الجنس هو أحد الغرائز القوية عند الإنسان، وهو يقود مشاعره وقد يسيطر عليه ويترجم إلى سلوك، وغالبا ما يكون ردة فعل على محفزات خارجية معينة. ولذا فإن التجربة الجنسية تشكل أعمق التجارب إذا أدرك الإنسان معناها والهدف منها بالكامل. 

والهوية الجنسية هو شعور الفرد بأنه ذكر أو أنثى بما يتوافق مع واقعه البايولوجي الجنسي، وعندئذ تعتبر الهوية الجنسية الشعورية مطابقة للهوية البيولوجية وهو ما يتمتع به معظم البشر. ولكن هناك فئة قليلة من الناس من كلا الجنسين لا يتوافر فيهم هذا التطابق مما يترجم لسلوك، للتعبير عما يعانونه من عدم التطابق بين شعورهم  وواقع هويتهم الجنسية. (كمال، 1994:  19). 

 وعدم التوافق بين شعور الفرد ونوعه البيولوجي يؤدي إلى اضطراب في الهوية والشعور بالضيق وعدم الراحة يظهر بعدّة صور تتمحور بين الرغبة والسلوك والهوية، فمنها ما يبقى كشعور في النفس ويتم السيطرة عليه ولا يعبر الشخص عن ميوله الجنسية، ومنها ما يظهر في الكلام والنظر وقد يتطور إلى سلوك معين كارتداء ملابس الجنس المغاير والتعبير بحركات الجنس الآخر، وقد يصل إلى اضطراب جنسي وممارسات جنسية تسمى بالمثلية الجنسية (Homosexuality) للحصول على المتعة الجنسية دون تغيير جراحي، (الميرزا، 2013: 2448) ، أو تصل إلى درجات عالية من الاضطراب تصل إلى تغيير  في معالم جنسه البيولوجي جراحيا وهو ما يسمى بالتحول الجنسي (Transsexuality). (كمال، 1994: 20).  

وظاهرة اضطراب الهوية (المثلية الجنسية) ليست بجديدة بل هي قديمة قدم المجتمعات الإنسانية، وتنتشر بين الذكور والإناث؛ بدأت مع قوم لوط، قال تعالى: { ما سبقكم بها أحد من العالمين } (الأعراف :80) وامتدت عبر السنين، ومن الشعوب من اعتبرها أمرا طبيعيا وليست انحرافا عن الفطرة، بل هي أنتجت الفن والأدب  كاليونانيين الذين اعتبروا الممارسة ومصاحبة الغلمان أمرا طبيعيا، كذلك الأمر بالنسبة لروما القديمة وقدماء الهنود والفرس. إلا أن المصريين القدماء واليهود والعرب اعتبروها انحرافا وإثما وكانت قوانينهم صارمة تجاهها. (ولسون، 2000: 19-20). 

وفي أواخر القرن العشرين حدث التحول في فهم المثلية الجنسية بأنواعها المختلفة والتي يطلق عليها (LBGT أو مجتمع الميم)، هذا الفهم تحول من الخطيئة والجريمة وعلم الأمراض النفسية إلى متغير طبيعي للجنس البشري ، وأصبحت المثلية الجنسية أكثر قبولا في العديد من دول العالم، ومنذ ذلك الحين ألغت العديد من الدول تجريم السلوك المثلي واعترف البعض بالزواج المدني من نفس الجنس، واستند الفهم الجديد إلى دراسات قدمت من منظمة الصحة العالمية، والجمعية الأمريكية لعلم النفس. (Rao, 2012).

 وبدأت تظهر احتفالات في العديد من الدول بمجتمع المثلية الجنسية لتسليط الضوء على حقوق المثليين والترويج لهم وترسيخ وجودهم في المجتمع، فكل عام هناك ما يسمى بـ «مسيرة فخر المثليين» التي تخرج في عدد من الدول حول العالم، معظمها في شهر يونيو. وكان أولها في 1970 م في مدينة شيكاغو الأمريكية. وفي عام 1994م بدأ الاحتفال السنوي في شهر أكتوبر بما يسمى بـ «مجتمع الميم» في الولايات المتحدة،  واحتفلت به في عام 2022 م ، كل من أستراليا وكندا وفنلندا وألمانيا والمجر وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وغيرها  كنوع من التطبيع وخلاله تزايدت الأنشطة الإعلامية والترويجية حول المثليين وحقوقهم.

وفي عام 2021 م قامت مسيرات في 107 دولة على الأقل وفق تقرير (Outright International) المهتمة بهذا الموضوع. (Kassioun Research Unit, 2022).   

 ومن الجدير بالذكر أن التقرير الصادر من مركز أبحاث ( Pew Research ) (Kent, 2020) تضمن  إحصائيات  أظهرت أن الدول الأكثر تقبلا للشذوذ الجنسي معظمها في دول أوروبا الغربية ودول أمريكا الشمالية، بينما الدول الأقل تقبلا  كان معظمها في دول آسيا وأفريقيا.  

 والمثلية الجنسية من المواضيع المعاصرة سريعة الانتشار وتثير اهتمام الناس على مختلف مشاربهم الدينية والفكرية والاجتماعية، وذلك بسبب انتشار هذه الظاهرة في العالم بشكل عام وفي العالم  العربي بشكل خاص، وانتقال دعاتها من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وتحدّيهم للقوانين والشرائع التي تحرم هذا الفعل وتجرمه. لذا استوجب دراستها ومعرفة أسبابها وتداعياتها على المجتمع لما لها من إفرازات ضارة على بنية المجتمع وتماسكه وانزلاقات أخلاقية خطيرة تصل إلى الانحطاط الإنساني. 

لعل من أهم ما في موضوع الجنسية المثلية من نواحي تستدعي الاهتمام هو الموقف الديني والاجتماعي من هذه الممارسة. فمن خلال هذه المواقف تبين لنا أن المثلية الجنسية تلقى رفضا أكثر منه قبولا لذا يطلق عليه مسمى “الشذوذ الجنسي.

وقد واجهت الدراسات التي تناولت البحث في ظاهرة الشذوذ الجنسي صعوبة الحصول على الأرقام الصحيحة حول مدى انتشار هذه الظاهرة، والسبب في ذلك يعود إما لغياب الإحصاءات الرسمية، أو بسبب تضخيم الجهات الداعمة للشذوذ لجنسي لبعض الأرقام، أو  بسبب التكتم الذي يحيط بمثل هذه الانحرافات في بعض المجتمعات لأنها تعد وصمة عار وفضيحة اجتماعية. 

كما أن أغلب الدراسات في مجال الشذوذ الجنسي، يقوم بإعدادها شواذ كتعبير عن وجهة نظرهم، أو مؤيدون لهم، أو خاضعون لضغطهم، ولا تتمتع بأي نزاهة علمية. (طه  ،2021:  48).

وقد أجرت مركز أبحاث للتسويق (ststista.com, 2023) دراسة كان من نتائجها  أن نسبة المثليين الجنسيين لا تتجاوز 5% في العالم على أحسن تقدير.

هذا وقد تم في هذا المقال التعريف بالمصطلح ودلالته، وتاريخ الظاهرة، وبيان موقف الأديان منها، وأسباب انتشارها والنتائج المترتبة عليها اجتماعيا ، وطرق علاجها. 

موقف الأديان السماوية من الشذوذ الجنسي

يعدّ الشذوذ الجنسي عند اليهودية خطيئة، فقد جاء في (سفر اللاويين 20: 13 ) عقوبة رجم الشاذين جنسيا واعتباره رجسًا  وهو كالحيوان في شهوته وينبغي أن يقتل (وإذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعل كلاهما رجسًا فهما يقتلان دمهما عليهما). (موقع الأنبا تكلا هيمانوت، د.ت).

وترى المسيحية  أن الممارسة المثلية غير أخلاقية وخطيئة وعقوبتها الموت، ففي رسالة بولس إلى أهل رومية  1: 27- 32 : (وكذلك الذكور أيضا تاركين استعمال الأنثى الطبيعي، اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض، فاعلين الفحشاء ذكورا بذكور، ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق… والذين إذا عرفوا حكم الله أن الذين يعملون مثل هذه يستوجبون الموت ،لا يفعلونها فقط، بل أيضا يسرّون بالذين يعملون).(موقع الأنبا تكلا هيمانوت، د.ت). 

أما في الإسلام فيعدّ الشذوذ الجنسي خروج عنفطرةالإنسان، وهي مفسدة عظيمة وجريمة أجمع عليها جمهور الأمة  ومحرمة بالإجماع،  لأنها إضرار بالصحة والخلق والمثل الاجتماعية وانتكاس للفطرة ونشر للرذيلة وإفساد للرجولة وجناية على حق الأنوثة وخراب للأسرة .

ولقد حذر الرسول –  صلى االله عليه و سلم – أمته من هذه الفعلة الشنعاء، ولعن من فعل فعلتهم، فقال: ” من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول).  (الترمذي، 1456، صححه الألباني)  وعقوبة اللواط تتأرجح بين التعزير والجلد والرجم والقتل بالسيف كالآتي:  

  • ذهب الإمام مالك  إلى أن عقوبة اللواط الرجم مطلقًا سواء كان الفاعل أو المفعول به محصنين أو غير محصنين. 
  • وفي مذهب الشافعي وأحمد هناك ثلاثة آراء هي:
  1.  أن اللواط حكمه حكم الزنا، فيعاقب الفاعل والمفعول به بعقوبته، فإن كان محصنا رجم و من لم يكن محصنا جلد وغرب؛
  2. أما الرأي الثاني فهو أن الفاعل هو الذي يرجم أما المفعول به فلا يرجم وإنما يجلد ويغرب في كل الأحوال،
  3. وجاء الرأي الأخير أن عقوبة الفاعل والمفعول به القتل في كل حال. أما أبو حنيفة فيرى أن عقوبته دون عقوبة الزاني وهو التعزير. (موقع الإسلام سؤال وجواب، 2006).  

إذًا حرمت وجرمت الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية المثلية الجنسية واعتبرتها رجسًا وخطيئة يعاقب عليها، إلا أن بعض الطوائف المسيحية واليهودية قبلتها مؤخرا نتيجة للتطبيع والضغوط الدولية . 

 وكثير من المجتمعات تجرم وتشدد على هذا السلوك إلا أن المتتبع لهذا الموضوع يجد تحولا واضحا في النظرة إلى هذه الممارسة في بعض  المجتمعات، التي تحولت إلى تفهم أكثر لهذه النزعة ودوافعها وبالتالي إلى إدانة أقل صرامة وتشددا للممارسين لها مما يدفعنا إلى التعرف على العوامل التي ساهمت في انتشارها وكانت سببا في إعطاء المثليين حق المطالبة بحقوقهم. 

العوامل المساهمة في التوجه للشذوذ الجنسي وانتشاره 

هناك مجموعة من العوامل التي ساهمت في انتشار هذه الظاهرة القديمة والتي أصبح لها صور وأشكال حديثة، منها  على سبيل المثال لا الحصر: 

أ – الدعم الدولي للمثليين من قبل المنظمات العالمية والدول الكبرى:

بدأ تركيز الأمم المتحدة بمنظماتها المتعددة ووكالاتها المختلفة مثل منظمة العفو الدولية، وحقوق الانسان؛ ومنظمة الصحة العالمية وغيرهم، على تشريع الشذوذ الجنسي في عام ١٩٥١م. وبعد ذلك بدأ موضوع الشذوذ يأخذ طابعاً أكثر تخصصية مع المؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بالأمور الجنسية، وعلى رأسها حقوق المثليين الجنسيين في العالم، مثل مؤتمر القاهرة الذي عقِد في عام ١٩٩٤م الذي سمي بمؤتمر التنمية والسكان، ومؤتمر بكين الذي عقِد عام ١٩٩٥م.  (الميرزا، 2013: 2458). 

وكان من نتائج تحركات منظمة الأمم المتحدة أن وقع في ديسمبر ٢٠٠٨ م ستة وستون بلداً في الجمعية العامة للأمم المتحدة بياناً يتعلق برفع العقوبة عن المثليين ؛ كما أطلقت الأمم المتحدة حملة باسم ( أحرار ومتساوون) في يوليو 2013 م ، ووفق موقعها هي حملة إعلامية عالمية غير مسبوقة تقوم بها الأمم المتحدة بهدف تعزيز المساواة في الحقوق والإنصاف في المعاملة لمجتمع الشواذ جنسيا ونتج عنها فيديوهات ورسوم مؤثرة، وصحف يومية بلغة الناس، ونظمت حملات ومناسبات وطنية في ثلاثين بلداً بدعم علني من الأمم المتحدة والزعماء السياسيين والمجتمعيين والدينيين ومن المشاهير في جميع مناطق العالم. (Kassioun Research Unit, 2022).

وجاء في 26 يونيو 2015 م،  قرار المحكمة العليا الأمريكية الذي شرع زواج المثليين في جميع أنحاء الولايات المتحدة  ليؤدي إلى مواقف أكثر تسامحا بين مجموعات الشباب في ضوء التغيرات العميقة للثقافة الأمريكية ، والتي تجعل الأمريكيين يتخيلون الشذوذ الجنسي بشكل مختلف عما كانوا يفعلون قبل ثلاثة عقود، هذه الثقافة التي تم تعميمها  على دول العالم  بواسطة المعاهدات والاتفاقيات الدولية ووسائل التعليم والإعلام والتكنولوجيا. 

وتبنت العديد من الدول ظاهرة الشذوذ الجنسي والدفاع عنهم وإعطاؤهم حقوقهم، ومن أكثر الدول دعما لهم هما السويد وهولندا كما جاء في ( Kent، 2020)، إضافة إلى ظهور عدد من السياسيين المثليين في العالم وبالتحديد في الغرب وترويج شذوذهم  كجزء هام من أجندتهم السياسية. 

  كما استخدم الغرب والولايات المتحدة معيار حقوق الإنسان وموضوع حقوق المثليين كأحد وسائل الضغط السياسي لتحقيق مصالحها العالمية، ولتقييم (أهلية) دولة أو حكومة ما للانضمام للاتفاقيات الدولية، أو استقطاب فعاليات رياضية ومؤتمرات عالمية، أو استثمارات اقتصادية وشراكات دولية، وفي الوقت نفسه  كانت تغض النظر عن ذات الأمور مع دول أو حكومات أخرى في حال اقتضت المصلحة ذلك. (Kassioun Research Unit, 2022).                         

ب – العوامل الاقتصادية:  

فقد ساهم الفقر والبطالة وانخفاض دخل الأسرة إلى ممارسة المثلية الجنسية لما توفره من دخل مغر وسريع، في حين تعجز بعض الأسر عن دفع تكاليف المعيشة لأفرادها مما يؤدي بهم إلى الهروب من المنزل والتوجه للعمل في الدعارة بكل أشكالها، ومن ناحية أخرى قد نجد أرباب هذه المهنة يستغلون الظروف المعيشية الصعبة لهذه الفئة من المجتمع فيجبرونهم على ممارسة الشذوذ حتى يصبح أمرا اعتياديا لهم رغم أنهم أصلا لم يكونوا من الشواذ.  

ومن الجدير بالذكر أن أولئك الذين ينتمون إلى دول غنية هم الأكثر تقبلا للشذوذ الجنسي من أولئك الذين ينتمون إلى دول فقيرة حسب استطلاع (Kent، 2020). 

ت – العوامل الإعلامية: 

عرف مروجو الشذوذ الجنسي مدى تأثير الإعلام على الناس في ظل ثورة التكنولوجيا الحديثة وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي ، فألقت بكل ثقلها في هذا المجال للترويج له ، ومن هنا بدأ اهتمام الإعلام بموضوع الشذوذ الجنسي ضمن خطة عالمية من أجل تغيير ثقافة الشعوب وعقائدهم، ويؤكد على هذا الأمر العديد من الخبراء الإعلاميين الذين يرون أن بدء طرح الموضوعات الجنسية مثل الحرية الجنسية والشذوذ الجنسي في الفضائيات الغربية والعربية، إنما يعود إلى سياسة تنفيذ برامج الأمم المتحدة، وعلى رأسها مؤتمر بكين. ….، وهناك العديد من القنوات الفضائية التي تصور شخصيات شاذة هي في الحقيقة تؤسس – بوعي أو بغير وعي- لقبول بعض التصرفات الشاذة التي لا يقبلها دين ولا شرع.

كما أن مواقع الإنترنت والمدونات الخاصة التي بدأت تنشر التحقيقات حول انتشار هذه الظاهرة في الأوساط الشبابية، وبعض المجلات الخاصة التي أخذت طريقها إلى الأسواق، مثل مجلة “برا” التابعة لجمعية “حلم”، ومجلة “بخصوص” الإلكترونية التي تصدرها جمعية “ميم”، وهي مخصصة للسحاقيات. هذا إضافة إلى مجلة جنسية جديدة اسمها “جسد”، تتناول بالصورة والكلمة المواضيع الجنسية الإباحية ومن بينها الشذوذ الجنسي. (قاطرجي،2021 )  وكذلك (مجلة رصيف الالكترونية) التي تنشر وتروج لمثل هذه الموضوعات بقلم كتاب عرب من كل الدول العربية تقريبا. هذا الاستهداف للشباب وصغار السن أتى بعض أكله، فقد جاءت في إحصائيات مركز (Pew Research) أن الشباب من عمر 18- 29 هم الأكثر تقبلا للشذوذ الجنسي من كبار السن. (Kent ،2020). 

والتبني الإعلامي لهذا الموضوع خاصة من قبل المؤسسات الإعلامية الغربية الضخمة والترويج له أدى إلى انتشاره السريع خلال برامج التلفزيون والإذاعة والبرامج الترفيهية وبالأخص برامج الأطفال، بالإضافة إلى نشرها في المنابر التعليمية والصحية والثقافية وغيرها؛  كما تم استخدام ألوان العلم للشذوذ الجنسي على نطاق واسع بوضعها فوق المباني والأبراج العالية، وفي الشوارع خلال المناسبات الوطنية، وفي مراكز التسوق وأقسام ملابس الأطفال خاصة. وفي دراسة أجرتها (الميرزا، 2013) بينت أن أكثر العوامل المؤدية إلى الانحراف الجنسي من وجهة نظر عينة الدراسة هي الفضائيات والمواقع الإباحية ورفقاء السوء.

كما أصدرت إحدى المنظمات الأمريكية واسمها (GLAAD ) ، وهي منظمة تركز على قطاع الترفيه (المرئي والمسموع والمكتوب) وتصور مجموعات «مجتمع الميم» أصدرت تقريرا حول تمثيل «مجتمع الميم» في البرامج التلفزيونية ووجدت أنه من الشخصيات الدائمة الظهور في المسلسلات على المحطات الأمريكية لموسم 2021- 2022،  وهنالك ما يقارب %12 منهم كشخصيات في المسلسل، والأطفال هدفهم الأول.

 وقد وصل الأمر بمنظمة TED الأمريكية الشهيرة في أحد مقاطع الفيديو التي أنتجتها في عام 2018، أن البيدوفيليا (اضطراب اشتهاء الأطفال) هو ميل جنسي طبيعي وليس مرضاً، مما يمهد الطريق إلى اعتبار التحرش بالأطفال أحد أشكال الميول الجنسية الطبيعية. (2202 ,Kassioun Research Unit ).

ث – التنشئة الأسرية والبيئة الاجتماعية:

أثبتت الدراسات أن البيئة الأبوية والعائلية، والظروف الاجتماعية والثقافية لها دور في انتشار الشذوذ الجنسي، فأول هذه العوامل تبدأ من الأسرة التي ينشأ فيها الطفل، والتي تساهم بشكل كبير في تكوين شخصيته وتوجيه سلوكه، فقد يكتسب الطفل الشذوذ الجنسي خلال التنشئة، فالعلاقة بين الآباء والأبناء كضعف دور أحد الوالدين في الأسرة وتسلط الآخر، كتسلط الأب والأبناء الذكور في الأسرة يجعل البنات يتقمصن شخصية المتسلط، أو تسلط الأم المسيطرة قوية الشخصية حيث تستأثر بالولد وتجعله يتوحد بها. (خلود ،2017 ).  

كذلك غياب الأب أو الأم  وإهمال الأبناء خاصة إذا صاحب ذلك الغياب اعتداء جنسي على الأبناء في الصغر؛  وما نشاهده في بعض الأسر من تنشئة خاطئة تلعب دورا كبيرا في عدم تقبل الطفل لهويته الذكرية أو الأنثوية في المستقبل  بمعنى ( لا تحديد للهوية الجنسية )، مثل قيام بعض الأهل بطالة شعر أبنائهم الذكور، والسماح لهم باللعب بألعاب البنات، وإلباسهم لباس الفتيات، وكذلك تسمية البنات بأسماء الذكور، والسماح لهن باللعب معهم في ألعابهم الخاصة التي تتسم في بعض الأحيان بالعنف. (قاطرجي، 2021). 

كما أن العنف الأسري والتمييز بين الأبناء واليتم والإدمان والاعتداء الجنسي على الأطفال يؤدي الى توجههم نحو الشذوذ الجنسي، مع خلو الساحة من وجود جهات رسمية تتصدى له. 

ج – الحالات الاجتماعية الخاصة:   

ومن زاوية أخرى وجدت بعض الدراسات أن ارتفاع نسبة العنوسة والطلاق قد يؤدي الى ممارسة الشذوذ الجنسي وذلك للتنفيس عن مشاعر مكبوتة وحرمان عاطفي في ظل العادات والتقاليد التي تمنع اختلاط الجنسين نوعا ما،  وعند طرح هذا الأمر في دراسة ميدانية قاما بها (خلود وآخرون، 2017: 126)  أجاب 48.3% من عينة الدراسة بالموافقة،  وقد تكون هذه إشارة لأحد سلبيات الطلاق والعنوسة، فالطلاق قد يؤدي الى فقدان الثقة بالجنس الآخر فيتجه الشخص الى نفس جنسه خصوصا في غياب الوازع الديني، كما أن الحرمان العاطفي الناتج عن الطلاق أو العنوسة قد يؤدي إلى اتجاه الشخص إلى نفس جنسه لسهوله اجتماعهما وفقا للعادات والتقاليد التي تجرم الاختلاط في العالم العربي. ويبين ( (Gallop, 1997: 43  أن القيود الصارمة التي تفرض على الفرد لاعتبارات اجتماعية مختلفة والتي تحد من الاختلاط بين الجنسين قد يؤدي إلى إشباع الحاجة الجنسية مع الجنس الآخر.  

كما أن الاتجاه العالمي في تقبل الشذوذ الجنسي والمساعدة على انتشاره حتى أصبح موضة عصرية ( Trend) قد يؤدي إلى ممارسته من قبل الشباب بغرض التعرف على الأمر  في ظل غياب الوازع الديني والمراقبة الأسرية. وفي منطقة الخليج تشير دراسة أعدتها كلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز في جدة شملت أكثر من 1200 طالب، أن ثلث العينة سبق لها أن وقعت في ممارسة جنسية خاطئة، منهم 12 ٪شاذون جنسياً. (الميرزا ،2013: 2445). 

الآثار الاجتماعية السلبية الناجمة عن الجنسية المثلية 

الشذوذ الجنسي انحراف كغيره من الانحرافات  له آثار وأضرار عدة تؤدي إلى عواقب وخيمة في مختلف مجالات الحياة الصحية، والنفسية، والاجتماعية، والفكرية، والأمنية، والاقتصادية، والتربوية وغيرها. وقد حذر رسول الله بقوله: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا” ( أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 106).

 ونعرض فيما يلي الآثار  السلبية  الناجمة عن المثلية الجنسية: 

  1. لاشك أن الشذوذ الجنسي ينعكس سلبا صحيا ونفسيا على أصحابه، مما يؤدي إلى انتشار العديد من الأمراض المعدية مثل أمراض نقص المناعة (الإيدز)، والزهري، والوباء الكبدي وطفيليات الأمعاء (مثل الديدان و الأوميبا)، وذلك نتيجة لممارستهم الشذوذ مع أي شخص دون الاكتراث بما يحمله من أمراض. (خلود، 2017: 90). وهذه المشكلات الصحية تصاحبها مجموعة من المشكلات النفسية والعصبية مثل الشعور بالنقص، والوسواس، والقلق، والاكتئاب، والجنون، والسادية وما إلى ذلك من اضطرابات نفسية قد تؤدي إلى انتحار أصحابها، حيت تنشأ في نفس المنحرف حالة من الصراع النفسي بين المرغوب والمحظور نتيجة إدراكه التام لكون ممارسته ممارسة غير مقبولة دينيا واجتماعيا وأخلاقيا، علاوة على أن عدم الاستقرار النفسي يؤدي إلى خلق حالة من الاضطراب تعطل قدرة الشخص عن اتخاذ القرارات السليمة، ومن ثم ينعكس سلبا على الأسرة والمجتمع. (الميرزا، 2013: 2462).  
  2. إحداث خلل في القيم والمعايير الدينية والأخلاقية، فيصبح الحلال حرامًا والحرام حلالاً، ويزيد الاستهتار بالدين الذي يحرم الشذوذ بكل أنواعه.(قاطرجي، 2010).  
  3. تقويض الروابط الأسرية، وتغيير أشكال الأسرة الطبيعية المكونة من امرأة ورجل وأطفال؛ إلى رجل ورجل وأطفال ،أو امرأة وامرأة وأطفال. (الميرزا، 2013: 2462).   
  4. قد تساهم القوانين التي تدعم زواج المثليين إلى زيادة عدد الزيجات الشاذة بما تتضمنه من تبني أطفال وتربيتهم وفقا لانحرافهم وأفكارهم الشاذة مما لها آثار ضارة على هوية المجتمع وقيمه.
  5. عزوف الشباب عن الزواج، وهذا بالتالي يؤدي إلى زيادة نسبة العنوسة، والطلاق، والخيانة الزوجية، فكثير من الزوجات يرفعن قضايا طلب الطلاق أو الخلع بسبب اكتشافهن شذوذ أزواجهن (الميرزا ،2013: 2462).   
  6. انخفاض عدد السكان، حيث زيادة زواج المثليين قد يؤدي الى انخفاض في عدد السكان مما له تأثير سلبي عالمي خاصة في الدول المنخفضة في عدد السكان.  
  7. التأثير على المجتمع وسياساته وقوانينه، حيث يمثلون ضغطا على السياسة العامة لبعض الدول لتنفيذ اجندتهم السياسية والتأثير في الانتخابات، بمساندة من المراكز والجمعيات المناصرة لهم، (رغم أن الأبحاث الحالية تشير إلى أن النسبة الحقيقية للشاذين بمعدل 1 – 2 % من المجتمع الأمريكي، الا أن الشاذين يصرون على أن نسبتهم 10% ليوهموا المجتمعات بكثرتهم وأهميتهم). (خلود، 2017: 93).  
  8. زيادة نسبة الجريمة بسبب السلوكيات الناتجة عن الشذوذ الجنسي، من قتل، وسرقة، وإدمان للخمور، وتعاطي المخدرات، واستعمال العنف والشدة، والاعتداء على الآخرين خاصة الأطفال. يقول الدكتور إبراهيم عيد أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس إن الشاذ جنسيا تتسم مكونات شخصيته بالعنف ، (إبراهيم، 2014)  وجاء في  كتاب أن الأطفال الذين تم اغتصابهم قهرا وعنفا أدى إلى تضررهم نفسيا، فتنتشر الضحايا المشوهة نفسيا وبالتالي يعيثون في الأرض فسادا  وينتقمون لكيانهم المجروح بانتهاك طفولة الآخرين بنفس الطريقة التي ربما انتهكوا بها. (فاضل، 2007 ). يقول القاضي جون مارتوغ رئيس قضاة المحكمة الجرمية في نيويورك “اللوطيون يتسببون بنصف الجرائم في المدن الكبرى”، ويعلق  وليام ريدل رئيس شرطة لوس أنجلوس أن ( 30.000) حالة اعتداء جنسي على الأطفال في لوس أنجلوس يسببها اللوطيون سنويًا”. 7% من الذين يرتكبون أقبح الجرائم هم شواذ تحت سن الـ 30 سنة، ويرتكب اللوطيون أكثر من 33 % حالات التحرش الجنسي بالأطفال المبلغ عنها في الولايات المتحدة التي يفترض أن اللوطيين يشكلون 2% من سكانها فقط، وهذا يعني أن واحدة من كل عشرين حالة لواط هي حالة تحرش بالأطفال. وتشير الدراسات التي كشفت عن أن 37 % من اللوطيين مصابون بالمازوكية أو بالسادية مما يزيد العنف المنزلي، كذلك تزيد حالات الانتحار بين اليافعين الشاذين جنسيًا أكثر بأربعةأضعاف منها بين نظرائهم الطبيعيين. (خلود، 2017: 91-92).  
  9. تضرر الجيل الجديد فكريا وعقائديا بسبب الظهور العلني للشواذ والالتقاء في الأماكن العامة خاصة المقاهي والمطاعم، هذا الظهور العلني يؤدي إلى تقبل الشواذ في المجتمع، والمحاكاة والتقليد لهم، وفقدان الهوية الاجتماعية والثقافية. (الميرزا، 2013: 2462 ).   

طرق الوقاية والعلاج من المثلية الجنسية من رؤية دينية: 

يرى علماء الدين الإسلامي وعلماء الاجتماع أن علاج مشكلة الشذوذ الجنسي يبدأ بالوقاية منه أولا، واللجوء إلى العلاج يأتي بعد ذلك كالآتي: 

  • الالتزام بتعاليم الإسلام؛ الذي حرم الزنا والبغاء العلني والسري وبتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية على الزناة والقوادين واللوطيين والشاذين جنسيا. وقد جاء في دراسة ( Kent، 2020)  أن الشعوب المتدينة هي أكثر رفضا للشذوذ الجنسي من الشعوب اللادينية.
  • نشر الوعي الديني والصحي، وتعميق الإيمان في نفوس الناس، وتحديد الأدوار في الأسرة، وبيان الأثر المدمر للمثلية الجنسية من خلال المؤسسات التعليمية والدينية والاجتماعية، ووضع برامج إعلامية تهدف للتثقيف الجنسي وإيصال المعلومات الصحيحة عن الجسد والهوية الجنسية بغرض حماية الأفراد والمجتمع.  
  • مراقبة ومنع وسائل الإعلام التي تشيع الفاحشة في المجتمعات، والرقابة على وسائل الإعلام والتكنولوجيا ، ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة المرئي منه، الذي يستورد كثيراً من البرامج الإباحية التي تشجع على الخلاعة والشذوذ الجنسي. (الميرزا، 2013: 2463-  2464).
  • التكاتف بين المسلمين وغير المسلمين والعمل يداً واحدة من أجل محاربة هذا السلوك بشتى الوسائل الفردية والجماعية، ومن هذه الوسائل (قاطرجي ، 2010: 13- 14) التشديد على استخدام مصطلح: الشذوذ الجنسي عند الحديث عن هذا الفعل، ورفضِ استبداله بمصطلح: «المثلية الجنسية» والميل الجنسي للفرد، من دون أن يحتوي على أي حكم أخلاقي بتحريمه ورفضِه.
  • تضافر الجهود الرسمية والخاصة من أجل القضاء على هذه الظاهرة، وتوعية الناس حول مخاطر الشذوذ. ومن هذه الجهود: تعديل القانون المحلي لبعض الدول العربية التي لا تنص على عقاب الشواذ إلا في حالة عدم رضا أحد الأطراف. ومنها أيضاً تغليظ العقوبة على مرتكبي الشذوذ وعدم تشريع وجودهم ولا الترخيص لجمعياتهم.
  • التصدي للخطط الدولية التي تطالب بتعديل مناهج التدريس؛ حتى تتناسب مع التوجه العالمي الذي يدعو إلى تقبل الشذوذ الجنسي وتقنينه. (الميرزا، 2013: 2464).
  • الاهتمام بعلاج حالات الشذوذ، وتطوير الوسائل العلاجية التي تساعد الشاذ على التخلص من هذا الداء سواء علاج نفسي أو بيولوجي .
  • التركيز على التربية الأسرية الإسلامية الصحيحة، ودعوة الآباء إلى تطبيق سنة رسول االله –  صلى االله  عليه وسلم –  في التعامل مع الأبناء، التي من بينها التفريق بينهم في المضاجع، وعدم تفضيل الذكر على الأنثى، وعدم القسوة عليهم … وما إلى ذلك من أمور تربوية أخرى.
  • إيجاد الحلول الاجتماعية والاقتصادية لمسألة العنوسة وتأخُّر الزواج، والتشجيع على الزواج المبكر، وعدم وضع العراقيل أمام هذا الزواج .

الخاتمة : 

وأخيرا سيبقى موضوع الشذوذ الجنسي مطروحا وبقوة وتتباين الآراء حوله،  إلا أن المناداة بحقوق الإنسان لا يعني أن للفرد مطلق الحرية في تلبية حاجاته الجنسية، إنما ينبغي أن يُضبط سلوكه بحدود شرعية وقانونية، حتى لا يتعارض مع قوانين الطبيعة ولا تنتهك الكرامة الإنسانية، فالشذوذ الجنسي ظاهرة خطيرة لها آثار مدمرة على الفرد والأسرة والمجتمع يجب التصدي لها.