تعتبر المجاعة احدي الآفات التي تزهق أرواح مئات الآلاف من المواطنين في إفريقيا و تخلف أثارا طبيعية و بيئية كبيرة وتتسبب في انتشار الأمراض و الأوبئة في المناطق المنكوبة و في اندلاع الحركات المطلبية و الاحتجاجية و نفوق المواشي و ندرة المحاصيل الزراعية و في نزوح المواطنين من مناطقهم الأصلية.
و قد أصبحت المجاعة أحدي الكوارث الإنسانية المتجددة التي تضرب القارة السمراء من حين لآخر و في فواصل زمنية متقاربة، و ذلك في ظل عجز الحكومات الأفريقية عن مواجهة هذه الكارثة و استجداء المساعدات الخارجية و العون الدولي للمساهمة في جهود دحر أثار هذه الكارثة.
فقد دقت منظمات الإغاثة الأممية على مدار الأسابيع الأخيرة ناقوس الخطر، منذرة بتفشي مجاعة تتهدد بلدان افريقية متعددة، من أهمها الصومال و نيجيريا و جنوب السودان و بعض دول منطقة الساحل.
تراجع دعم الهيئات الأممية
يتزامن خطر المجاعة الحالي مع تقليص بند المساعدات الخارجية في ميزانية الإدارة الأمريكية، فقد تراجع الدعم الموجه للهيئات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في هذه الميزانية بشكل كبير ، مما سيؤثر حتما على برامج التدخل الإنساني. فوفق سياسية التخفيف من أعباء الإنفاق الخارجي التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب لحساب سياسية “أمريكا أولا” فإن موارد صندوق الأمم المتحدة للتربية و الأطفال و وكالة غوث اللاجئين و برنامج الغذاء العالمي ستتراجع بشكل كبير نظرا لاعتماد هذه الوكالات في السابق على الميزانية الأمريكية التي تغطي ما 40% من موارد هذه الهيئات.
كما أن تراجع المساعدات الأوروبية المخصصة للعالم الثالث بسبب الأزمات المتعددة التي يواجهها الاقتصادي الأوروبي نتيجة ارتدادات الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت الاقتصاد الغربي في الصميم، سيؤثر هو الأخر علي دعم هيئات الإغاثة العالمية.
أرقام مخيفة
الأرقام التي تقدمها المنظمات الاغاثية المتخصصة تبدو مخيفة، فقد قالت الأمم المتحدة أن 100 ألف شخص سيموتون في جنوب السودان بمجرد إعلان ظهور شبح المجاعة، مشيرة إلي أن هذا الرقم مرشح للوصول إلي مليون نسمة في الأشهر المقبلة، و اعتبرت المنظمة أن حوالي 42% من مواطني جنوب السودان يواجهون خطر المجاعة.
وفق تقرير صادر عن منظمة التغذية العالية فإن 37 بلدا بحاجة إلي مساعدات خارجية منها 28 بلد يقع في إفريقيا جنوب الصحراء،و اعتبرت المنظمة التابعة للأمم المتحدة أن هذه الأزمة الغذائية تعتبر غير مسبوقة، لافتة إلا أن 3 مليون صومالي يواجهون مخاطر الأزمة الغذائية، و أن أزيد من 5 مليون في الشمال الشرقي من نيجيريا يواجهون ذات المخاطر.
و يربط مراقبون بين المجاعة المتفشية في بعض الدول الإفريقية و تردي الأوضاع السياسية و الأمنية، معتبرين أن الخلافات السياسية و الحرب الأهلية تُغذي بشكل كبير عوامل تفشي المجاعة. فقد اتهم مثلا تقرير أممي حكومة جنوب السودان بصرف عائدات النفط(المصدر الأساسي لخزينة البلاد) على الأسلحة بدلا مواجهة التحديات الاجتماعية للبلاد.
و كانت مجاعة مماثلة ضربت إفريقيا في عامي 2010 و 2011 متسببة بوفاة أزيد من ربع مليون من البشر في الصومال لوحدها.
مخاطر استغلال الكنيسة
في ظل تقاعس الدعم العربي و الإسلامي عن التدخل السريع للحد من آثار المجاعة بإفريقيا ، بادرت الكنسية الكاثوليكية بالتعبير عن مخاوفها في وجه المجاعة كما قدم بابا الفاتيكان مبلغ نصف مليون دولار لجمهورية مالاوي من أجل مواجهة و دعم المجاعة و دعم برنامج الغذاء بالبلاد، ، على أن يشرف القساوسة المحليين على توزيع عملية. كما أطلق قساوسة البلاد دعوة للعالم من اجل مساعدة ملاوي في محنتها التي تمر بها، و تستفيد المنظمات التنصيرية و الكنسية من استغلال أوضاع المجاعة بإفريقيا لنشر التنصير في صفوف ضحايا المجاعة. و قد أطلقت المنظمات الكنسية في الغرب حملات كبيرة من اجل مواجهة المجاعة.