جاء النهي عن الغلول وخطره في
القرآن الكريم بالنص الصريح، يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 161] والغلول هو أخذ شيء من الغنيمة قبل قسمة الإمام، ويلحق به ما يؤخذ عن طريق الخيانة من من المال العام، ومن غلة الأوقاف، ومال اليتامى ونحو ذلك. والنهي عن الغلول في الآية الكريمة دليل على تحريمه وأنه من كبائر الذنوب والعصيان. قال النووي: وأصل الغلول الخيانة مطلقا وغلب استعماله خاصة في الخيانة في الغنيمة[1]. قال ابن عاشور: والغلول مصدر غير قياسي، ويطلق الغلول على الخيانة في المال مطلقا[2]. وقد نفى الله سبحانه وتعالى ونزه الأنبياء من هذه الجريمة وأصلها وما يتصل بها بقوله ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾، وصيغة النفي هنا كما قال ابن عاشور صيغة جحود تفيد مبالغة النفي. ومن أوجه المبالغة في تشنيع القرآن الكريم للغلول ما ترتب على هذا النفي، نجد من ذلك قوله: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: حيث يأتي الغال الخائن بما خان فيه
يوم القيامة يحمله أمام الناس يوم القيامة ليفتضح أمره. ولا يستحيل أن يمتثل ما غله بين يديه يوم القيامة حقيقة، فإن الله على كل شيء قدير. ومدة التفضيح طويلة بدليل كلمة ﴿ثُمَّ﴾ جيء به للدلالة على طول مهلة التفضيح. وهذا ما دل عليه الأحاديث الصحيحة التي وردت في تحريم الغلول منها قوله
ﷺ: لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس لها حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد أبلغتك… وسيأتي ذكر هذه الأحاديث لاحقا. ثم يأتي بعد هذا الحساب العسير العقوبة المستحقة جزاء الغلول يقول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ تنبيه على العقوبة بعد التفضيح، إذ قد علم أن الكلام السابق مسوق مساق النهي.. ومن جملة النفوس التي توفى ما كسبت نفس من يغلل، فقد دخل في العموم دخولا أوليا. جاء في (زهرة التفاسير)، وفي النص الكريم عدة إشارات بيانية:
- التعبير بـ (ثم) وهي تفيد التراخي بين إحضار الأعمال بأوزارها ثم يتولى جزاءها، فإن هذا التراخي يفيد طول الحساب، وطول الحساب عذاب في ذات نفسه، وهو في الوقت ذاته يدل على دقته إذ تقام الموازين بالقسط.
- التعبير بـ (توفى) فإن فيه إشارة إلى أنه لَا ينقص شيء مما عملت إن خيرا وإن شرا، إلا أن يتغمده الله برحمته فيعفو عن بعض السيئات وهو العفو الغفور.
- أنه عبر سبحانه وتعالى عن المساواة بين العمل والجزاء بقوله سبحانه (مَّا كسَبَتْ) فإن هذا التعبير يفيد بظاهره أن الوفاء يكون بالعمل ذاته، ولكن المعنى: جزاء ما كسبت ولكنه سبحانه عبر بهذا التعبير للدلالة على كمال المساواة بين العمل وجزائه، حتى كأن الجزاء هو العمل ذاته.
- قوله تعالى: (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) فيه تأكيد للمساواة وفيه أيضا نفي للظلم نفيا مؤكدا بالتعبير بالجملة الاسمية، إذ المعنى أنهم ليس من شأنهم أن يظلموا، لأن الله تعالى خالقهم والله تعالى لَا يظلم مطلقا، لأنه لَا يليق بكماله تعالى، ولأنه كتب العدل على نفسه.
وإن التسوية بين الجزاء والعمل هي القانون العادل الذي سنه رب العالمين، فلا تستوي الحسنة ولا السيئة، ولا يستوي
الخير والشر[3].
سبب نزول {وما كان لنبي ان يغل}
ذكر ابن الجوزي سبعة أقوال في
سبب نزول الآية الكريمة ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾: أحدها: أن قطيفة من المغنم فقدت يوم بدر، فقال ناس: لعلّ النبيّ
ﷺ أخذها، فنزلت هذه الآية، رواه عكرمة
عن ابن عباس. ولعل هذا القول هو الأصح. الثاني: أن رجلاً غلَّ من غنائم هوازن
يوم حنين، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس. الثالث: أن قوماً من أشراف الناس طلبوا من رسول الله
ﷺ أن يخصهم بشيء من الغنائم، فنزلت هذه الآية، نقل عن ابن عباس أيضاً. الرابع: أن النبيّ
ﷺ بعث طلائعا، فغنم النبيّ
ﷺ غنيمة، ولم يقسم للطلائع، فقالوا قسم الفيء ولم يقسم لنا، فنزلت هذه الآية، قاله الضّحّاك. الخامس: أن قوماً غلُّوا يوم بدر، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
الأحاديث النبوية في النهي عن الغلول
ثبت عدد من الأحاديث الصحيحة التي تحذر من الغلول والخيانة بشكل عام وأنذر الغال بالنكير الشديد جزاء عمله يوم القيامة، وهذه الأحاديث بلا شك تؤكد على ما جاء الكلام عنه في القرآن الكريم، ويحدد صورا للعقوبة التي تنزل بالغال يوم القيامة، ومن هذه الأحاديث ما يأتي:
1- حديث
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا النبي
ﷺ فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، قال: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس لها حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير لها رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، وعلى رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، أو على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلغتك). [أخرجه البخاري ومسلم]. وفي الحديث تعظيم أمر الغلول والعقوبة عليه. ولا خلاف أنه من الكبائر وشهرة المعاصى فى الآخرة يوم تبلى السرائر، وكشفهم على رؤوس الناس، وهتك سترهم بحملهم على رؤوسهم ما اختانوه واغتالوه، واستتروا به عن الخلق فى الدنيا، كما قال تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وتعظيمها بما الله أعلم به. كما جاء فى حمل من غصب من الأرض شبرًا، وتطويقه إياه من سبع أراضين .. وقد يكون حمله لها من عقابه لها وثقلها عليه فى ذلك المقام، وتكون النفس التي غل هنا من سبى الغنائم وأساراها[4].
2 – حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول: افتتحنا خيبر، ولم نغنم ذهبا أو فضة، انما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله
ﷺ إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له مدعم، أهداه له أحد بني الضباب، فبينما هو يحط رحل رسول الله
ﷺ إذ جاءه سهم عائر، حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله
ﷺ: (بل، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا) فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي
ﷺ بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله
ﷺ: (شراك، – أو شراكان – من نار)» [أخرجه البخاري ومسلم].
3 – حديث عدي بن عميرة الكندي قال: سمعت رسول الله
ﷺ يقول: « من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة. قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك، قال: وما لك؟ قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: وأنا أقوله الآن، من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى .» [ رواه مسلم في صحيحه]. والحديث يشتمل على تحريم قليل الغلول وكثيره، وتحريم أخذ شيء من الغنيمة أو المال العام إلا ما جاء الإذن به من ولي أمر المسلمين أو الجهة المسؤولة عن المال العام أو ما خرج مخرج المرتب للناظر على الوقف أو القائم على جباية أموال الزكاة ونحو ذلك. قال
القاضي عياض: في قوله
ﷺ (فما أُوتي منه أخذ)، ذلك على قدر ما يراه الإمام له، من استحقاقه فى عمله أو حاجته أو سابقته. وقد جاء أنه أباح لمعاذ قبول الهدية حين وجهه إلى اليمين ليخبر بها ما جرى عليه من التفليس، والظن بمعاذ أنه لا يقبل منها إلا ما طابت به نفس مهديه، وأنه ممن لا يصانع أحداً فى حق من أجلها، فكانت خصوصاً لمعاذ؛ لما علمه منه النبى
ﷺ من النزاهة والورع والديانة، ولم يبح ذلك لغيره ممن لم يكن عنده بمنزلته.
4 – حديث أبي حميد الساعدي قال: « استعمل رسول الله
ﷺ رجلا من الأسد يقال له: ابن اللتبية، قال عمرو، وابن أبي عمر: على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا لي، أهدي لي، قال: فقام رسول الله
ﷺ على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا، والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئا، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه: بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر. ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت. مرتين .» [رواه مسلم في صحيحه]. وهذه الأحاديث السابقة تكشف لنا حقائق محددة عن الغلول منها: 1 – التحذير الشديد لكل من غل من الغنيمة وما كان في حكمها وهو المال العام للدولة، ومن غل وأخذ الأموال غصبا فهو داخل في الوعيد. 2- الغلول سبب من أسباب إحباط الجهاد ودخول النار، وكبيرة من الكبائر، ومن خان وبخه الله سلفا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، ويعاقب على ذنبه، وجعل الله تعالى هذه العقوبات حسبما يعهده البشر ويفهمونه
[5]. 3 – الغلول هو مطلق الخيانة سواء كان الغلول من الغنيمة أو من أي شيء آخر. لأن الغنيمة في الحقيقة مال عام يشترك فيه جميع المسلمين وكذا المال العام ملك وحق لجميع المسلمين، فالغلول من المال العام أشبه بالغلول من الغنيمة بجامع اشتراك المسلمين في هذا المال[6]. 4- يمنع الغلول اسم الشهادة على من قتل لأن النبي
ﷺ نفاها عن المقتول الغال في الجهاد. أما السبكي أحد علماء
الشافعية فيستدرك على حكم إلغاء الشهادة ع الغال إذا نالها: “وأما كونه ليس بشهيد في الآخرة فإن أراد به أنه لا يعصم من النار فصحيح لا شك فيه لتصريح الأحاديث الصحيحة به وإن أريد أنه لا يحصل له شيء من ثواب الشهداء بعد أخذه ما يستحقه من العذاب ففيه نظر إذا كانت نيته صادقة إلا أن يرد نص من الشارع يقتضي إخراجه. والذي أراه أن قوله
ﷺ «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» نصا ضابطا فكل من لم يكن مقصده غير ذلك فهو شهيد ومن لا فلا فإذا لم يكن مقصده غير إعلاء كلمة الله تعالى كان شهيدا غل أو لم يغل صبر أو لم يصبر احتسب أو لم يحتسب. هذا الذي يظهر لي وإن كان الصابر المحتسب غير الغال أكمل وأعظم أجرا”[7]. 5 – أن الغال يذاع اسمه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ويفتضح دلالة على شناعة وبشاعة فعله.
عقوبات الغال من الغنيمة أو المال العام
1 – عقوبة الغال ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الغال من الغنيمة يعزر ولا يقطع؛ لأن له حقا في الغنيمة، فيكون ذلك مانعا من قطعه؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، فأشبه ما لو سرق من مال مشترك بينه وبين غيره. كما ذهب الجمهور أنه لا يحرق رحله ولا متاعه؛ لأن الإحراق إضاعة للمال، وقد نهى النبي
ﷺ عن ذلك[8].
2 – عدم صلاة الإمام على جنازته لما روى أبو داود في سننه عن زيد بن خالد الجهني، أن رجلاً من أصحاب النبي توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله
ﷺ فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزا من خرز يهود، لا يساوي درهمين.»[9] وقد ذهب جمهور الفقهاء ما عدا الحنابلة إلى أنه يصلى عليه، وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي
ﷺ لم يصل عليه بنفسه زجراً للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة[10]. وقال
الحنابلة: أن الحكم خاص بالإمام فلا يصلي على الغال، وإنما يصلي عليه غيره من المسلمين[11].
صور الغلول أو التعدي على المال العام
1. الأخذ من المال العام بغير وجه حقٍّ (الاختلاس): وهو محرم حتى لو أخذ ذلك بتأوُّل (أي بشبهة يظنُّ بها حِلَّ ما أخذه وحكمه في الحقيقة الحرمة) مثل الذين يبرمون العقود لصالح الدّولة، فيأخذون ما يسمّى (عمولة وساطة) أو (سمسرة)، ولو من الطرف المقابل، لأنه على حساب العمل، وإنما له
رزقه (أي راتبه ومخصصاته) فقط. فعن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عن النَّبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(مَن اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا؛ فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ) رواه الحاكم. وعن معاذ بن جَبَل قال: بعثني رسول الله
ﷺ إلى اليمن، فلما سِرْتُ أرسل في أثَري، فَرُددتُ، فقال:(أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إلَيْكَ؟ لا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْني فَإنَّهُ غُلُولٌ، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لهذا دَعَوْتُكَ، فَامْضِ لِعَمَلِكَ) رواه
الترمذي. 2. الرِّشوة: وهي:أخْذُ المالِ لِيُحِقَّ بِهِ الْبَاطِلَ أَوْ يُبْطِلَ الْحَقَّ. عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(لَعُنَةُ الله عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي)
رواه أحمد. 3. الهدايا وقبول الدعوة: عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنَ الأَسْدِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ:هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لي أُهْدِيَ لي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ الله، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: (مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لي، أَفَلاَ قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لاَ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ: بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ). ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:(اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ) متفق عليه واللفظ لمسلم. وعَنْه رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ) رواه أحمد. 4. الاستخدام المفرِط للمال العام (التعسُّف باستعمال الصّلاحيات): وهو زيادة الإنفاق في شؤون العمل دون حاجة، كالمبالغة في التأثيث، وفي فخامة السيارات، وفي المصاريف، وفي استئجار المكاتب، أو الإجحاف باستخدام ما هو حقٌّ مكتسب لأجل الوظيفة. 5. الاستخدام الشخصي للممتلكات العامة: وذلك كالاستخدام الشخصي للسيارات، والآلات، والعدد المملوكة للدولة، والقرطاسية، والتلفونات، وأجهزة الحاسوب، وآلات التصوير، والطباعة، وأي استخدام شخصيٍّ آخر لا يكون لصالح العمل الرسمي. وفي صحيح البخاري عن خَوْلَةَ الأنْصاريّةِ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَ
ﷺ يَقُولُ:(إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ الله بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). 6 .تخفيض الرُّسوم والمستحقّات على بعض الجهات من باب المحاباة والمحسوبية: وفي هذا ضياع أموال مستحقّة للخزينة، وفوات العدل بالمعاملة بين الناس. وبالجملة؛ يحرُم الأخذ من مال المسلمين (أو ما يُسمّى بالمال العام) بغير حقٍّ، على أيِّ وجه كان، ويحرم أيُّ كسب يأتي على حساب الوظيفة العامة استغلالاً، وتحرم المحاباة بإعطاء الامتيازات أو الحقوق لغير مستحقيها بناء على المحسوبية في العطاءات أو الوظائف أو المنح الدراسية أو في إعطاء كلِّ من لا يستحق في أيِّ مجال كان، فهي تدخل كلها في الغلول [12].