ولا زال الدجالون يمارسون هوايتهم في إضلالهم الناس، وفتنتهم عن الطريق المستقيمة.
دجالون يتسمون بأسمائنا، ويزعمون الإيمان بالله والنبي والكتاب، وهم إنما يحرفون الكلم عن مواضعه، فما يسيرون على مراد الله، ومراد رسول الله، وإنما يسيرون على حسب هواهم ومرادهم، ومراد البلد التي صنعتهم ومولتهم وآوتهم.
ومن هؤلاء فرقة القاديانية، التي تسمي نفسها كذبًا وزورًا: (الجماعة الإسلامية الأحمدية)، وتلبّس على الناس دينهم، وهم لا ينتسبون للرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم، بل لدجالهم الأكبر غلام أحمد، الذي ادعى نزول الوحي عليه، وتكليم الله له، وأنه الإمام المهدي، والمسيح الموعود.
وهذا ليس افتراء عليهم من مخالفيهم، بل هو كلامهم الذي هو موجود على موقعهم الرسمي، وفي كتبهم، وفي خطبهم.
فهم يقولون: “مؤسس الجماعة -عليه السلام- قد أعلن صراحة أنه يتلقى الوحي من الله –تعالى، وأنه -عز وجل- قد شرفه بكلامه”([1]).
وقد طعنوا في عقيدة (ختم النبوة)، وأولوها تأويلات فاسدة، وأخرجوها عن معناها؛ حتى يستقيم لهم أمر دجالهم.
وقد رأوا أن هناك أنبياء يأتون بشرائع مستقلة ولهم كتب سماوية منزلة، وهناك أنبياء تابعين، وليسوا مستقلين، مثل حال معظم أنبياء بني إسرائيل بعد موسى -عليه السلام.
وفي إجابتهم عن سؤال:
هل يمكن أن يأتي نبي بحيث يكون أدنى منـزلة من الرسول -ﷺ؟
وهل يمكن أن يأتي نبي يكون تلميذًا له -ﷺ، ولا يأتي بدين ولا كتاب ولا بأمة جديدة؟
وماذا سيفعل إن لم يأتِ بدين أو كتاب أو لم يقم بتأسيس أمة جديدة؟
كانت الإجابة قاطعة بالإيجاب، وأن النبوة مستمرة لا تنقطع حتى يوم القيامة.
فعندهم أن غلام أحمد نبي، ولكنه نبي تابع للنبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن أجل إثبات نبوته تأولوا عقيدة ختم النبوة، فقالوا:
“إن خاتمية النبوة تفرض أن يخضع كل نبي يأتي بعد النبي -ﷺ- لدينه، وأن يلتزم بكتابه وشريعته، وأن يكون من أمته، ولن يظهر نبي مستقل خارج هذا النطاق مطلقًا”([2]).
وهذا كلام ينقضه مؤسس فرقتهم؛ إذ إنه فضّل نفسه على النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: “لقد أرسلت كما أرسل الرجل المسيح بعد كليم الله موسى الذي رفعت روحه بعد تعذيب وإيذاء شديدين في عهد هيرودوس.
فكما جاء الكليم الثاني محمد ﷺ الذي هو أول كليم وسيد الأنبياء لقمع الفراعنة الآخرين الذي قال الله عنهم: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً﴾ [المزمل: 15]، فكان لابد أن يكون بعد هذا النبي، الذي هو في تصرفاته مثل الكليم، ولكنه أفضل منه”([3]).
وقد حمله شيطانه على تفضيل نفسه على جميع الأنبياء والمرسلين، وأنه قد جُمع فيه ما تفرق فيهم، فقال: “لقد أراد الله أن يتمثل جميع الأنبياء والمرسلين في شخص رجل واحد، وإنني ذلك الرجل”([4]).
وقد جعلوا الخاتمية دليلاً على كمال الأمة فقالوا:
“إن خاتمية النبوة تفرض أن يكون هنالك من يصلون إلى مقام النبوة في الأمة الإسلامية كدليل على كمال الأمة الذي هو أحد ركائز ختم النبوة.
وليس مقبولاً مطلقًا أن يقال بأن الأمة ستكون أفضل الأمم وأرفعها بينما لا يصل أفرادها إلى الدرجات العليا التي كان يصلها من كان قبلهم.
فأي أفضلية بقيت في هذه الأمة إذن؟!
وهكذا نجد أن مفهوم خاتم النبيين يحدد ملامح النبوة بعد الرسول -ﷺ- بشكل واضح وجلي، وهذا المفهوم ما كان إلا لكي يبين علو شأن النبي بين الأنبياء من ناحية، واستمرار النبوة من بعده من ناحية أخرى وعدم انقطاعها.
ولكن النبوة قد قُيدت بشروط لم تكن موجودة سابقًا، وأصبحت محصورة في الأمة الإسلامية.
وهكذا نرى أن هذه المعاني تلائم هذه الوجوه وتزيد التفسير وضوحًا وجمالاً.
كذلك فإن هذه المعاني تشير إلى إمكانية -بل وجوب- بعثة الأنبياء في الأمة الإسلامية بسبب صفة خاتم النبيين”([5]).
وأي تدليس هذا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: “كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي…”([6]).
وجملة: “لا نبي بعدي” وردت في أحاديث صحاح كثيرة، ومواقف مختلفة، وأزمان متفاوتة، ورواه صحابة مختلفون.
وقد حسم القرآن هذه القضية بقوله -تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 40].
فمعنى ﴿خَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾: “الذي ختم النبوة فطبع عليها، فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة”([7]).
“فهذه الآية نصٌ في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي، ولا ينعكس.
وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله -ﷺ- من حديث جماعة من الصحابة”([8]).
منها ما أخرجه الإمام أحمد عن أبيّ بن كعب، عن النبي -ﷺ- قال: “مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارًا فأحسنها وأكملها، وترك فيها موضع لَبنة لم يَضَعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه، ويقولون: لو تمَّ موضع هذه اللبنة؟ فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة”([9]).
لكن القاديانية يجعلون الخاتم بمعنى: الأفضل والأكمل، ويجادلون في ذلك بكل سبيل، ويأتون بأحاديث يعتبرونها مشكلة في هذا الباب، مثل قول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: لو عاش إبراهيم ابن النبي -ﷺ- لكان صديقًا نبيًّا([10]).
وقد اعترض النووي على هذا الكلام، فقال: “وأما ما روي عن بعض المتقدمين: لو عاش إبراهيم لكان نبيًّا، فباطل وجسارة على الكلام في المغيبات، ومجازفة، وهجوم على عظيم من الزلات”([11]).
وقد استنكر ابن حجر كلام النووي بقوله: “هذه عدة أحاديث صحيحة عن هؤلاء الصحابة أنهم أطلقوا ذلك، فلا أدري ما الذي حمل النووي في ترجمة إبراهيم المذكور من كتاب تهذيب الأسماء واللغات على استنكار ذلك ومبالغته… مع أن الذي نقل عن الصحابة المذكورين إنما أتوا فيه بقضية شرطية”([12]).
وكذا ابن عبد البر لم يقبل هذا الكلام فقال: “لا أدري ما هذا؟
فقد ولد نوح غير نبي، ولو لم يلد إلا نبيًّا لكان كل أحد نبيًّا؛ لأنه من ولد نوح. انتهى”([13]).
وقد تعقبه الملا علي القاري بقوله: “وهو تعليل عليل؛ إذ ليس في الكلام ما يدل على أن ولد النبي نبي بطريق الكلية، ولا ضرر في تخصيص التقدير والفرضية، مع أنه لا يستلزم وقوع المقدم في القضية الشرطية، فلا ينافي كونه خاتم النبيين”([14]).
وقد طبق المسلمون قضية ختم النبوة تطبيقًا عمليًّا؛ إذا حاربوا المتنبئين الذين خرجوا بعد موت النبي؛ فحاربوا مسيلمة الكذاب، وسجاح، وطليحة الأسدي، والأسود العنسي.
والإشكال أن هذه الفرقة تدعي أنها جماعة إسلامية، وهي تستوطن لندن وتتخذها مقرًّا، ولها مواقع بالعربية، وقنوات فضائية بالعربية، ولها بعض الأتباع من العرب، ولا تجد غضاضة في إعلان الشهادة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهذا للتدليس على عموم المسلمين.
وهي طائفة خارجة عن الإسلام كما أجمع بذلك علماء الأمة، لذا وجب التحذير منهم، والوقوف ضد خططهم الساعية لإفساد عقائد المسلمين وتضليلهم.
([1]) الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية.
([2]) السابق.
([3]) المرزا غلام أحمد: فتح إسلام، ص(7).
([4]) آئينة كمالات إسلام، ص(90)، نقلاً عن القاديانية دراسة وتحليل لإحسان إلهي ظهير.
([5]) الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية.
([6]) جزء من حديث أخرجه البخاري في “أحاديث الأنبياء”، باب: “مَا ذُكِرَ عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ”، ح(3455) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه.
([7]) تفسير الطبري، (20/278).
([8]) تفسير ابن كثير، (6/428).
([9]) أخرجه أحمد في “مسنده”، ح(21281)، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على “المسند”: “صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن في الشواهد”.
([10]) أخرجه أحمد في “مسنده”، ح(12381)، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على “المسند”: “إسناده حسن”.
([11]) تهذيب الأسماء واللغات، (1/103).
([12]) فتح الباري، (10/579).
([13]) عزا ابن حجر والقاري هذا النص للتمهيد، ولم أستطع الوصول لهذا النص في “التمهيد”.
([14]) مرقاة المفاتيح، (9/3721).