معجزة القرآن الكريم هي معجزة خالدة باقية الى يوم القيامة والقرآن خاتم الكتب السماوية ليس له عصر معين في اعجازه ولا زمن محدد في تحديد للبشرية كلها وهو لم يأت ككتاب علم هذه حقيقة يجب أن نضعها في أذهاننا ولكنه في نفس الوقت جاء كمعجزة خالدة باقية … ومن هنا فإن فيه إعجازا لكل العصور.
معجزة القرآن
هل يستطيع محمد عليه السلام أن يتنبأ بنتيجة معركة حربية ستحدث بعد سبع أو ثماني سنين، ويحدد من الذي سينتصر ومن الذي سيهزم، وما الذي يجعله يدخل في قضية غيب كهذه كيف يخبر الكفار، بما تخفيه صدورهم، ولم تهمس به شفاهم، ويقول لاعداء الاسلام ما سيقع لهم، ويتحدث في قضايا الغيب.. وماذا كان يمكن أن يحدث لقضية الإيمان كله.. لو لم يصدق القرآن في كل حرف قاله ولكن القائل هو الله والفاعل هو الله ..
القرآن هو كلام الله المنزل على رسوله سيدنا محمد ﷺ، والمتعبد بتلاوته، والمتحدي به، والقرآن يحمل أكثر من معجزة، تحدى الله به العرب أولا، ثم تحدى به الإنس والجن ، لم يتحد به الله الملائكة لأن الملائكة ليس لهم اختيارات ليعملوا بها أي أنهم يفعلون ما يؤمرون به من الله فقط. ومن هنا فإن القرآن يتحدى كل القوى المختارة أو التي لها اختيار التي ميزها الله بقدرة العقل والفكر والاختيار وقبل أن نتحدث عن معجزة القرآن يجب أن نحدد معنى كلمة معجزة، حين يأتي انسان ويقول أنه رسول من عند الله جاء ليبلغ بمنهجه أفنصدقه أم أننا نطالبه باثبات ما يقول إذن كان لابد أن تجئ مع كل رسول معجزة تثبت صدقه في رسالته وفي بلاغه من الله، وأن تكون المعجزة مما لا يستطيع أحد أن يأتي به، وأن تكون أيضا مما نبغ فيه قومه..لماذا؟ حتى لا يقال أن الرسول قد تحدى قومه بأمر لا يعرفونه ولا موهبة لهم فيه، فالتحدي يجب أن يكون في أمر نبغ فيه القوم حتى يكون للتحدي قيمة، ولذلك نلاحظ في معجزة كل رسول أنها جاءت فيما نبغ فيه قومه..وانها جاءت لتهدم من يتخذونه الها من دون الله، فمثلا معجزة ابراهيم عليه السلام جاءت في قوم يعبدون الأصنام.
ويسجدون لها ويقدسونها ولذلك عندما أرادوا احراق ابراهيم جاءوا به امام آلهتهم ليلقونه في النار، وكان المفروض ان هذه الآلهة تنتقم لنفسها ممن حطمها إذا كانت تستطيع لنفسها نفعا أو ضرا ولكنهم حين ألقوا بإبراهيم الذي سفه معتقداتهم في النار لم تحرقه النار وخذلتهم آلهتهم على أن اختيار النار يمكن أن يكون له معنى آخر، فكم من الناس عبدوا النار في الماضي حتى خلال هذه الفترة تجد أن بعض الناس لا يزالون يتخذون النار الها مقدسا، ولكن معجزة إبراهيم ليست أن ينجو من النار فلو أراد الله أن ينجيه من النار ما مكنهم من إلقاء القبض عليه أو لنزلت الأمطار لتطفئ النار ولكن الله شاء أن تظل النار نارا متأججة محرقة مدمرة وأن يؤخذ ابراهيم عيانا أمام كل الناس ويرمى في النار وهنا يعطل ناموس أو قانون احراقها (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) ..
لو أن ابراهيم نجا بأن هرب مثلا لقالوا لو أمسكناه لاحرقناه ولو نزلت الامطار لقالوا لو لم تنزل الأمطار لاحرقناه..ولكن ابراهيم لم يهرب والامطار لم تنزل..والنار متأججة … ولكنها لم تحرق ابراهيم..فكأن آلهتهم التي كانوا يزعمون أنها ينتقمون لها..ليست آلهة كما يزعمون … انما هي أصنام لا تضر ولا تنفع..وكل شئ في هذا الكون خاضع لمشيئة الله..وارادة الله..عندما تقول (يا نار كونى بردا وسلاما) تتعطل خاصية الاحراق وتقف قوانين الكون عاجزة أمام قدرة الله..وتقف آلهتهم عاجزة على أن تقول: يا نار احرقي من حطمنا..وعيسى عليه السلام جاء والقوم يعلمون الطب..فجاء لهم بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه..فأبرأ الاكمه والابرص..وتسامى الى شئ آخر لم يصلوا هم إليه..فأحيا الموتى … اذن فمعجزات الرسل هي خرق لنواميس أو قوانين الكون … فالنار مع ابراهيم تتعطل خاصية احراقها..والماء مع موسى يفقد قوانينه..وقانون الماء هو الاستطراق..لا يكون عاليا في مكان ومنخفضا في مكان آخر..لابد أن يتساوى سطحه..فإذا ضرب موسى بعصاه البحر.. انشق وأصبح كل فرق كالطود العظيم أي كالجبل العظيم يقف عاليا ليخرق قوانين الماء كلها..ولكن لماذا حدث هذا؟ لماذا انفلق البحر الى جزءين..وتعطلت كل قوانين الماء..لان موسى رد الامر الى الله..كيف؟..حينما تبع قوم فرعون قوم موسى..قال قوم موسى انا لمدركون..وهذا كلام واقعي..لان البحر أمامهم..وقوم فرعون وراءهم.
والمسألة في قانون البشر واضحة لا تحتاج إلى بيان..ولكن موسى قال: كلا.. وقالها بملء فيه..قالها وهو واثق تماما..لماذا؟.. لانه لم يزعم أنه سينجو بأسباب البشر..لم يقل انني سأنجو لاننا سنصعد الى جبل كذا..أو سنعبر البحر بطريقة كذا..وانما قال: (كلا..ان معي ربي سيهدين) … ونقل المسألة من قانون الانسان الى قدرة الله..وهنا قال الله (اضرب بعصاك البحر) ..فانفلق..معجزة القرآن وكيف تختلف على أنه يلاحظ أن معجزة القرآن تختلف عن معجزات الرسل السابقين..معجزات الرسل خرقت النواميس..وتحدت..وأثبتت أن الذي جاءت على يديه رسول صادق من الله..ولكنها معجزات كونية..من رآها فقد آمن بها..ومن لم يرها صارت عنده خبرا..أن شاء صدقة وأن شاء لم يصدقه..ولو لم ترد في القرآن لكان من الممكن أن يقال أنها لم تحدث..اذن فالمعجزة الكونية المحسة … أي التي يحس بها الانسان ويراها..تقع مرة واحدة..من رآها فقد آمن بها..ومن لم يرها تصبح خبرا بعد ذلك..ولكن معجزة النبي ﷺ معجزة عقلية باقية خالدة..يستطيع كل واحد أن يقول محمد رسول الله..وهذه معجزة وهي القرآن … شئ آخر إذا نظرنا الى المعجزات السابقة..وجدنا هذه المعجزات فعل من أفعال الله..وفعل الله من الممكن أن ينتهى بعد أن يفعله الله، البحر انشق لموسى ثم عاد الى طبيعته … النار لم تحرق ابراهيم ولكنها عادت الى وقالها بملء فيه..قالها وهو واثق تماما..لماذا؟.. لانه لم يزعم أنه سينجو بأسباب البشر..لم يقل انني سأنجو لاننا سنصعد الى جبل كذا..أو سنعبر البحر بطريقة كذا..وانما قال: (كلا..ان معي ربي سيهدين) … ونقل المسألة من قانون الانسان الى قدرة الله..وهنا قال الله (اضرب بعصاك البحر) ..فانفلق..معجزة القرآن وكيف تختلف على أنه يلاحظ أن معجزة القرآن تختلف عن معجزات الرسل السابقين..معجزات الرسل خرقت النواميس..وتحدت..وأثبتت أن الذي ج اءت على يديه رسول صادق من الله..ولكنها معجزات كونية..من رآها فقد آمن بها..ومن لم يرها صارت عنده خبرا..أن شاء صدقة وأن شاء لم يصدقه..ولو لم ترد في القرآن لكان من الممكن أن يقال أنها لم تحدث..اذن فالمعجزة الكونية المحسة … أي التي يحس بها الانسان ويراها..تقع مرة واحدة..من رآها فقد آمن بها..ومن لم يرها تصبح خبرا بعد ذلك..ولكن معجزة النبي ﷺ معجزة عقلية باقية خالدة..يستطيع كل واحد أن يقول محمد رسول الله..وهذه معجزة وهي القرآن … شئ آخر إذا نظرنا الى المعجزات السابقة..وجدنا هذه المعجزات فعل من أفعال الله..وفعل الله من الممكن أن ينتهى بعد أن يفعله الله، البحر انشق لموسى ثم عاد الى طبيعته … النار لم تحرق ابراهيم ولكنها عادت الى خاصيتها بعد ذلك ولكن معجزة النبي ﷺ صفة من صفات الله..وهي كلامه..والفعل باق بابقاء الفاعل له..والصفة باقية ببقاء الفاعل نفسه.
ويلاحظ أيضا في معجزة القرآن..انها اختلفت عن معجزات الرسل اختلافا آخر..كان رسول كانت له معجزة..وله كتاب منهج..معجزة موسى العصا..ومنهجه التوراة..ومعجزة عيسى الطب..ومنهجه الانجيل..ولكن رسول الله ﷺ معجزته هي عين منهجه..ليظل المنهج محروسا بالمعجزة..وتظل المعجزة في المنهج..ومن هنا فقد كانت الكتب السابقة للقرآن داخلة في نطاق التكليف..بمعنى أن الله سبحانه وتعالى كان يكلف عباده بالمحافظة على الكتاب..أما القرآن فقد قال الله سبحانه وتعالى عنه: (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) لماذا؟..أولا: لان القرآن معجزة..وكونه معجزة لابد أن يبقى بهذا النص وإلا ضاع الاعجاز..وثانيا: لان الله جرب عباده في الحفاظ على الكتب السابقة … فنسوا حظا مما ذكروا به..والذي لم ينسوه كتموا بعضه..والذي لم يكتموه يلوون ألسنتهم به ويحرفونه عن موضعه..وهكذا نرى أنه كان هناك أكثر من نوع المسخ والنسيان والتحريف..ثم جاءوا بأشياء من عندهم وقالوا أنها من عند الله ليشتروا بها ثمنا قليلا.
ومن هنا فان الله سبحانه وتعالى قرر أن يحافظ على القرآن..ولو أخذنا خطين..خط تطبيق القرآن..والعمل بتعاليمه..وخط المحافظة على القرآن..نرى أن خط تطبيق القرآن كلما مر الزمن ضعف..وخط المحافظة على القرآن كلما مر الزمن أداد..لو كنا نطبق المنهج تطبيقا سليما لكان هذا أمرا طبيعيا..ولكن غفلتنا عن تعاليم القرآن كسلوك في الحياة لا تتمشى مع ازدياد الحفاظ على القرآن..نجد القرآن في كل مكان..في كل منزل ومكتب وسياره … حتى غير المسلم يحافظ على القرآن ويحمله..فنجد شخصا المانيا مثلا يفكر في أن يكتب القرآن في صفحة واحدة..بشكل جميل..فلماذا يفعل ذلك مع القرآن..قبل أن يفعله مع الكتب السماوية الاخرى..وما الذي يجعل دولة كاليابان وايطاليا تتفننان في طباعة المصحف بشكل جميل انيق..ان ذلك يحدث لان الله سبحانه وتعالى يريد أن يدلل لنا على أنه يحفظ القرآن..وكلما ابتعدنا عن المنهج..ازددنا في حفظ القرآن والغناية به..ليدلل على أن الذي يحفظه هو الله..وليس القائمين على المنهج..معجزة القرآن للعالم كله فإذا حددنا هذه لعناصر الثلاثة التي تمتاز بها معجزة القرآن … ننتقل بعد ذلك الى نقطة أخرى … القرآن كلام الله المتعبد بتلاوته..جاء من جنس ما نبغ فيه العرب..القوم الذين نزل فيهم..قوم محمد ﷺ..عرفوا بالبلاغة والفصاحة..وحسن الاداء..وجمال المنطق..وسلالة التعبير..فيتحداهم القرآن في هذا..فلما سمعوه انبهروا..ولكن العناد أوقفهم … قالوا ساحر..والرد هنا بسيط جدا..هل يملك المسحور اختيارا مع الساحر..إذا كان محمد ساحرا..فقد سحر الناس..فلماذا لم يسحركم أنتم حتى تتبعوه..ان المحسور لا يخشع للساحر بارادته..ولا يأتي ليقول له سأصدق هذا السحر..واكذب بها السحر..انما المسحور مسلوب الارادة أمام الساحر..فكونكم تقولون انه ساحر وأنتم لا تؤمنون به دليل على انكم كاذبون..ثم قالوا شاعر..محمد لم يقل الشعر في حياته..وأنتم تعرفون..فلماذا فجأة تتهمونه بالشعر ثم قالوا مجنون..هل المجنون يكون على خلق أنك لا تعرف ماذا سيفعل معك في الدقيقة التالية..فهل المجنون يكون على خلق عظيم كالنبي ﷺ … الذي يعرفون خلقه جيدا..والذي كانوا يلقبونه قبل الرسالة بالامين..الذي حدث انهم انبهروا..ذهلوا..هم ملوك البلاغة والفصاحة واساطينها..فجاءهم كلام أعجزهم..وجدوا أنفسهم عاجزين..فتخبطوا..قالوا ساحر..قالوا مجنون..وقالوا أشياء لا تخضع لاي منطق..لانهم من قوة المفاجاة فقدوا الحجة والمنطق..والقرآن يواصل التحدي أن يأتوا بمثله..ثم يمعن في التحدي ليقول بعشر سور..ثم يمعن في التحدي ليقول سورة من مثله..كان هذا هو أول اعجاز للقرآن..معجزة تحدت القوم الذين نزل فيهم بما نبغوا فيه..ولكن التحدي في القرآن ومعجزاته ليست للعرب وحدهم..بل هي للعالم أجمع..ومن هنا فقد كان اعجاز القرآن اللغوي..هو تحديه للعرب فيما نبغوا فيه..ولكن التحدي لم يأت للعرب وحدهم..والقرآن جاء لكل الاجناس..وكل الالسنة..فأين التحدي..لغير العرب..ثم هذا الكتاب سيبقى الى أن تقوم الساعة.. فلابد أنه يحمل معجزة للعالم في كل زمان ومكان.
ومن هنا كانت هناك معجزات للقرآن..وقت نزوله وفي خلال فترة نزوله..وبعد نزوله..وهي مستمرة..حتى يومنا هذا..ستستمر الى قيام السعة لتظهر لنا آيات الله في الارض..القرآن مزق حواجز الغيب حينما جاء القرآن تحدى في أشياء كثيرة..أولها أنه مزق حواجز الغيب..مزق حواجز الزمان والمكان … كيف ذلك..حواجز الغيب ثلاثة..أولها حاجز المكان..أي أن أشياء تحدث في نفس اللحظة..ولكن لا أعرف عنها شيئا..لانها تحدث في مكان..وأنا موجود في مكان آخر..ثم هناك حاجز الزمن الماضي..وهو شئ حجبه عني زمن مضى..فأنا لم أشهده..وحاجز المستقبل وهو ما سيحدث غدا..لان حاجز الزمان المستقبل قد حجب عني فلم أشهده..اذن فحواجز الغيب ثلاثة..حاجز المكان..وحاجز الزمن الماضي..وحاجز الزمن المستقبل..إذا قرأنا القرآن وجدنا أنه يمزق حاجز الزمن الماضي..فيخبرنا بما حدث للامم السابقة..ويروى لنا قصص الرسل السابقين..ويحكى لنا أشياء لم يكن أحد يعرفها وعلى لسان من..على لسان نبي أمي..لا يقرأ ولا يكتب..يحكى إذا أسرار الماضي..ويتحدى الذين يكذبون..مزق له الله حجاب وحاجز الزمن الماضي..
يكفى أن تقرأ في القرآن.. (وما كنت وما كنت وما كنت) ..لتعرف كم أخبر الله رسوله بأنباء من غيب الماضي.. (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا الى موسى) .. (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) ..أي انك لم تكن هناك يا محمد..ولكن الله هو الذي أخبرك ومزق لك حجاب الزمن الماضي.. (وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا..وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا الى موسى الامر..وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك) ..وهكذا نرى أن القرآن مزق حجاب الزمن الماضي في أكثر من مناسبة ليخبر محمدا عليه السلام بالاخبار الصحيحة عمن سبقوه من الرسل والانبياء ويصحح ما حرف من الكتب السماوية التي أنزلها الله وحرفها الرهبان والاحبار … بل ان الاعجاز هنا جاء في تصحيح ما حدث من تحريف الكتب السماوية التي سبقت القرآن..وكان محمد ﷺ يتحدى بالقرآن أحبار اليهود ورهبان النصارى..ويقول لهم هذا من عند الله..في التوراة أو الانجيل..وهذا حرفتموه في التوراة أو الانجيل..ولم يكونوا يستطيعون أن يواجهوا هذا التحدي أن يردوا عليه..ذلك أن التحدي للقرآن في تمزيق حجاب الزمن الماضي..وصل إلى أدق أسرار الرسالات السماوية الماضية فصححها لهم..وبين ما حرفوه منها وما أخفوه..وتحداهم أن يكذبوا ما جاء في القرآن فلم يستطيعوا..ومن ذلك قوله تعالى في سورة مريم (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) ..
ثم جاء الامر الثاني..فمزق الله حجاب المكان لمحمد عليه الصلاة والسلام..وجاء في أمر من أدق الامور وهو حديث النفس..وهنا وقبل أن نبدأ..أح ب أن نضع في أذهاننا جيدا أن القرآن هو كلام الله المتعبد بتلاوته..وأنه يبقى بلا تعديل ولا تغيير لا يجرؤ أحد على أن يمسه أو يحرقه..ومن هنا فإن هذا الكلام حجة على محمد عليه الصلاة والسلام مأخوذة عليه..فإذا أخبر القرآن بشئ..واتضح أنه غير صحيح..كان ذلك هدما للدين كله..يأتي القرآن وقد بينت خطورة ما يقول.. (ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله) ما معنى هذا الكلام..معناه امعان في التحدي..فالقرآن هنا لا يقول لهم لقد هتكت حاجز الماضي..وأخبرتكم بأنباء الاولين..ولا يقول لهم سأهتك حاجز المكان وأخبركم بما يدور في بقعة قريبة لا ترونها بل يقول: سأهتك حاجز النفس..وأخبركم بما في أنفسكم..بما في داخل صدوركم..بما لم تهمس به شفاهكم..وكان يكفى لكى يكذبوا محمدا أن يقولوا لم تحدثنا أنفسنا بهذا..لو لم يقولوها بالفعل داخل أنفسهم لكان ذلك أكبر دليل لكي يكذبوا محمدا ويعلنوا أنه يقول كلاما غير صحيح..إذ فالقرآن في هتكه لحجاب المكان..دخل الى داخل النفس البشرية..والى داخل نفوس من..الى داخل نفوس غير المؤمنين الذين يهمهم هدم الاسلام..وقال في كلام متعبد بتلاوته لن يتغير ولا يتبدل..قال: (ألم تر الى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوا حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) ..صدق الله العظيم..قال ما يدور في أنفس غير المؤمنين..
فهل هناك أكثر من هذا تحديا..لحجاب المكان..انه تحد فوق قدرة كل الاختراعات البشرية التي وصل إليها العلم الان لاختراق حجب المكان..بل ان التحدي ظهر في ما يحرص غير المؤمنين على اخفائه..فالانسان حين يحرص على اخفاء شئ..ويكون غير مؤمن..يأتي اليك فيحلف لك بأن هذا صحيح..وهو غير صحيح في نفسه فقط..ولكن حرصه في أن يخفيه على الناس يجعله مؤكد أنه صحيح بالحلف..ويأتي الله سبحانه وتعالى فيجعل القرآن يمزق نفوس هؤلاء الناس..ويظهر ما فيها امعانا في التحدي..ويقول الله سبحانه وتعالى (وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون) ..ويقول سبحانه وتعالى (يحلفون لكم لترضوا عنهم فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) ..ويقول سبحانه وتعالى (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) ..
إذا فالقرآن هنا جاء لاناس غير مؤمنين..وهتك حاجز النفس بالنسبة لهم فأخرج ما في صدورهم وعراهم أمام الناس جميعا..وفضح كذبهم..ونشر على الدنيا كلها ما في صدورهم من كذب ورياء ونفاق..أي أنه أهانهم أمام المجتمع كله..ولو كان هذا غير صحيح لقال هؤلاء القوم اننا لم نكذب..اننا لصادقون..والكلام الذي يدعيه محمد بأنه يأتي من عند الله كلام غير صحيح..ولكن هؤلاء بهتوا من أن القرآن مزق حجاب نفوسهم فلم يستطيعوا ردا..وبهتوا لان الله أخرج ما في صدورهم..وعراهم أمام الناس جميعا..فلم يفعلوا شيئا أكثر من انهم تواروا بعد أن افتضحت حقيقتهم..ولو كان هذا القرآن من عند غير الله لما استطاع أن يصل الى داخل النفس البشرية..وهي من أدق أسرار الدنيا التي لم يستطع على أن يصل إليها حتى الان..فإذا بالقرآن يأتي متحديا بكلام متعبد به الى يوم القيامة لا يستطيع أحد تبديل حرف فيه ليكشف ما في داخل النفس..ويعرى ما تكتمه عن الناس جميعا..وما هي حريصة على كتمانه..حتى انها تحلف باسم الله كذبا ليصدقوها الناس..يأتي القرآن فيمزق هذا كله..أتريد اعجازا أكثر من ذلك..ثم بعد ذكل مزق القرآن حجاب المستقبل..كان لابد أن يكون الحديث عن المستقبل على عدة مراحل..المرحلة المعاصرة..لكي يعرف أصحاب الرسالة والمؤمنون وغير المؤمنين انه الحق..ومرحلة المستقبل البعيد لكي يعرف كل عصر من العصور التي ستأتي بعد نزول القرآن..أن هذا هو كتاب الله الحق..ومن هنا كان التحدي..بالنسبة للمعاصرين عن أحداث قريبة..وبالنسبة للعالم عن حقائق الكون كله..وهنا أحب أن أنبه الى شئ هام جدا هو استخدام حرف السين في القرآن..فحرف السين كما نعرف في اللغة العربية لا يستخدم الا بالنسبة لاحداث مستقبلة..والقرآن محفوظ ومتعبد به وبتلاوته..وسيظل محفوظا حتى يوم الساعة..ومعنى ذلك أنه لا يمكن تبديله أو تغييره أو انكاره من أحد من المتعبدين به..بل سيظل يتلى هكذا كما أنزل..إذا فأنباء القرآن بأحداث مستقبلة يسجل هذه الاحداث على قضية الايمان نفسها.. ويطعن الدين في صميمه..خصوصا إذا تبين أن ما تنبأ به القرآن غير صحيح..ومن هنا فلابد أن يكون قائل القرآن متأكدا من أن هذا سيحدث في المستقبل .. من من البشر يستطيع أن يتأكد ماذا سيحدث له بعد ساعة واحدة..فما بالك بعد أيام وسنوات..الجواب..لا أحد..ذلك ان قدرة البشر في صنع الاحداث محدودة .. فقد حجب عنهم الزمن .. وحجب عنهم المكان.. فلو قلت مثلا أننى سأبنى عمارة في هذه البقعة بعد عام .. أنا لا أضمن اننى سأعيش حتى الساعة القادمة..وبذلك لا أستطيع أن أحكم إذا كنت سأكون موجودا هناك أم لا..هذه واحدة..ثانيا قد تأتي الحكومة مثلا وتبنى مستشفى في هذا المكان.. أو قد يقام في هذا المكان سوق أو شارع إذا فأنا لا أستطيع أن أجزم في شئ مادى سيحدث بعد فترة زمنية محدودة..ولكن الذي يستطيع أن يقول هذا يقينا هو الذي يملك القدرة..ومن هنا فانه يستطيع أن يقول يقينا أن هذا سيحدث بعد فترة من الزمن..والذي يملك ذلك هو الله سبحانه وتعالى..فإذا كان الحديث عما سيحدث بعد آلاف السنين فان ذلك فوق طاقة البشر جميعا..ولقد أنبأ القرآن بما سيحدث بعد أعوام قليلة..وبما سيحدث بعد آلاف السنين..فالذي قال هذا هو القادر العالم بأن ذلك سيحدث يقينا وهو الله سبحانه وتعالى..انظر الى قوله سبحانه وتعالى.. (سيهزم الجمع ويولون الدبر) ..لقد نزلت سورة القمر هذه في مكة والمسلمين قلة..واذلة..حتى أن عمر بن الخطاب قال: أي جمع هذا الذي سيهزم ونحن لا نستطيع أن نحمى أنفسنا وهكذا يتنبأ القرآن بأن الاسلام سينتصر..في مكة وأن هؤلاء الجمع الذين تجمعوا لمحاربة الاسلام في مكة سيهزمون ويولون الادبار..ويتنبأ بها متى..والمسلمون قلة..وأذلة..لا يستطيعون حماية أنفسهم..ويطلقها قضية..وهو على يقين من أن الله الذي قالها سيحققها..وبعد ذلك نجد عجبا..الوليد بن المغيرة العدو الالد للاسلام..والمشهور بكبربائه ومكابرته وعناده..يأتي القرآن ويقول هذا الانسان المكابر العنيد.. (سنسمه على الخرطوم) ..أي أنه سيقتل بضربة على أنفه..ويحدد موقع الضربة..وبعد ذلك يأتي في بدر..فتراه قد وسم على خرطومه..أي ضرب على أنفه..من الذي يستطيع أن يحدد موقع الضربة ومكانها..من الذي يستطيع أن يجزم..ماذا سيحدث بعد ساعة واحدة..احداث المستقبل وتحدى القرآن نأتي بعد ذلك الى آية أخرى..الرسول عليه الصلاة والسلام يأتي فيقرأ.. (تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب..سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد) ..هذا قرآن..وفي من..في عم الرسول..وفي من..في عدو الاسلام..ألم يكن أبو لهب يستطيع أن يحارب الاسلام بهذه الاية..ألم يكن يستطيع أن يستخدمها كسلاح ضد القرآن..ضد هذا الدين..قالت له الاية يا أبا لهب أنت ستموت كافرا..ستموت مشركا..وستعذب في النار..وكان يكفى أن يذهب أؤ لهب الى أي جماعة من المسلمين.. ويقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله.. يقولها نفاقا.. يقولها رياءا..يقولها ثم يقف وسط القوم يقوم: أن محمدا قد أنبأكم انني سأموت كافرا..وقال ان هذا كلام مبلغ له من الله..وأنا أعلن اسلامي لاثبت لكم أن محمدا كاذب.. (لو كان أبو لهب يملك ذرة واحدة من الذكاء لفعل هذا..ولكن حتى هذا التفكير لم يجرؤ عقل أبي لهب على الوصول إليه..بل بقى كافرا مشركا..ومات وهو كافر..ولم يكن التنبؤ بأن أبا لهب سيموت كافرا..أمرا ممكنا..لان كثيرا من المشركين اهتدوا الى الاسلام كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب..وغيرهم.. كانوا مشركين وأسلموا..فكيف أمكن التنبؤ بأن أبا لهب بالذات لن يسلم ولو نفاقا..وسيموت وهو كافر..المعجزة هنا أن القرآن قد أخبر بما سيقع من عدو..وتحداه في أمر اختياري..كان من الممكن أن يقوله ومع ذلك هناك يقين أن ذلك لن يحدث..لماذا..لان الذي قال هذا القرآن..يعلم أنه لن يأتي الى عقل أبي لهب تفكير يكذب به القرآن..هل هناك اعجاز أكثر من هذا..انتقل بعد هذا الى النقطة الثانية..وهي ماذا حمل القرآن لغير الحرب في عصره..ولغير العرب والدنيا كلها بعد عصره..أي ماذا حمل القرآن من أنباء نواميس الله في الارض وقوانينه..التي كانت غيبا على البشرية كلها في عصره وبعد عصره..هنا الامثلة كثيرة..والمجال لا يتسع لها كلها..ولكني سأحاول أن أبين عددا منها فيما يختص بالاعجاز في عصر القرآن لغير العرب..فقد كان هناك أمتان كبيرتان امبراطوريتان بجانب الجزيرة العربية..هما الروم والفرس..الروم أمة مؤمنة..أهل كتاب..ولو أنهم لا يصدقون برسالة محمد الا أن هناك عندهم ايمانا بوجود الله.
والقيم السماوية..والفرس كانوا أهل كفر والحاد في ذلك الوقت..لا يؤمنون بأي دين من الاديان..إذا فأيهما أقرب الى قلب المؤمنين..الروم باعتبارهم أهل كتاب..وأيهما أقرب الى قلب الملحدين والكفار..الفرس باعتبارهم مشركين وكفرة..قامت الحرب بين الدولتين..فهزم الروم وانتصر الفرس..وهنا فرح المشركون لان الكفر قد انتصر..وحزن المؤمنون لان نوعا من الايمان قد انهزم..هنا يتدخل الله سبحانه وتعالى ليزيل عن المؤمنين هذا الحزن..فيقول في كلام محفوظ متعبد بتلاوته لن يجرؤ ولن يستطيع أحد أن يغير فيه..
يقول: (الم غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين..له الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله..ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) ..ثم يمضى القرآن ليمعن في التحدي.. (وعد الله لا يخلف الله وعده..ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ما هذا..أيستطيع محمد ﷺ أن يتنبأ نتيجة معركة ستحدث بين الروم والفرس بعد بضع سنين..هل يستطيع قائد عسكري مهما بلغت قوته وعبقريته..ونبوغه أن يتنبأ بمصير معركة عسكرية بعد ساعدة واحدة من قيامها..فما بالك أن ذلك يأتي ويقول أنه بعد بضع سنين ستحدث معركة بين الفرس والروم وينتصر فيها الروم..هل أمن محمد ﷺ على نفسه أن يعيش بضع سنين ليشهد هذه المعركة..ولقد وصل الامر بأبي بكر رضي الله عنه..انه راهن على صحة ما جاء به القرآن..إذا فقد أصبحت قضية ايمانية كبرى..هذا هو القرآن..كلام الله..وأساس الايمان كله..يأتي ويخبر بحقيقة أرضية قريبة ستحدث لغير العرب..ويقول الكفار أن القرآن كاذب..فيقول المؤمنون ان هذا صدق..ويحدث رهان بين الاثنين..ماذا كان يمكن أن يحدث لو أنه لم تحدث معركة بين الروم والفرس..أو لو أنه حدثت معركة وهزم فيها الروم أكان بعد ذلك يصدق أي انسان القرآن أو يؤمن بالدين الجديد..ثم إذا كان القرآن من عند محمد فما الذي يجعله يدخل في قضية غيبية كهذه..لم يطلب منه أحد الدخول فيها أيضيع الدين من أجل مخاطرة لم يطلبها أحد..ولم يتحده فيها انسان..ولكن القائل هو الله..والفاعل هو الله..ومن هنا كان هذا الامر الذي نزل في القرآن يقينا سيحدث..لان قائله ليس عنده حجاب الزمان..وحجاب المكان..ولا أي حجاب وهو الذي يقول ما يفعل..ومن هنا حدثت الحرب..وانتصر الروم على الفرس فعلا..كما تنبأ القرآن..وهكذا تحدى القرآن للكفار وغير المسلمين في وقت نزوله..أي أنه لم يتحد العرب وحدهم..بل تحدى الكفار والمؤمنين من غير العرب..بأن أنبأهم بما سيحدث لهم قبل أن يحدث بسبع أو ثماني سنوات..تحداهم بهذا علهم يؤمنون..إذا انتهينا الى هذا نكون قد أثبتنا أن القرآن تحدى العرب وغير العرب في وقت نزوله..ولكننا قلنا أن القرآن ليس له زمان..وليس له مكان..وأنه سيظل حتى قيام الساعة..فكيف يمكن أن يتحدى الاجيال القادمة..لابد أن يكون للقرآن معجزة دائمة..أن يعطى عطاء الكل جيل لم يعطه للاجيال السابقة..وقد كان..جاء في القرآن أشياء لو أن أحدا أخبر بها وقت نزوله..لا تهم الذين قالوها بالجنون..ولكنها جاءت للعصور القادمة..جاءت لتتحدى عبر الاجيال الى يومنا..والى الايام القادمة..