هو أحد علماء المغرب الكبار، العلامة المحدِّث المفيد الناقد الحافظ للحديث، الشيخ عبد العزيز بن محمد بن الصديق بن أحمـد الغماري الإدريسي الحسيني، الذي ينتهي نسبه إلى إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط عليه السلام.

قرأ الغماري كثيرا من كتب الحديث المسندة، والأجزاء الحديثية، وسمع بعضها، ونسخ العشرات منها، ومصنفاته كلها شاهدة بتفوقه في الحديث وتضلعه في فنونه، ورسوخه في صناعته، أثنى عليها أصحاب هذا الشأن.

ويعتبر الشيخ عبد العزيز الغماري عالما واسع الاطلاع، قوي النظر، جيد الاستحضار، حافظ للحديث مرجعاً لأهل زمانه.

مولده وبداية طلبه للعلم

ولد عبد العزيز الغماري في طنجة بالمغرب الأقصى، في شهر جمادي الأولى سنة 1338هـ، وتعهده والده من صغره، فبعد قراءة القرآن الكريم على الفقيه سيدي محمد بودرة اشتغل بالطلب عليه، وكان مهتماً به غاية الاهتمام، وذلك بالرعاية والنصح والإرشادات التي قربت إليه الأقصى في كثير من المسائل، لما كان عليه من سعة الاطلاع وحسن البيان والتعليم التبليغ.

كان والده يوصيه وقت الطلب بألا يراجع شيئاً من الحواشي والتقريرات وقت الطلب ويقول له: إذا حصلت الملكة بالكتاب الصغير في أي فن من الفنون صار الفن كله بكتبه المطولة وحواشيها في متناول اليد يسهل فهمها.

شيوخه ودراسته بالأزهر

بعد وفاة والده رحمه الله تعالى سافر إلى القاهرة سنة 1355هـ، والتحق بالأزهر الشريف فأخذ عن عدد من علماء الأزهر، كالشيخ عبد المعطي الشرشيمي من كبار علماء الهيئة، والشيخ محمود إمام، والشيخ عبد السلام غنيم الدمياطي الشافعي، وانتفع به كثيراً، والشيخ محمد عزت، وآخرين من كبار شيوخ الأزهر، قرأ عليهم علوم الأزهر المتداولة والفقه على مذهب الإمام الشافعي وحضر في ألفية الحديث بشرح العراقي على شقيقه السيد عبد الله وحضر عليه شرح جمع الجوامع كاملاً في الأصول، وبالأخص في علم الحديث، وتدرب ببعض كتبه.

ومن بين شيوخه شقيقه أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسيني(1320- 1380 هـ)، أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن رافع الحسيني القاسمي الطهطاوي (1275- 1355 هـ)، أحمد بن محمد بن محمد الدلبشاني الموصلي الحنفي البصير، خليل جواد بدر بن مصطفى بن خليل القرشي المقدسي، عبد الباقي بن محمد علي بن محمد معين بن محمد مبين الأنصاري اللكنوي المدني (1286- 1364 هـ)، محمد الخضر بن حسين التونسي شيخ الجامع الأزهر، يوسف بن إسماعيل بن يوسف النبهاني، عبد الله بن محمد غازي الهندي المكي..وغيرهم كثيرون.

اشتغاله بالحديث

ذكر الغماري في ترجمته لنفسه، كيف كان ابتدأ في طلب الحديث وتدرجه فيه، و قال أنه بعد أن قرأ الاصطلاح اتجه للتطبيق لأنه المقصود من علم الحديث، فاشتغل بكتاب “اللآلئ المصنوعة” للحافظ السيوطي وخرج منه بعلم عظيم جم وكتب جزءاً مستقلاً في الاستدراك عليه اسمه “الجواهر الغوالي.

كما ذكر أنه تعلم من “اللآلئ” نقد الرجال، وسير الطرق، وتمييز الصحيح من الضعيف من الموضوع ثم أقبل على قراءة كتب التخريج فقرأ أعمال شقيقه السيد أحمد علي مسند الشهاب، ثم قرأ تخريجات الحفاظ: العراقي، والزيلعي، وابن حجر والسيوطي والتي أمكنه الوقوف عليها، وكان يكاتب شقيقه السيد أحمد ويستفيد منه وقرأ كتبه الحديثية، وكان له أنس خاص بكتاب فتح الملك العلي.

ثم ذكر أنه بعد أن آنس من نفسه الخبرة بالفن كتب “بلوغ الأماني من موضوعات الصنعاني” ولما اطلع عليه شقيقه السيد أحمد وقال له كان ينبغي أن تسميه “هزيج الأغاني” لإطرابه بفوائده لقارئه.

رجع إلى طنجة في شهر ربيع النبوي سنة ست وستين، وكانت مدة إقامته في مصر نحو اثني عشر عاما. واشتغل في طنجة بالتدريس والخطابة والتصنيف وملازمة الزاوية الصديقية مع الاشتغال بالذكر والأوراد، وحجَّ واعتمر أكثر من مرة. وبقي على حاله من الإقبال على الله وإفادة الناس ولا سيما أهل العلم، والقيام بأعباء الزاوية الصديقية، وبعد وفاة شقيقيه عبد الله وعبد الحي ازداد إقبالاً على الله تعالى وملازمة الذكر، ثم قبيل وفاته بسنة تقريبا مرض ولازم بيته إلى أن انتقل إلى رحمة الله سنة 1418 ودفن بجوار والده في الزاوية الصديقية بطنجة.

مؤلفاته وجهوده العلمية

 أما أبحاثه العلمية التي نشرها في المجلات والصحف فهي كثيرة، منها ما نشر بمجلة “الإسلام” عندما كان بالقاهرة، وما نشر بمجلة “البلاغ” الغراء التي صدرت بطنجة.

وكان الشيخ الغماري من المكثرين في التصنيف، فقد بلغت تصانيفه نحو السبعين كتاباً، طبع منها (25) والباقي لا يزال مخطوطا، ويغلب عليها علم الحديث الشريف، وله رسائل في مواضيع تهم أهل عصره. ومن بين مؤلفاته:

  • تسهيل المدرج إلى المدرج.
  • التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التدليس
  • البغية في ترتيب أحاديث الحلية
  • التحفة العزيزية في الحديث المسلسل بالأولية
  • الجامع المنصف لما في الميزان من حديث الراوي المضعف (في 3مجلدات).
  • دوران الأرض عند علماء المسلمين
  • رفع الضرر عمن يقول بإمكان الوصول إلى القمر
  • حكم تحديد النسل
  • تنزيه الرسول عن افتراء الغبي الجهول
  • وجوب اتحاد المسلمين في الصوم والإفطار
  • الأربعون في ذم البخل والبخلاء
  • ما يجوز ومالا يجوز في الحياة الزوجية
  • التعريف بجهل من أنكر العمل بالحديث الضعيف
  • التعطف في تخرج أحاديث التعرف
  • رفع العلم بتخريج أحاديث إيقاظ الهمم في شرح الحكم
  • الجواهر المرصوعة في ترتيب أحاديث اللآلئ المصنوعة
  • أزهار الكمامة في صحة أحاديث الغمامة
  • السوانح (مجلد)
  • السفينة (في مجلدين ضخمين)
  • تخريج أحاديث البحث لابن أبي داوود

يقول د. عبد الله الجباري، وهو باحث في الدراسات الإسلامية بالمغرب، أن العلامة عبد العزيز الغماري لم يفرد علم المصطلح بتأليف مستقل، إلا أن المطلع على مؤلفاته ورسائله، يلفي مادة غميسة من مباحث هذا العلم متناثرة في تراثه العلمي، تحتاج إلى من يلم شعثها، ويجمع متفرقها، حتى تقَدّم للباحثين في دراسة مستقلة، يتبينوا من خلالها منهجه في هذا العلم، ونفَسه الاجتهادي، حيث نراه يحقق المسائل ويوضحها، ويرجح بين آراء أرباب الفن، ويتعقب أقاويلهم بالنقد.

وتكتسي أهمية آراء الغماري في علم المصطلح أنه ضمّنها كتبه في الصناعة الحديثية، حيث يمتزج الجانب النظري بالتطبيقي، فينعدم التناقض والاضطراب بينهما، كما حصل للعلماء الذين فصلوا بين الجانبين، فنجدهم يقررون أحيانا مسألة من الناحية النظرية، ولا يلتزمون متعلقاتها من حيث الصناعة والتطبيق، مثل تنظيرهم لرفض رواية المبتدع الداعية، وقبولهم لها في التخريج والرواية.

الغماري وعلم المصطلح

ولنظرات العلامة المحدث عبد العزيز بن الصديق في علم المصطلح فوائد لعدة اعتبارات :

أولها : أنه محدث ناقد متمكن من علم الحديث الشريف، عارف بدقائقه وخوافيه، يظهر ذلك جليا من خلال مؤلفاته.

ثانيها : أنه محدث مجتهد، غير مقلد للسابق كيفما كانت منزلته ومرتبته في هذا العلم الشريف، فتراه معظما للحفاظ الذهبي وابن حجر والسيوطي، مجِلاًّ للمحدث سيدي محمد بن جعفر الكتاني، ومع ذلك ينتقد آراءهم، ويتعقب أحكامهم، أما ابن الجوزي والصغاني وابن طاهر المقدسي فقد أكثر من انتقاداته عليهم، وهذا نهج لا ينتهجه المقلدة ولا يسلكون سبيله، حيث انتقد المتأخرين الذين يغترون بشهرة المتقدم ومكانته العلمية بقوله “فيأخذون كلامه مسلما من غير بحث ونظر.

ثالثها : أنه عالم جريئ، لا يخاف في العلم مخالفة جمهور أو مشهور، لذا تراه يعبر عن رأيه ويدافع عنه ويحاجج، وإن خالف ما تقرر واشتهر، واستقر وانتشر، مثل رأيه في توثيق بعض الرواة، أو في نقده لبعض الأحاديث.