قال عميد كلية الشريعة بجامعة قطر الدكتور إبراهيم بن عبد الله الأنصاري أن النظرة إلى الأسرة في الإسلام ترتبط بالعقيدة والشريعة الإسلامية وهذا متأصل في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، فهذه الآية في صدد الحديث عن آيات الله في الكون تظهر إعجاز الله في الكون من خلال ذكر مبدأ الخليقة وتشير إلى الأسرة وتكوينها أنها أصغر وحدة يتكون منها المجتمع. جاء ذلك في حديثه أمس لبرنامج “الشريعة والحياة في رمضان” على قناة الجزيرة.
وأوضح الدكتور إبراهيم إن الأسرة في الإسلام ترتبط بالمنظومة القيمية الإسلامية، كما وضعت الشريعة كل الأحكام المتعلقة بإنشاء الأسرة وحمايتها وحفظها وصونها بدقة بالغة.
وفي مجال الإطلالة على فلسفة الإسلام في نظرية تكوين الأسرة، قال الدكتور إبراهيم الإنصاري أن التشريع الإسلامي يرى الأسرة أساس المجتمع، وأن هذا التشريع يقوم على ثلاثة محاور أساسية؛ الأول طبيعي ويكمن في التزاوج، والمحور الثاني التشريع الذي يضبط عملية الزواج ، والمحور الثالث الغاية من إنشاء الأسرة وهو المودة والرحمة.
اعتبر الأنصاري المحور الثالث الذي هو المودة والرحمة هو نتاج المحورين الآخرين، إذ هي الغاية الحقيقية المراد تحقيقها من الأسرة، ويتمثل هذا في الحب الحقيقي الذي ينشأ من خلال التلاحم والتعاطف بين أفراد الأسرة، وينشأ من التنازل عن بعض الحقوق رغبة في التضحية لبقاء نواة الأسرة، وكذلك التوقف من ملاحقة الرغبات الفردية والتنازل عنها، وهذا الحب الحقيقي الذي تشير إليه الآية الكريمة بالمودة والرحمة، والنتيجة التي تصل إليها الأسرة بعد سنوات من التضحية.
أكد الدكتور إبراهيم وهو يقارن نظرة الإسلام المثالية للحب الحقيقي والخلط الذي يزعمه بعض الشباب في تفكيرهم عن الحب، فأشار إلى وقوع خلط لدى الشباب بين الرغبة المتعلقة بطبيعة البشر، والمفاهيم المتعلقة بالغاية من إنشاء الأسرة، والحب الحقيقي وهو ما تتصل به الأسرة لا ما تبتدأ به، وهي ما تبقى في الأسرة، لأن الرغبة قد تتوقف بتقدم السن.
وفسر الدكتور إبراهيم الأنصاري عناية الشريعة الإسلامية السمحة بالأسرة منذ التفكير المبكر في دخول الشباب إلى هذه المرحلة من حياتهم، حيث إن الإسلام يوجه الشباب والفتيات للطريق القويم منذ تفكيرهم بالزواج، وهو متأصل في حديثين مشهورين، الأول يتعلق باختيار الزوجة الصالحة وورد في ذلك قول النبي ﷺ “تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”، وحديث آخر في قبول الرجل الصالح عند طلب الزواج يد ويفهم هذا الأمر من قوله ﷺ “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وأضاف الدكتور الأنصاري هذه الأحاديث جاءت تلبية للمحور الأول المتعلق بالرغبة، لكنها شددت في الحديثين على المحور الثاني المتعلق بالدين الذي يحتوي على الضوابط والهدف من الحديثين وهو الوصول إلى المحور الثالث المتعلق بالمودة والرحمة. وهذه الأحاديث حيث نظرت إلى تعامل الإنسان وهو يمارس رغباته الطبيعية من جانب، وتعامله وهو يمارس الالتزامات الشرعية فإن الدعامة الأولى في هذا التعامل بين الزوجين تعود إلى التعامل بالمعروف.
جاءت كلمة “المعروف” في النصوص القرآنية المختلفة تقيد أساس التعامل في نظام تكوين الأسرة بين الزوجين ، وأشار الأنصاري من وراء هذه القاعدة أن كثرة تكرار هذه الكلمة في القرآن وهو في حديثه عن الأسرة وتكوينها وحمايتها تعتبر الأساس الأول في قيام الأسرة وتربية الجيل الناجح، ومن أمثلة ذلك: آيات سورة البقرة التي تتحدث عن أحكام الأسرة من الآية (221) إلى الآية (242) تكررت فيها كلمة “المعروف” اثنتي عشرة مرة، ما عدا المرادفات والكلمات القريبة لذلك، مثل: تشاور، وتراض، الفضل.. وغير ذلك ، وهذا يدل على أن دعامة المعاملة بالمعروف هي القاعدة الأولى لنظام تكوين الأسرة في الإسلام.
وبين الأنصاري على قضية رعاية معاملة بالمعروف بين الزوجين، المقصود الشرعي لمفهوم “درجة” التي وردت في قوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: 228] ليمكل المعنى المراد من الدعامة الأولى، فقال: “أن على الرجال مثل ما على النساء في كل مناحي الحياة، فمثل ما على المرأة التجمل للرجل، فإن عليه أيضا التجمل لها، والدرجة المذكورة للرجل في هذه الآية هي الإنفاق على المرأة والأسرة وإدارة شؤونها”.
واعتبر الأنصاري الدرجة المذكورة هي القاعدة الثانية في تكوين الأسرة المسلمة، فإنها إذا فهمت الكلمة ووظفت بحق، فإن الإسرة تعيش في صلاح دائم واتصال مستمر، ووظيفة “الدرجة” لا تتعدى الصلاحية المخولة للرجل أو الزوج التي تتوافق مع طبيعة خلقه، فإن الدرجة تظهر وظيفتها في حسم الخلافات إذا وجدت بوادرها، لما تقرر أن الذي ينفق من ماله هو الذي يدير الأمور ويأخذ القرارات، وهذا ليس تفضيلا للرجب على المرأة ، بل يجوز للزوجة أن تبدي رأيها كذلك بحسب ما تنفق هي من مالها في إدارة شؤون البيت، ولكن هذا “الإنفاق وإدارة شؤون الأسرة -كما صورها الدين الإسلامي- لا يعنيان التسلط وإطلاق الأحكام، لأن اتخاذ القرارات في الأسرة يجب أن يؤخذ بالتشاور والمودة والرحمة”. فهذه الدعائم هي التي تنتج المحبة وتعين الأسرة أن تنشأ في جو محفوف بالرحمة والعطف والصفح، وهذه الأسرة هي التي تنقل هذا المعنى إلى المجتمع فيسعد المجتمع وينشأ في حالة يغلب عليها الرحمة والمحبة والمعاملة بالمعروف.