هناك ظاهرة سيئة منتشرة بين الطلبة في أنحاء العالم، ألا وهي الغش في الإمتحانات. وهي ليست من الجرائم الكبيرة في الغرب، بل ربما لا تعتبر جريمة عندهم. ولكن المؤسف في الأمر أن تجدها في مدارس المسلمين أيضاً. رغم أن أي مسلم تقريباً على وجه الأرض يعلم بتحريم الغش. فهو نوع من الكذب والتدليس المنهي عنه في الإسلام.
قال تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)[1]. وقال ﷺ: (من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار)[2]. فهذا وعيد شديد لمن يغش المسلمين ويمكر ويخادع. فما بال ابناءنا يتجاهلون هذه الأحاديث والآيات ويلقونها وراء ظهورهم. ولأجل ماذا؟ ألا يعلمون أن النجاح والسقوط بيد الله تعالى. ورغم أن الإجتهاد من الأسباب المأمور بالأخذ بها، إلا أن الإعتماد على الأسباب دون خالقها ليس من صفات المؤمنين. فربما نأخذ بالأسباب ورغم ذلك لا يوفقنا الله لما نريد. فنحن المسلمين نؤمن أن الأمر كله لله، وأن الأخذ بالأسباب يساعدنا ونأخذ به ثم نعتمد على الله ونتوكل عليه في كل شيء. ونؤمن بأن الأسباب لا تنفعنا من دون قدرة الله ومشيئته.
ولذا نأخذ الدواء وندعو الله بالشفاء، ونكد ونعمل ونطلب من الله الرزق، ونسعى ونجتهد ونطلب من الله التوفيق. فهو وحده من بيده الأرزاق والعطايا. وما من رزق أو فائدة أو توفيق للمخلوقين إلا بأمره ومما تفضل به عليهم. قال تعالى: (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ)[3].
وقال أهل العلم: “الأخذ بالأسباب عبادة والاعتماد عليها شرك، ومن أخذ بالأسباب ولو كانت ضعيفة ثم اعتمد على الله تعالى فقد امتثل”[4]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قالَ النَّبيُّ للأعرابيِّ الَّذي تركَ النَّاقةَ سائبةً متوكل علَى اللهِ: فقالَ لهُ: اعقِلها وتوَكَّلْ)[5]. فالنجاح بيد الله وتوفيقه. وكم من طلبة ساهروا الليالي وقضوا الساعات في الدراسة ثم أدوا الإمتحان بأفضل ما يظنون ورغم ذلك رسبوا. وبعضهم ذاكر ساعات قليلة بما تيسر له وحل بأفضل ما يستطيعه، ثم توكل على الله وسأله التوفيق والنجاح. فحصل على أعلى الدرجات، بل حتى تفوق على أقرانه أولئك جميعاً رغم قلة الساعات التي درسها بالنسبة لهم. فمن يتقي الله ويتوكل عليه ويستعين به يوفقه لما يريد. قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[6].
ورغم كل هذه الأسس في التوكل التي تُدرَّس في المدارس وكَبِر عليها النشء نجد كثيراً من طلبة المدارس لا يزالون يغشون في الإمتحانات على أساس أن الغش سبيل وسبب للنجاح عندهم. وهذا نتيجة ضعف الإيمان، وقلة التوكل على الله، والإيمان بقدرته وأن الأمر كله إليه. فيصاحب ذلك إرتكاب هذه الجريمة النكراء التي ملأت المدارس والجامعات في بلاد المسلمين. وربما تسميتها بجريمة فيه شيء من المبالغة، إلا إننا إذا نظرنا إلى آثارها على المجتمع ومسيرة التعليم نرى الخراب الذي ينتج منها. فمن آثارها المدمرة على المجتمع والأفراد:
- الغش في الإمتحانات يُضعِّف مستوى التعليم وقوة الشهادات ومصداقيتها، مما يؤثر على المستوى العلمي في الدولة وبالتالي أداء الموظفين المتخرجين من هذه المؤسسات التعليمية في المستقبل.
- الغش في الإمتحانات يُعَّوِّد المجتمع على قبول الكذب والتدليس وتزيين الحقائق الزائفة.
- الغش في الإمتحانات يظلم الطلبة الذين لم يغشوا، وذلك برفع مستوى من غش منهم. وفي ذلك ظلم وعدم تكافؤ وإختلاف في مستوى قوة الإمتحان ومصداقيته. بحيث يكون سهل لبعض الطلبة وصعباً نسبياً للبقية منهم.
- الغش في الإمتحان ينتج منه إطلاق كوادر غير مؤهلة لتخدم المجتمع مما يقلل من مستوى الخدمات وجودتها.
من صور الغش في الإمتحانات
- إدخال معلومات من المادة داخل الإمتحان وذلك بكتابتها في ورق صغير ولفها أو تحبيرها في الأيدي أو الأرجل ونحوها. وأحياناً يتم إخفاء هذه الأوراق في الملابس أو الشنط أو غيرها.
- تسريب أسئلة الإمتحان بسرقتها وتصويرها ونحوه.
- تغشيش المراقب لبعض الطلبة بإعطائه الأجوبة لهم أو السماح لهم بنقلها.
- دفع الطالب رشوة للأستاذ لتحسين درجاته.
- نظر الطالب في أوراق الطلبة الآخرين ونقل حلولهم أو إستراق الأفكار منها.
الغش في الإمتحانات من منظور مقاصد القرآن الكريم
- الغش في الإمتحان يدخل في باب الغش المنهي عنه في الحديث الشريف، ويتعارض مع مقصد التشريع.
- الغش في الإمتحان فيه ظلم للطلبة الأمينين ويتنافى مع مقصد تهذيب الأخلاق.
- الغش في الإمتحان ينزل من مستوى التعليم ويتعارض مع مقصد التعليم.
- الغش في الإمتحان ينتج عنه تخريج كوادر غير مؤهلة علمياً، وينزل من مستوى الخدمات، ويؤثر ذلك سلباً على النمو الاقتصادي والعمراني وكل مجالات الحياة. وهذا يتنافي مع مقصد سياسة الأمة ومقصد صلاح الأحوال الفردية والجماعية.
- من يغش في الإمتحان لا يرتدع للوعيد الوارد في الغش، مما يتنافى مع مقصد المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير.
- الغش في الإمتحان يتعارض مع حفظ الأمانة المأمور بها في الإسلام. قال تعالى: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ)[7]. وخيانة الأمانة من صفات المنافقين، ويتعارض مع مقصد الآداب الإسلامية. قال ﷺ: (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا وَعَدَ أَخْلَفَ)[8].
التوصيات المقترحة
- يجب توعية الطلبة منذ الصغر على تحريم الغش وأن من غشنا ليس منا وأنه باب من الكذب الذي يجلب عذاب القبر وعذاب النار. وتعليمهم عقوبة الكذب في القبر، التي وردت في الحديث التالي: (… فإذا رجل جالس، ورجل قائم، بيده كلوب من حديد قال بعض أصحابنا عن موسى: إنه يدخل ذلك الكَلُّوب في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله، … أما الذي رأيته يشق شدقه، فكذاب يحدث بالكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة …)[9].
- يجب على المعلمين تأمين الإمتحانات من الغش وإتخاذ الإحتياطات اللازمة لذلك. ويمكن إستغلال التكنولوجيا في ذلك كما تعمل المدارس في الغرب. كما يستحسن أن تفرض الدولة عقوبات لأي أستاذ أو مراقب يساعد دالطلبة على الغش في الإمتحانات أو يسمح لهم بذلك.
- يستحسن إتباع أنظمة توثيق الشهادات وتحقيقها وتقويتها بالتأكد من مصداقية الإمتحانات ومصداقية تصحيحها ونتائجها.