ما يمايز المؤمن الحق عن غيره هو تعاليه عن سفاسف الأمور، وارتباطه مباشرة بخالقه، ولا يتحقق هذا إلا لمن رزق حلاوة الإيمان. وما ذاك بسهل. إن الفطرة وواقع الحياة ليحملان الإنسان على ربط ذروة أهدافه بالدنيا الفانية، وحب العاجلة، لأن ذلك مبلغه من العلم، لكن من سما فوق ظاهر الحياة؛ فصفا وتخلص من هوى نفسه، لا يرسم لنفسه إلا هدفا واحدا، وهو رضا الله.
بعض علوم التنمية البشرية والبرمجة العصبية يحفز الجانب الشهواني للإنسان، ويميت الجانب الكسلي النومائي الخمولي لديه؛ فتحمسه إلى هذا وذاك، ويجعل منه وحشاً ومارداً في شكل إنسان، وقد لا تعمد هذه العلوم على دين وخلق كوسيلة نجاح.. فهل يمكن النجاح بالقيومية، وبدون اتخاذ أي سببية، بدا للباحث أن حقيقة النجاح ليس إلا في القيومية، وينجح الإنسان بما يأتي:
– الإيمان : لا يستوي من كان مؤمنا مع من هو كافر. ليس من العدل أن يجعل الله المتقين كالمجرمين! ما لكم كيق تحكمون؟! يترك المؤمن عبادة الشمس والشجر والصنم والقبور لأنها لا تنفع ولا تضر، فلا يشك أن الله هو النافع. وعد الله من آمن به العيش في فرح وسعادة “فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” والمؤمن لا يعرف خوفا ولا حزنا؛ لقناعته –على الأساس- أنهما لا بيد أحد سوى الله “فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.” فالإيمان أهم عنصر نجاح، وهو أمر قيومي لا سببي. “إن تنصروا الله ينصركم“ولم ينتصر المسلمون بعدد ولا عدة ولكن بالإيمان!
إقرار الإنسان بالجميل الذي أنعم الله به عليه مما يدفعه إلى أن يكون شاكرا لأنعم الله غير جاحد
– الذكر : استحضار عظمة الله وقوته، ولطفه وحبه لعباده من أعظم العبادات التي يرجع نفعها إلى العبد نفسه، ومن أسرع مفاتيح النجاح وبدون اتخاذ الأسباب؛ لأنها أكبر من الأسباب الظاهرة. “فاذكروني أذكركم” تواصل لاسلكي. ولذِكر الله أكبر” نعم أكبر من ذكر أي صاحب مال أو جاه، وأكبر من التخطيط واتخاذ الأسباب. وكفى بالإنسان نجاحا أن يكون حسبه الله، وأن يفوض أموره عليه.
– الاستغفار : هو الإنابة إلى الله بعد اقتراف المنهيات، والتقصير في الطاعات، وهو طلب الثبات والفتح والرعاية والعناية من الحي القيوم، وهو وسيلة من وسائل تدبير الله للإنسان ومكره له حين يمكر عليه ويكاد عليه. “هو أنشأكم من الأرضواستعمركم فيها فاستغفروه” عجيب! يكون إعمار الكون بالتقرب إلى الله بالاستغفار. “وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله” ” ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين” ” فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا” لا بورصة ولا بنوك ولا أدوية.. بل الاستغفار..
– الدعاء : إظهار العبد الضعف والعجز والحاجة إلى الله هو حقيقة الدعاء، وعكسه الاكتفاء بالسببية. فذروة العبودية هو قول العبد “يا رب..” ليس لي غيرك، إلى من تكلني! إن لم تحقق لي كيت وكيت وتكفيني فمن؟! وكفى بالإنسان فلاحا أن يتولاه الله فيما تولى، وأن يصنعه على عينه “ادعوني أستجب لكم”!
– الشكر : إقرار الإنسان بالجميل الذي أنعم الله به عليه مما يدفعه إلى أن يكون شاكرا لأنعم الله غير جاحد. “ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما” “وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.”
– صلاح الوالدين : كون الإنسان يريد الخير للناس، ويسعى إلى ذلك؛ مما يعود بالخير والفلاح ليس له فحسب، بل لأبنائه من بعده، “وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري” لا تنفع السببية هنا، ليس إلا رحمة الحي القيوم غلام الغيوب!
– الاستقامة : ديمومة البقاء على الصراط، والإصرار على تجنب المنكرات، والعزم على فعل الطاعات. “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون” ” وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا.” عطاء من الله وبدون أدنى سببية من الإنسان “استقم ترزق”!
التناقض العجيب في الكون ليس مطلوبا لذاته، بل سبيل لإعطاء الإنسان فرصة اختيار البقاء في جنب الله
– التقوى والصلاح : مختصر معنى التقوى أن تفعل أو تترك أمرا لله، فمن عاش لله، وفعل لله، وترك لله لا أبالك لن يتركه الله، “وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” ” فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون”
التناقض العجيب في الكون ليس مطلوبا لذاته، بل سبيل لإعطاء الإنسان فرصة اختيار البقاء في جنب الله، فخَلْقُ الإنسان محبا المال والنساء وزينة الحياة الدنيا وزخارفها مجردُ وصف لواقع، لكنه ليس مطلبا شرعيا، وقدرة الإنسان على نيل مراده بالسبل الشرعية وغير الشرعية باتخاذ السنن الكونية الممكنة مجرد واقع ممكن، ربط الله هذا بذاك، وليس مطلبا شرعيا.
أخيرا ، هنيئا لمن نجح في إدراك هذا الوهم ولم يُرِد إلا الله. لتأتينه الدنيا وما فيها راغمة، ما أجمل أن يمشي الإنسان بنور الله! ما أروع أن تكون إنسانا راقيا وساميا، يتخذ الله عنك القرار ويختار لك، فهو سمعك وهو بصرك، وهو يدك ورجلك، ولئن سألته ليعطينك، ولن استعذت به ليعيذنك ولا يبالي، ولا ينقص ذلك من ملكه شيئا. هذا هو النجاح بالقيومية، وهو السعادة الحقيقية .