جدرانها لخدمة الموظفين والمرضى على حد سواء. فعلى سبيل المثال، كان أحد مستشفيات القاهرة في عام 1272م يصف قراءة القرآن للمرضى كجزء من العلاج الطبي.
أثبت شهادات و تجارب كثيرة من قبل المعالجين بالقراءة فعالية كبيرة ونتائج مذهلة للعلاج بالقراءة وتجاوبا كبيرا من قبل المنخرطين في العلاج. تقول بيجال شاه، وهي معالجة متخصصة ومؤلفة كتاب ” القوة العلاجية للقراءة The Healing Power of Reading ” : “لقد لاحظت تغييرات وتحولات ملحوظة في عملائي من خلال تفاعلهم مع القراءة العلاجية، والتزامهم الجاد بعملية العلاج بالكتب.
أتناول بعض هذه القصص في الكتاب، والتي تغطي موضوعات مثل الحزن، والتنوع العصبي، والعلاقات، والسرطان، وحتى الأمومة. ولا يزال البحث الأكاديمي في هذا المجال مستمرًا على المستوى الدولي، مع تزايد الوعي بالعلاج بالكتب، وارتفاع الطلب عليه في جميع أنحاء العالم. ويتجلى هذا بوضوح في الحماس الذي أراه من عملائي، والمتدربين، وقرّاء كتابي، وأنا متحمس لرؤية إلى أي مدى يمكننا الوصول باستخدام هذه الأداة العلاجية الرائعة المتاحة لنا”

كيف يعمل العلاج بالقراءة؟ وما هي شروط تحقق العلاج بالكتب؟
تضيف بيجال شاه : ” تعتمد ممارستي على أعمال الأكاديمية الدكتورة كارولين شرودز، وهي من الرواد المهمين في مجال العلاج بالكتب، حيث تناولت في أطروحتها عام 1949 أوجه التشابه العديدة بين العلاج النفسي التقليدي والعلاج بالكتب، واقترحت ثلاث خصائص يجب أن تتوفر في النص ليُعتبر مناسبًا للعلاج بالكتب:
التماهي (Identification)
فعندما يتماهى القارئ مع الشخصيات أو المواقف أو المشاعر المعروضة في الكتاب، فإن هذا الاعتراف والتقدير الذي يشعر به يمكنه من استكشاف ذاته وفهم وضعه الخاص.
التنفيس العاطفي (Catharsis)
يؤدي هذا التماهي إلى اتصال القارئ بمشاعره المشابهة. وإذا تم التعبير عن هذه المشاعر، فإن هذا الإفراج العاطفي يؤدي إلى شعور بالراحة.
البصيرة (Insight)
من خلال معايشة تجربة البطل بشكل غير مباشر أثناء القراءة، يكتسب القارئ وعيًا جديدًا وفهمًا أعمق لوضعه الخاص، مما يمنحه منظورًا جديدًا واستراتيجيات للتعامل مع مشكلاته. كما يطور القارئ تعاطفًا أكبر مع نفسه ومع الآخرين.”
فتلاحظ مما سبق أنه لكي يأتي العلاج بالقراءة بنتائجه المرجوة يشترط في القراءة أن تكون قراءة تدبرية وتأملية ينغمس القارئ بعقله ومشاعره في النص المقروء بحيث يعزله الكتاب قليلا عن الواقع ولو لفترة بسيطة من الزمن ، فلعل هذا الانغماس الفكري والمشاعري للقارئ في النص المقروء يرمم فيه ما أحدثه الواقع من كسور وتصدعات في نفسه.
لعلك أيها القارئ الكريم بعد الاطلاع على موضوع العلاج بالقراءة Bibliotherapy والبحث فيه وفي تقنياته تكون قد فُتحت لك آفاقٌ جديدة لفهم قوله تعلى “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين” ، ولعلك تتعامل مع القصص والمواعظ والتوجيهات القرآنية بعقلية أخرى وإحساس جديد. ولعلك أيضا تعي كيف تكون قراءة القرآن وتدبره والانغماس فيه علاجا للنفوس المرهقة وترياقا للأرواح السقيمة.